فوضى غير خلاقة/حيدر الجابر
Wed, 19 Mar 2014 الساعة : 1:01

لعل أول من ابتدع مصطلح «الفوضى الخلاقة» هي «كوندوليزا رايس»، أحد أبرز اليمينيين المتطرفين في الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن، حين بدأ الأميركان يتوحلون في أفغانستان والعراق، ولم تستجب دول الشرق الأوسط الضعيفة لسياستهم القوية، الفوضى الخلاقة مصطلح عاجز، يبرر العشوائية والتخبط، والنزعة التدميرية، وهو منطق ينتظر الانضباط والنظام من التبعثر واللا قصدية. على العموم، الشرق الأوسط اليوم ـ بجهود الأمريكيين أو من دونها ـ يعيش حالة غريبة من الفوضى، تسربت إلى جميع مفاصله، وحتى الدول المستبدة القوية انكشف عنها الغطاء، وها هي اليوم تعيش الفوضى والهزيمة أكثر من غيرها.
على الأقل العراق وسوريا ومصر وليبيا، اختفت منها معظم المظاهر الحقيقية للدولة، وتحت عنوان الحرية بدأت مكوناتها أما بالانعزال أو التفتت، ولم يحمِ الدول الأخرى كونها قوية، بل مميزات سياسية أو اقتصادية تحصنها بعض الوقت، وستفقد صلاحيتها بعد حين. لم تعد سوريا كما كانت، ولن تقوم للعراق قائمة، وأزمات وهموم مصر اكبر منها، ولن تعود ليبيا واحدة، وبالإضافة إلى اليمن، فإن قاسم الأمثلة السابقة هو الاستبداد والفساد اللذان حكما هذه البلدان أكثر من ثلاث عقود. الفوضى قادمة لكل مناطق العالم التي ترفض التغيير، وستترك الأنظمة المستبدة السلطة مرغمة، مخلفة وراءها شعوباً مسحوقة وبلداناً مفككة.
قد يكون النسيج الاجتماعي لبلدان الشرق الاوسط غير منسجم، وربما ساعدت الدكتاتورية المستمرة على تماسكه، بقوة السيف فقط، الاستعمار الحديث وقبله العثمانيون وقبله المغول والاتراك، وقبلهم سلطة الخلافة المقدسة الفاطمية والعباسية وقبلهما الاموية. عصور مريرة من الطغيان كان ابناء المنطقة يسلمون مقاديرهم مرغمين أمام جحافل السلاطين القادمة من الشرق والغرب. لم تنفع الثقافة المشتركة أو اللغة في انسجام المنطقة، وكانت دائما تدخل في فوضى مع كل تراخٍ يعتري السلطة الحاكمة.
التاريخ مليء بالعبر إلا أننا لا نعتبر، والتاريخ كذلك يعيد نفسه ولكننا لا نقرأ، ربما أصابنا الملل أو فقدنا الأمل بالاستقرار، كل همنا اليوم أن نتجنب الشرور لنعيش مسالمين وإن تكلف ذلك دولاً برمتها.
جريدة المؤتمر