البلابل وطيور الحب/عباس ساجت الغزي

Tue, 18 Mar 2014 الساعة : 23:47

عند حلول فصل الربيع تضحك الطبيعة لبني البشر , برحيل الشتاء ببرده القارص وامطاره الغزيرة , لتسر النواظر برؤية الحقول والمروج الخضراء , بعد ان اكتست ثيابها السندسية بألوانها الزاهية , ونستنشق أريج الزهور وطيب عطرها الفائح بين الخمائل ونحن نستمع الى تغاريد البلابل وزقزقة العصافير الفرحة بقدوم الربيع .
اعتدنا ان نرى البلابل بتغاريدها الشجّية فوق أفانين الأشجار، تحلق راقصة بحركاتها الدورانية على بعضها بفرحة ونشوة , وكأنها تدعونا لنراقص بعضنا لكسر حواجز الحزن والحذر , اما طيور الحب تلك المخلوقات الشفافة الرقيقة فان زقزقتها بلحن اخر تترجم عذوبته الوانها البراقة الزاهية التي تشبه الوان القوس قزح , وتزيد لحنها جمالاً خفتها في اداء الرقصات ومداعبة بعضها بتكرار القبلات , والاجمل رشاقتها وجمال جسدها الممشوق .
ان نرى تلك الطيور حرة في الرياض فتلك طبيعتها وموطنها , لكن ان نراها تمارس حريتها في داخل البيوت وبين افراد العائلة فذاك من النوادر القليلة خصوصاً في مجتمعاتنا المكتظة بالسكن والمشحونة بالأجواء العصبية التي لا يسلم من شرورها الغضبية حتى المقربين من افراد العائلة , وان تعرف الكثير عن تصرفات وطريقة حياة تلك الطيور لابد من معايشتها عن كثب لتعرف عنها صفات اجمل مما ترى منها من تغريد ورقص.
تعرفت من خلال زيارتي المتكررة لبيت اخي الاصغر ( يحيى ) على البعض من صفات تلك الطيور التي يهوى جمعها منذ عودته من سوريا بعد ثلاثة سنوات من التغيير , فالرجل اعتاد جمع الطيور , من الحمام النادر والذي يعتبر للزينة وكذلك جمع انواع متعددة من طيور الحب ( الكناري ) واعد لهن اقفاص لهذا الغرض وسخر الكثير من وقته في رعايتهن , وكنت اشهد فرحته الكبيرة وهو يراهن يتكاثرن , واشعر بحزنه الكبير حين يفقد احداهن .
اجمل ما كنت اراه , ان ابواب اقفاص طيور الحب كانت مشرعة والطيور تحلق في باحة الدار ثم تعود الى اعشاشها , وحين يتشاجرن بزقزقة عالية ويصرخ فيهن يخيم السكون وتسكن حركتهن الاستفزازية لبعضهن , واشد ما لفت انتباهي ان ( يحيى ) قد جلب مؤخرا ( عشرون ) من البلابل المغردة وضعهن في قفص واحد مع طيور الحب , وكنت اضن ان معركة حامية سوف تحصل ورجحت ان تخسر طيور الحب فيها لأنها رقيقة لا تحتمل الصراعات .
لكن ( يحيى ) كان يبتسم ببرود وكانه يتحكم بكل شيء في حياتهن , كان الامر طبيعي جداً من الطرفين لم يحصل أي استفزاز لكن البلابل اختارت القسم العلوي من القفص للسكن , مرت ايام وذهبت لزيارة ( يحيى ) , وجلست كعادتي قبالة القفص الكبير لطيور الحب , كانت الالفة لا توصف بين البلابل وطيور الحب حتى ان احد الطيور كان ينظف ريش البلبل بمنقاره الصغير , فخرجت كلمة ( سبحان الله ) عفوية بدهشة من لساني .
مد ( يحيى ) يده الى الاعشاش الخشبية داخل القفص ليخرج فراخ طيور الحب الثلاثة الصغيرة الجديدة ليريني احداهن , وبعد ان اعادهن وكنا نتحادث خرج احدهن من القفص ليسقط على الارض , زقزقة طيور الحب مع ضجيج الام لسقوط فرخها , هبت البلابل للخروج من القفص ونزلت الى الارض في محاولة لرفع فرخ ( الكناري ) ونحن ننظر الى المشهد الكبير بعبرته وابعاده الرحمانية , وبعد ان عجزن عن رفعه فقد كان يسقط كلما ارتفعن به مسافة عن الارض , قمن بسحبه بمحاذاة القفص وتشكيل غطاء فوقه خوفاً من ان يصيبه اذى ( سبحان الله منزل الرحمة ) .
عباس ساجت الغزي 

Share |