الفرق بين الغريزة والشهوة عند الإنسان/الحسن علي الرفاعي
Sat, 15 Mar 2014 الساعة : 0:58

يرد على مسامع الجميع لفظي ( الغريزة والشهوة ) حينما يتدبرون القران الكريم عند ورود ذلك اللفظ في آياته ويعتقد الكثير ان اللفظين يصبان للقصد على معنى واحد ، وهذا مايسميه اللغويون الترادف اللفظي للدلالة على معنى واحد بعينه لا بغيره ، والذي يعرفه أهل الاختصاص بما يلي : ( الترادف اللفظي : هو ما اختلف لفظه واتفق معناه حيث تطلق عدة كلمات على مدلول واحد ) أو ( هو اللفظ الواحد والذي له أكثر من معنى ، وهو قليل جداً في اللغة ) .
يحتم علي واجبي الأخلاقي وأمانتي العلمية في النقل المعلوماتي حين البحث العلمي بالإشارة الى ان فكرة بحثي مستوحاة من موضوع تكلم به غيري ، وببيان ان الفكرة ليست من بنات أفكاري ولا مستقاة من غزارة علمي إلا أنني استشفيتها من محاضرات المفكر الإسلامي الدكتور ( محمد شحرور ) من خلال متابعتي لحلقاته العلمية الرائعة . لا أنكر أني بذلت فيه جهدي على أمل التعلم والاستفادة وعسى الله سبحانه ان لا يحرمني أجر الاجتهاد والإصابة ان كان رأي صواب . الحقيقة لايخفى على ذوي الاختصاص ان لكل من اللفظين معنى مستقل على الرغم من تقارب المدلول والمراد فيهما . وعليه لابد من ان نعرج على حد ( أي تعريف ) كل منها على حدة . فنقول بعد الحمد والاستعانة برب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى اله أجدادي الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وعلى من سار على نهجهم من العلماء العاملين الى يوم الدين .
ماهية الغريزة :
الغريزة في اللغة : بوزن الغريبة الطبيعة والقريحة (1) .
الغريزة في الاصطلاح :
هي الفطرة الربانية .
وهي حاجة تخلق مع الكائن لا تكتسب ولا علاقة للعقل بها .
وهي ما غرز في النفس بدون تدخل من الإنسان فهي غريزة .
وهي طبيعة في البهائم أي جبلة جبلوا عليها لا عقل يحركها ولا إدراك يوجهها ، فالبهائم لاتشتهي ، وليس فيها شهوه لإنعدام العقل .
وغريزة البحث عن طعام وشراب : يقول تعالى : ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون وغريزة الشح واستعجال الملذات : يقول تعالى : ( إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا ) . وغريزة حب الظهور والاستعلاء : يقول تعالى : ( إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ) .
وهذه الغرائز لا يمكن إخمادها ، ولا يجوز السعي لذلك ، لأنها ضرورية لبقاء الحياة ، ومن المضر أن نحاول كبتها كبتا شديدا قاطعا .
اكتسبت تسمية غريزية ؛ كونها مغروزة في أعماق الإنسان حيث غرزها الله سبحانه وتعالى ، وهي مصدر جبلي مكنون في صميم أفعاله التكوينية ، محصورة بمقدار معين ، يكتفي الإنسان بوجوده ، كالأكل والشرب لسد الجوع والعطش . أذن الغريزة طاقة كامنة تتحقق في مستوى المعقول عند الحاجة إليها ، ولاتتقيد بشروط أو مواصفات حين تطبيقها . ان الغريزة عامل مشترك بين الكائنات الحية الثلاث المختلفة . وأمر لامفر منه في استدامة الحياة لما يفرضه عليه الواقع من ديمومة العيش والتناسل والاستقامة الحيوية . والغريزة لاتحدد بشكل ثابت ، ولابحالة محددة ، ولابظرف معين ، ولابكيفية موحدة .
من الغرائز المعروفة عند الإنسان : الأكل والشرب لسد الحاجة عند الجوع والعطش ، مهما كان نوع الطعام والشراب . والجماع بين الزوجين لسد الرغبة الجنسية والتكاثر ، مهما كان شكل الزوجة وظرفها . ولبس الثياب مهما كان نوع قماشها حتى لايتعرى في حر الصيف وبرد الشتاء . والدفاع عن النفس في حالة الخطر لحفظ المهجة من الهلاك والتلف ، مهما كان شكل الدفاع ونوع السلاح المستخدم وقوته .
اعتبر الغريزة حاجة مخلوقة في الفطرة ومغروسة في النفس الإنسانية ولاتقتصر عليه من دون الكائنات الحية الأخرى ، ولاتكتسب من الطبيعة أو بحسب التكييف البيئي بحسب الظروف والحالات وغيرها . ولا ترتبط بالعقل ولا تحتكم إليه في التنفيذ وتحديد المطلوب والمراد في حين صياغتها ، وتمثيل شكلها ، وتحديد معانيها ، ولاتتقيد في زمن ، ولاتعرف بحالة دون أخرى .
ماهية الشهوة :
الشهوة في اللغة :
معروفة وطعام ( شهى ) أي مشتهى ، وهو فعيل بمعنى مفعول من ( شهيت ) الشيء إذا ( اشتهيته ) من ( تشهى ) أي يحمل على اشتهائه (2) .
الشهوة في الاصطلاح :
حركة للنفس طلباً لملائم (3) .
والشهوة : هي إذكاء للغريزة نحو الشهوات ، أي : لولا الغريزة لما كانت الشهوة .
كذلك تعرف بأنها وسيلة لإشباع الغريزة ، أما الحيوانات لديها عقل وتفكر والغريزة الجنسية موجودة فيها لكن طرق إشباعها مختلفة .
وكذلك قيل عنها هي ما اشتهاه الإنسان بتدخل من نفسه فهي شهوه .
وتعرف بأنها اشتياق إلى الشيء وحب له ورغبه فيه وذلك لايكون إلا من عاقل كالإنسان .
كذلك هي الميل والرغبة ، وتنطوي على أمرين اثنين معاً : فطرة غريزية بشرية ، ولذة جثمانية جسدية ؛ ولذلك فهي موجودة في أصل خلقتك التي خلقك الله عليها .
فالشهوة عزيزي الشاب ، من الأمور الفطرية التي جبلنا الله عليها ، ووضعها فينا لحكم وفوائد عديدة ؛ منها : حفظ النسل ، وتحقيق المتعة للرجال والنساء ، وغيرها من الفوائد .
وتعرف ايضاً بأًنها الرغبة بأقوى صورها وهي الشعور بحاجتك الى الشيء دون غيرها . أو هي إرضاء النفس بشيء دون آخر من نفس النوع أو الصنف .
اعتبر الشهوة وسيلة لتحقيق الغريزة بصورة مثلى ، ولكن بمواصفات تحددها الرغبة الإنسانية لارتباطها بالعقل فهي تجعل العقل حاكم تشريعي ومدير تنفيذي يحدد من خلاله مواصفات معينة وكيفية محددة لتنفيذ الرغبة الغريزة . بمعنى أن الشهوة محرك رئيسي لتقوية الغريزة وتخصصها بأطر معينة . ولاتنفك عن العقل ولاتستغني عنه ؛ كونه يمثل الأب الروحي الداعم لهذه الميزة البشرية . ومن اليسير ان نذكر بعض الأمثلة الخاصة بالغريزة والشهوة من ناحية التشابه والاختلاف بينهما وكيفية ارتباطهما واختلافهما .
الإنسان ككائن حي يحتاج الى الطعام والشراب ليبقى على قيد الحياة ، في حالة الجوع والعطش تتحرك الغريزة لتنبه العقل بأن ذلك الجسم يحتاج الى أي طعام أو الى أي ماء يفي بالغرض لبقاء ذلك الشخص حياً . لكن حينما يحدد نوع الطعام وكميته ونوع وشكل الشراب كأن يكون ماء أو عصير فواكه وغيره ، وقد لايكون الإنسان هنا جائع أو عطش ، هذا التحريك والطلب المعين في وقت لايكون الجسم فيه جائع أو عطشان يسمى شهوة لا غريزة . بصورة أخرى تمثل الشهوة مدار الرغبة والميل الى وضع مميزات في الغريزة الإنسانية ، كما وعرف بعضهم الشهوة بأنها الغريزة في أقصى معالمها وصورها . ونستطيع ان نصرح بقولنا : ان الغريزة تنبع عن الفطرة الإنسانية ، والشهوة تنبع عن الغريزة الفطرية ولايتخلى أحدهما عن الأخر ، كون الأولى تكمل الثانية .
من المهم ان نشير الى أمر غاية الأهمية حتى لايلتبس الموضوع على القارئ الكريم . نحن لاننكر ان الإنسان مخلوق ضعيف مخير وليس مسير ، كبشر فهو غير معصوم عن فعل الخطأ والخطيئة إلا من رحم ربي . وان الله سبحانه وتعالى لم يحرم علينا الطيبات حتى في الشهوات ، وان من حق بني أدم مهما كان منصبه ان يتشهى ماحلل من طيبات الحياة الدنيا مالم يصب حراماً .
مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى : } زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب { (4). تفسير الآية بشكل مبسط ويسير معناه حبب للناس متاع الحياة الدنيا من استحصال وامتلاك ماطاب لهم من طيبات الدنيا من الأزواج ذوي الخلق الرفيع واللسان البليغ والطول الرشيق وفي ذلك ماتتوق النفس له وبما يزداد على حد الغريزة في الطلب . ومن حق بني أدم ان يتمنى من الله ان يقر عينه بالولد الصالح وزيادة في الذرية من حيث العدة والعدد للتفاخر بنسله وكثرة ذريته ومن البديهي ان يعشق ان يكون ذو سند من الذكور لما لهم من أثر في الحياة الدنيا مقدم على الإناث حسب تقاليد العرب منذ قديم الزمان ومختلف المكان ودخول الأديان . وان من طبيعة النساء عشق امتلاك المصوغات الذهبية والفضية المقنطرة أي : المصيوغة والمعمولة أدوات كالحلي مثل الخواتم والقلائد وغيرها . والإنسان منذ قديم الأزل يفضل ان تكون له وسيلة نقل خاص يتنقل بها ويتفاخر بها بين القوم في القدم كانت تتمثل تلك الوسيلة بالدواب كالخيول والبغال والحمير ، ومع تطور الأحوال انتقل الى ركوب السيارة ، علماً ان لفظ ( المسومة ) الواردة في الآية معناها ( السريعة أو السباقة ) . ولا احد منا ينكر حبه لامتلاك العقاري والأراضي الزراعية وغيرها من الأملاك الشامخة ، عشق التملك أمر فطري لما فيه من المنافع والفوائد الدنيوية تجر بالمنافع على أجيال متعددة . كل تلك شهوات وليست غرائز فهي تعدت حد المطلوب الفطري المغروس في النفس الحيوانية دون استخدام العقل في التفكير المطلبي الإنساني خلاصة الأمر ان الشهوات أفعال غير محرمة ان كانت في حدود الشرع ، وان تخطت حدود ذلك الشرع أصبحت محرمة . فمن حق المسلم ان يشرب الماء العذب المثلج ، وان يأكل لحم الغزال المشوي ، وان يلبس الثوب المعطر ، وان يتزوج المرأة الجميلة . اذا ما أردنا ان نميز بين الفعلين من حيث الغريزية والشهوانية ، وجب عرض كل منهما على مايرتضيه العقل البشري من حيث الإنسانية والحيوانية . فحين شمول ذلك الفعل للصفات الحيوانية ممالا يرتضيه العقل الإنساني من حيث تعديه سلوك الفعل الحيواني في التعامل ، وجب تصنيف ذلك الأمر ضمن خانة الشهوانية وفي ماعدا ذلك من الأمر ، من حيث تقبل العقل الواعي ؛ لذلك الفعل دون مبالغة وفي حدود المعقول نستطيع القول أنه تصرف غرائزي بصفة امتياز .
الباحث
الحسن علي عبد الرحمن الرفاعي
2014/3/14
ــــــــــــــــــــــــــ
مصادر
(1) مختار الصحاح : الرازي : باب الغين : دار الحديث : ص259
(2) مختار الصحاح : باب الشين : ص198
(3) التعريفات : الجرجاني : باب الشين : فصل الهاء : مكتبة القران : ص131
(4) سورة ال عمران : الآية ك 14