العنوسة عند الفتيات قصيرات القامة /الحسن علي الرفاعي

Wed, 12 Mar 2014 الساعة : 1:28

العنوسة تحمل هذه العبارة الكثير من المعاني المأساوية ، ولاتخلو من المضار الاجتماعية والتي بسببها ينظر المجتمع الى الأنثى على أنها عالة وضعت على كاهل الأسرة . اذا مانظرنا بعين الاعتبار الى الأسباب والدواعي التي وضعت هذه الفتاة أو تلك في هذا الموقف المحزن ، ندرك تماماً بلا نقاش ان المجتمع هو السبب الرئيسي ولاذنب للأنثى فيه . ولحصر الكلام ولتحديد المشكلة ، ولكي لانبتعد عن صلب الموضوع وأقصد به الكلام عن العنوسة خصوصاً عند جنس الإناث من شريحة قصار القامة أمر مثير للاهتمام يستوجب ويستحق الحديث عنه ؛ لأهميته في المجتمعات الشرقية ( العربية ) . حيث تقدر نسبة العوانس من قصيرات القامة بحوالي ( 99% ) من إجمالي عدد الإناث منهن ، ويرجع السبب الأكثر شهرة في عزوفهن عن الزواج هو قصر قامتهن ... ! . لاريب أن حلم كل فتاة بلغت الرشد ، هو الاستقلال والاستقرار وتكوين أسرة . حلم حققته الكثير من الفتيات ، وحرمت منه العديد منهن . مع شديد الأسف قصيرات القامة كان لهن نصيب كبير من الحرمان هذا ؛ لأسباب واهية خالية من الإنسانية . كان المجتمع لاسيما العربي والإسلامي يتصدر المستويات العليا منه ؛ بسبب تردي الثقافة الإنسانية ، وتأزم الوعي اللامتناهي العنصرية سواء العرفية أو التكوينية على أساس الطول واللون وغيرها .
واقع محزن ومرير في الوقت ذاته ونحن نرى الكثير من النساء قصيرات القامة حبيسات البيوت من دون وظيفة أو زواج ؛ لأسباب سبق وان تكلمنا عنها . لقد حرم الزمان والمكان قصيرة القامة في الدول العربية من أبسط مقومات الحياة في مقدمتها حرية العيش بكرامة ، فأخذ يعامل هذه الإنسانة كما كان العرب في الجاهلية يتعاملون مع بناتهم ، على اعتبار أن الفتاة في زمانهم الغابر تعد من العيوب المشينة فكان لابد من إخفائها ، ولو مكن الشرع والقانون الرجل من وئد الفتاة ، لرأينا اليوم تلك الجريمة تطبق بشكل واقعي أولاً بالفتيات قصيرات القامة . على اعتبار أنها أقل شأننا من نظيراتها من الفتيات . وماهو إلا تطبيق عملي لذات التمييز العنصري على أساس الطول .
بينا فيما سبق الأوضاع المعيشية لشريحة قصار القامة عموماً . وأزحنا الغبار عن الشيء القليل عما يعانونه في مجالي العمل أو التأهيل والزواج ، لابد من أن نبين أمر مهم بأن المتضرر الكبير من هذين المجالين هي فئة الإناث ، وهذا بين لايحتاج الى بيان عند ذوي الاختصاص . أذا ماأطلعنا على واقع حال فتيات هذه الشريحة ، نلاحظ الكم الهائل منهن دون توظيف أو زواج . بالوظيفة أو الزواج تستكمل كل فتاة حاجاتها الدنيوية ، ناهيك عن أحلامها الأنثوية كإنسانة لها شعور وأماني . عندما تتوفر أحدى الحاجتين الوظيفة أو الزواج ، فقد اكتفت بما يسد رمقها ويحفظ لها كرامتها ، فأيهما الوظيفة أو الزوج تكتفي عما سواها سوى الله سبحانه وتعالى . هذا فيما يخص الفتاة سوية الطول ، فما بالك بفتاة قصيرة القامة في مجتمع يظلم ذوي الإعاقة ، لا بل وصل الى ظلم الفتاة كعيب مشين لابد من يتدارك بالخفية ؛ بسبب جهل المجتمع وغياب وعيه شرحت فيما مضى موضوع العمل والتأهيل وتطرقت لبيان الغبن والظلم الذي تعرضت له شريحة قصار القامة نأتي الآن لشرح مظلومية العنوسة وتأخر الزواج عند فئة الإناث من ذوات القامات القصيرة .
لابد من تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة المحرومة من تلك الشريحة المغبونة ، كوني لم أطلع على أحد من السادة المؤلفين قد كتب بخصوص هذا الموضوع ، فكان لزوماً علي أن أكتب فيه لكشف النقاب عن ماأخفي وأكل عليه الزمان وشرب . تتفاقم الأزمات على الفتاة القصيرة مما يوصلها في بعض الأحيان لمرحلة اليأس لسبب أو أخرى، في الأحرى تكون أزمات مالية لما تفرضه متطلبات الحياة من تهيئة أسباب الراحة الإنسانية في مقدمتها الطيبات من المأكل والمشرب والملبس والحاجات الضرورية والكمالية وأن توفرت فقد تكون ذات نطاق محدود ، كفتاة تحتاج لمن يسد عنها مصاريف هذه المتطلبات ، وهنا يبرز دور المعيل أو الراعي الرسمي والذي يتمثل بالأب أو الأخ أو الزوج . شاء الخلاق العظيم أن تكون أغلب الفتيات قصيرات القامة في وسط اجتماعي مستور الحال أو معدوم كلياً ، وهذا ليس ضرب من الخيال أو نظرية مطروحة ، لما بين أيدينا من إحصائية لوضع مثل تلك الفتيات . حيث وقفت شخصياً على حالات كثيرة يرثى لها الحال ويندلي لها جبين الإنسانية . الكثير من الفتيات قصيرات القامة لم يكملن مشوارهن الدراسي ؛ لأسباب تعود في الغالب لصعوبة تقبل الوسط التربوي والتعليمي لحالتهن والتي تحتاج الى رعاية تمتاز بالخصوصية ، ومن حالفهن الحظ في إكمال الدراسة ، بدأت عندهن معاناة التوظيف في القطاع العام والقطاع الخاص .
المرأة مهما كانت وأصبحت بحاجة ماسة لرجل ، يكون السد المنيع لها من عواصف الدنيا ومايجول فيها من عاديات الزمان ، وهذه هي سنة الله في خلقه ، نظراً لتركيب جسدها الانثروبولوجية وطبيعتها الفسيولوجية فلابد من وجود رجل ترتكز عليه ، وتعول عليه في نائبات الدهر ؛ كونها مخلوق ضعيف يمتلك طاقة عاطفية ميزتها عن الرجل وكسبتها ميزة زادتها جمالاً فوق جمال خلقتها ؛ لأنهم القوارير المدللات كما وصفهن الزوج الرحيم والأب الرؤوف بلسانه ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله : ( رفقاً بالقوارير ) حسب إحصائية شبه دقيقة لشريحة قصار القامة في العراق ، يبلغ تعداد إفراد هذه الشريحة مايقارب (8000) ستة الاف فرد من كلى الجنسين وبمختلف الأعمار . اذا مابالغنا فأن نصف أو مايزيد عنه بقليل تحتله فئة الإناث ليصل تعدادهن في العراق حوالي (3500) ثلاث الاف وخمسمائة فتاة قصيرة القامة . ليكون (99%) من مجموعهن الإجمالي يعاني من العنوسة والجلوس في البيوت دون وظيفة . واذا مادققنا النظر نلاحظ أن تباشير زواج قصار القامة تبدأ في شمال العراق ( كردستان العراق ) ، وذلك لتطور الوضع الثقافي والاجتماعي والمعيشي ، ولتوفر العاملين على مثل هذه المشاريع النهضوية في تلك الرقعة الجغرافية مما يساعد على تمكين هذه الشريحة من ممارسة حقوقها المشروعة ، ولوجود الدعم المادي والمعنوي الذي يؤهل الشاب أو الشابة للخوض في هذا المشروع الجميل الأثر والجليل الغاية .
دأب الأخوة في جمعيات قصار القامة في شمال العراق على إنجاح الكثير من حالات زواج قصار القامة من بعضهم أو حتى من غيرهم . حيث عملوا على توفير الكثير من مستلزمات الزواج لاسيما الأمور التي تتعلق بالمصاريف المالية ، مما سهل على الكثير من الشباب قصار القامة الزواج ، بعدما أزاحوا عن كاهله بعض الأمور الواجب توفرها لإتمام مشروعهم . فمكن لهم ذلك أفراح الكثيرين من خلال تزويجهم من بعض وهذا أمر ليس بالهين يستحق التقدير والاحترام ، اذ يمثل شعاع نور وبذرة أمل في حياة هذه الشريحة المنسية ، ولاننسى دور المسؤولين في شمال العراق ( أقليم كردستان العراق ) في إنجاح هذا المشروع الإنساني المستقبلي . تضافرت جهود شريحة قصار القامة في كيفية القضاء على أفة العنوسة بين مجتمع الفتيات من شريحة قصار القامة في أربعة بلدان ( العراق ومصر وتونس والأردن ) لله الحمد والفضل الكامل كان العراق في طليعة هذه البلدان من خلال جمعية قصير العراقية في بغداد وتجمع قصار القامة في ذي قار فإنطلقت حملتنا الأولى في شهر أيار من سنة ( 2013 ) من خلال صفحة ( تجمع قصار القامة في ذي قار ) على الفيس بوك ، والتي تضمنت الإعلان استعدادها تزويج قصار القامة من بعض في تلك البلدان السابقة على أن يكون تبادل المعلومات سري بين الراغبين بالزواج وحصراً بين القائمين على المشروع ، وقد هيئة التجمع سيدات من شريحة قصار القامة لمفاتحة الفتيات قصيرات القامة ، وإبداء المشورة والرأي والترغيب في زواجهن ؛ لدفع الحرج ولسهولة وأمانة تبادل الحديث والمعلومات بينهن ، حيث امتازت تلكم السيدات بثقافة عالية ، وصدق الحديث ، وإخلاص النية في العمل . صحيح لم نجني ثمار المشروع حتى اللحظة لكننا مستمرين في المشروع . والجميل في الأمر أننا نناقش مايحدث يومياً للوقوف على المعوقات والمعرقلات التي تقف حجر عثرة في وجه إنجاح المشروع . والمفرح في الأمر والمحزن في الوقت ذاته هو بعد المسافة بين تلك البلدان ، حيث استطعنا في أكثر من حالة التوفيق بين الطرفين لكن سبحان الله يكونان من بلدين مختلفين فيبدي الطرفين استعدادهم للزواج من بعض ، لكن فارق البعد يحول دون إتمام الزواج . اذ يتمنى الطرفين الارتباط ببعض ، لكن بعد المسافة بين بلديهم وتكاليف السفر ومتطلبات العرس يقفان حائلين ، وسبحان الله يكون الطرفين غير متمكنين لتحمل مصاريف السفر فضلاً عن تكاليف الزواج . مع هذا صنع هذا الحال فينا الأمل وشد فينا رباط الجأش بعدما أدركنا أن كل تلك علامات خير وتباشير مفرحة . كوننا استطعنا أن نحدد نقاط القوة والضعف ، فمن نقاط الضعف نتدارك الهفوات الموجودة والله المعين . ومن نقاط القوة نستمد العزم وذلك بأننا استطعنا أن نوصل للعالم أن هنالك شريحة مهمشة تعاني حرمانها من أبسط الحقوق ، وأن نفهم هذه الشريحة أن هنالك ناس مدركين مدى المعاناة الواقعة بحقهم . فبعد أن طرحنا المشروع وجدنا الكثير من الطيبين من مد يد العون وبارك المشروع . ومن خلال ذلك نستطيع القول أن صوت هذه الشريحة بدأ يسمع للقاصي والداني ، وهذا من إيجابيات المشروع . كما واستطعنا بحمد لله وفضله أن نقيم علاقات صداقة وأخوة بين إفراد شريحة قصار القامة بين تلك البلدان ونأمل ان شاء الله أن يكون في المستقبل وعسى الله ان يكون قريب إنشاء ( اتحاد قصار القامة العربي ) . ونفخر ان يكون قصار القامة في العراق أصحاب هذه الفكرة وبالتحديد جمعية قصير العراقية وتجمعنا فهم سباقين في طرح مثل هذه المشاريع الإنسانية ، لكن نقولها بحرقة ما من داعم لمشاريعنا سوى الخالق جل وعلا وهذا يكفينا .

الحسن علي الرفاعي
الأمين العام لجمعية قصير العراقية
رئيس تجمع قصار القامة في ذي قار

العنوسة عند الفتيات قصيرات القامة /الحسن علي الرفاعي
Share |