هل الفساد صفة كامنة أم عادة مكتسبة؟؟؟/عبد الجبار الحمدي
Tue, 11 Mar 2014 الساعة : 2:31

أم هو حالة تماشي مع الوضع بشعار ( الفساد سمة في العباد )؟
أم إنها صفة كامنة بداخل أي إنسان تتفاعل مع الحدث؟؟ أو تنضج مع الحاجة؟؟؟ وتكبر مع الشراهة؟
إن المجتمع الذي يشمل الكثير من الاختلاطات والموروثات من العادات والتقاليد، التربية، الثقافة، الوعي يثبت بشكل قاطع أن الفساد هو صفة كامنة في النفس البشرية، تتفاعل وفق الحاجة والمتغيرات المحيطة... أي بمعنى أنها يمكن ان تظهر نتيجة الحاجة الى الصعود في انتهازية الفرص الملوثة حالة تُمَثَل في الفاسدين الآخرين الموجودين في المجتمع، بالطبع هذا يحتاج الى عملية غسيل للضمير شيئا فشيئا حتى يتلاشى وتصبح عادة مكتسبة هكذا تسمى نتيجة الحاجة اليها، رغم أنها حاضرة في كل إنسان، وكونه فساد موروث وهذا الشائع فالفساد ليس شرطا ان يكون بالبحث عن المادة بقدر ما هو فساد خُلقي وأخلاقي في السلوك او التعامل مع الناس بحكم التربية والمحيط وهذا يعود الى البيئة التي يعيش فيها والذي يتأثر بها بشكل كبير ومباشر، كما هناك فساد تخلقه السلطة لكي تستبيح كل ماهو متوفر ومحرم حتى تستطيع السيطرة والامساك بزمام الامور وذلك عبر تسهيل الوقوع بفخاخها من قبل الحاشية المحيطة .. وإن ظهر من هو على خلاف ما تصبو تعمد الى تسقيطه أو نبذه بعيدا فلا يمكن ان من يعيش بين رائحة منتة ان يضع عطر فواحا، فيكون كالملوث البيئي او مسمار في غير مكانه، لذا وجب قلعه، إننا كمجتمع نحظى بالفساد الاداري كمسمى شائع على انتهاكات الفرد بسرقة اموال الشعب، وفساد الدولة يتماثل بشكل شرعي، تحت غطاء مسمى وظيفي حكومي، يبرر لها وكأن شيئا لم يكن، إن الوقاحة ... لا بل خنوع السلطة الحاكمة والتغاضي عن مثل هكذا حثالة يثبت أنها أكثر فسادا منهم كونها ترى وتسمع ولا تتكلم... لاشك أن المعايير التي يعيش وفقها الانسان المسلم هذا إذا كان يفهم معنى الاسلام إنما هي وسيلة تسمية لديه فتراه يأخذها كل يوم مثل أي جرعة دواء صباحا وظهرا ومساءا... أو في كثير من الاحيان حبة تحت اللسان يمضغها متى ما دعت الحاجة وهذا دأب كل الساسة العراقيين الذين بيدهم الشأن العراقي دون استثناء... وحتى لا نلام نقول لكل قاعدة شواذ، فلابد هناك من خيرين أو لنقل مَن يحملون الحس الوطني ذلك الوتر الصدأ الذي نعول على فئة او رجالات تهمشوا كونهم ليسوا طلاب فساد ودم.. الفساد معلوم لدي الكثير انواعه واساليبه وطرقه.. اما الدم ليس فقط السكوت على من يقتل؟ او من يبيع؟ أو من يزرع الفتن؟ او من يقسم الوطن؟ لا فالدم هو كل ذلك دون ان تحرك ساكنا ولعل المسئول العراقي الفاسد ومن كثرة ما شرب من الدماء العراقية نتيجة خيانته لله اولا والشعب والوطن والضمير والقسم ثانيا وثالثا ورابعا... صارت كل تلك المسميات مجرد بصقة يبصقها كل يوم على مئات ممن يلمعون له الحذاء قبل ان يلوكه في فمه ليخرج رائحة الجورب الذي يرتديه في داخل نفسه، غريب امر من يقود شعب بوطن ان لا يكترث للكثير مما يقال عنه، فالصفاقة التي يحملها لا يمكن ان تكتسب او تورث إنما تباع وتشترى أو إنها اعطيت له كهدية كونه يدرك جيدا أن المواطن العراقي يمكن شراءه بقطعة حلوى أو جزء من أثاث كون أن نفسه ضعيفة جدا ولا أظنه لو حظى بنفس الفرصة انه لا يقتنصها، فالحاجة أم الاختراع...
إن البنية التحتية للمواطن العراقي هشة... منقسمة بين الانتهازية والقفز وبين الجبن والخنوع، أما ما بين هذين لاأظنه يمكن ان يكون سوى قشور تتطاير مع أول هبة ريح....هذه عادة ايضا يفرضها الواقع على تلكم الفُساد الذين يعيثون في الارض فسادا ويصفق لهم الجميع فتخرج تلك القشور لتعمل على تطاير خطب ونقد لاذع دون فعالية تذكر كونها من الفعاليات الطيارة الوقتية التي لا نَفَس لها في الالتزام كونها تحمل نفس تلك البذرة التي لم تواتيها الفرصة ليجرب هل تتفعل وتنمو ام لا ؟
وهل يمكنه ان يصمد في موجة التيار ام أنه يلقى بعيدا او هو يلقي نفسه بعيدا كونه سيكون المتضرر الوحيد؟ هناك حالة غريبة في المواطن العراقية وليست جديدة ألا وهي الاتكالية والخذلان السريع ( وسأقولها بالحسجة دافوع ) أي بمعنى الكثير من المتحدثين في نقد هذه وتلك من الشواذ والسلبيات وحين يأتي وقت الوقوف تراه يعمل على دفع فلان الى الحديث او فلان من الناس ليكون الواجهة في وجه المدفع وينتظر ردة الفعل فإذا كانت قوية لاذ بالفرار والانزواء وإذا كانت ملائمة سلك بين الآخرين فارضا نفسه قياديا آنيا في لحظة لتوثيق حدث... وهذا يحدث في كثير من المحافل ليس العراق فقط ولكن في كل عالم السياسة او لنسميه الرياء الاجتماعي...
وكوننا شعب يحب التغيير السريع ودون تعب او جهد ترانا نلقم نفخا من نراه يمكن ان يكون واجهة لذلك المدفع فإن ارتقى ارتقينا معه بنفس معجون الانسان الذي لا يصلح من الانسان الموسوسة سوى أنه يعطيها بعض اللمعان ليس إلا، أما حالتها في النقد سهلة، ولكن ما هو العلاج الذي يمكن أن يطرح عرضا تلك الداعرة التي تفسد ولا تبالي من قبيلة تحكمها او تلجم عهرها الذي افسد أبناء وطن؟ هذا إذا قلناها ليس جازمين أنهم ابناء وطن فأكثرهم لاجئين الى الوطن بعدما كانوا لاجئين في أوطان منحتهم الجنسية والمواطنة وبرغم ذلك تنكروا لها من أجل مصالح... عجبية غريبة هذه الكلمة ( المصالح ) فكل تركبية العالم مرتكز عليها كونها تمسك بدفة القيادة وزمام مقدرات الشعوب...
ماهو الحل؟؟؟؟
هل فعلا أجدى بنا أن نبحث عن بقعة أرض يمكن ان نقيم عليها مدينة فاضلة لا يشوبها الفساد؟؟
لا... لا أظن ذلك يجدي، فنحن بحاجة الى عملية تطهير نفسي ذاتي، أو رأب وغلق تلك الصفة الكامنة في النفس الانسانية وعدم تربيتها وفقا للحاجة او التساير مع الوضع... وإن كانت تفرض عليك فتلك مسألة أزلية مذ خلق الله آدم وحواء وقابيل وهابيل... ولعل عملية القتل التي حدث بين الاخوة هي دليل على ان النفس فيها عامل الاستحواذ وانتهازية الفرصة موجودا في التكوين الانساني ويمكن تنميته وتفعيله كما حدث بين الأخوين فأحدها امسك نفسه وقنع بما قدره الله له، والآخر لم يقتنع فرام ما كان بيد أخيه حتى سولت له نفسه فسادا في الارض فقتله...
ولكن النتيجة هي استشراء الفساد والغلو ... ولعل القتل في بدء الخليقة يدل على حكمة الله سبحانه وتعالى بأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. وأن العقل مع القناعة التامة بما قدره الله للإنسان شيء مسلم به... أما المتغيرات المكتسبة فهي من صنع الانسان والنفس التي يحمل واهواءها فلا يمكن لصق ما يحدث بالقسمة والنصيب كما يقول البعض رغم أن هناك مسلمات واقع بذلك لأمور غيبية... إن الله خلق الانسان في احسن تقويم نعم ... ولكن نسأل أنفسنا من هو الانسان الذي في أحسن تقويم؟؟؟
هل هم كل البشر؟ أم هناك من هو خلقه فسواه فعلمه وادبه واختاره ان يكون من اصحاب ذلك التقويم، إن النظرة التي نروم بحثها وإن كانت اجتماعية او علمية او سياسة او أيا كانت لا بد ان ترتبط ببعيد او قريب بالله والخلق، اي بمعنى إن هناك الكثير من المسببات التي يمكن ان تجعلنا في حياتنا نختار هذه أو تلك بمحض إرادتنا او بأهواء انفسنا، إننا إذ نحاكي الزمن والمكان والرغبة في الثراء بالفساد او ببيع الذمم او الدين والاخلاق فهذا ليس شيئا جديدا، فقد باعها كلها من هو قبلنا ولم يجدوا من عاصروا تلكم العهود أي حل إلا ان يتعفف او يتنزه الإنسان وينأى بنفسه بتربيتها دينيا سلوكيا... فليس معنى الذي يتعبد الله ليل نهار هو من المتنزهين ... فلايمكن لرجالات ربطت مصائر الكثير من البشر في رقابهم كونهم اصحاب علم ودين وانزوا بعيدا عبادة ويتطلعون من نافذة صغيرة ومن خلال عيون خارجية حقائق الواقع، إن الدين العمل والعمل عبادة، إن العمل الذي يضمن لي السيادة على نفسي ويحفظ لي حقوقي كما يحفظها لغيري، هنا يأتي الدستور الذي تضعه الدول لتسييس مصالحها واعمالها وتضع القوانين الضاربة بيد من حديد للمتجاوزين مع بعض الخطوط الغير واضحة المعالم بثغرات مطاطية... مع العلم ان هناك دستور قائم الى قيام الساعة لو عمل به كدستور مشرع للحقوق والواجبات لكان مثاليا... الا وهو القرآن، ولنعزل عنه إذا ما قال احدهم إن القرآن يلزم بالكثير ... وشبعنا من رجالات الدين واستحواذهم على رقاب ومقدرات العالم سواء المسيحي او الإسلامي او أي ديانة أخرى، إن الله لا يجبر خلقه على فعل ما كتبه عليهم بقدر ما يرى أن على المخلوق ان يؤدي رسالته بشكل تام... فقد خلقه من أجل سبب ما، أما كونه فاسد كان ام غير فاسد فذلك شأنه أي الانسان فقد قال عز من قائل ( وجعلنا لكل شيء سببا) ولم يقل خلقنا .. فجعلنا هنا هي ان تكون المسألة اختيارية للانسان في ان يختار هذه او تلك وبعدها هو حر في اختياره مع اكتساب عواقب ما يختار، كما نرى أن المحاكاة الانسانية بين الخالق والمخلوق هي واضحة وبينة ومنتهية بالنسة للخالق وغير منتهية بالنسبة للمخلوق... حيث ان على المخلوق لو بصر قليلا وادرك أنه ما خُلق إلا ليعمر في الارض ويستخدم عقله وما يبتكره في رقي الإنسانية والمعرفة بالقدرة الإلهية بأن لها اليد الطولى بكل شيء ، وأن ما يحيط بالانسان من متغيرات ومكتسبات وثروات وكل كماليات الحياة التي يراها تزهو وتلمع سواء بفساد ام من غير فساد إنما وجدت كلها لخدمته وتحت سيطرته، ولكن ألزمه ان تكون عامة وليس خاصة فقانون الغاب لا يمكن ان يحكم في عالم الانسان وإن كان قد تغلب في الكثير من الدول التي جعلت من الانسان حيوانا بل اسوء من الحيوان، واعود لكي اثبت نقطة وهي أن الله خلق كل شيء للأنسان وسخره للإنسان مادام يستشعر انه جزء من كل... والطبقية بين البشر اراها شيء مقدر من الله وهذا ما نلمسه من آياته فهو سبحانه جعل جنته طبقات ومقامات وشخصها للانبياء والولاياء والاوصياء والمخلصين والصالحين والمؤمنين والمسلمين ومن يراه بقدرته أهلا لأن ينال عتبة من اعتاب جنته الوارفة الواسعة..كذلك جهنم هي مقامات تماما كالسجون والزنازين المظلمة والمنفرجة الظلمة والمرفهة والانفرادية او الجماعية وهكذا... إنها حياة في سلسلة متكاملة دنيويا وأخرويا ... فقط نحتاج الى وقفة مع انفسنا بتجرد من الأنا والذات الإلهية الانسانية التي بداخل كل إنسان منا وحب التفرد هو بذرة مزروعة في كل نفس علينا ان نصل الى نتيجة حتمية أن الله ما خلقنا إلا لسبب هو أعلم به او نعلم به نحن ولكن ....
فقد قال سبحانه وتعالى( ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) إذن هي إرادة خالق لا يمكن العبث فيها أو زحزحة هذا الحرف عن ذلك ونتلاعب بمفرداتها...
كذلك قال وهو شيء منتهي ومسلم به قطعيا ( النار وقودها الناس والحجارة ) وهذا دليل واضح ان النار وقودها البشر الناس الذين ارادوا ان يكونوا مثل قاتل أخيه في بداية الخلق المفسد في الارض الاول... وهذا يجعلنا نقول جازمين إن الفساد صفة كامنة في النفس البشرية وفي كل انسان إلا من اختار الله ان لا يمتلكها... هي موجودة جعلها الله الدفة بين الطريقين ..
نستخلص ان الحياة الابشرية والفساد المستشري في مجتمعنا العراقي هو شيء كامن ومكتسب... كامن كونه في الموروث البشري وأزلي مكتسب، وهذا يقودنا الى من تتاح له الفرصة مع الضعف في إيمانها بالله سبحانه على خرق ناموس إلهي يقضي على الكثير من حقوق الله بين الانسان والانسان .. فالمفسد يكون كالثمرة الفاسدة ما ان يستشري فسادها في مكان حتى تجعل كل ما يحيط بها فاسدا نوعا وكما كما هي.. وهنا نجد أن الحل بالذات الأنسانية والتربية وما تكتحل من قناعة بإن الحياة فيها خط رجعة الى مكان اعظم من كل رأته عين أو وقعت عليه قدم....
لا أريد ان اكون خرافيا او يقول البعض دعنا نحيا اليوم وغدا الله كريم... فقط لنقف لحظة مع انفسنا دون ان نرى الصور الملوثة ... ونقرر هل نحن قادرين على أن نصمد بوجه الفساد إذا ما سنحت لنا الفرصة بتحريك الصفة الكامنة بداخلنا؟
هذا هو السؤال الذي يجب ان نطرحة في كل لحظة مع الأخذ بعين الاعتبار ان التغيير يبدأ من الذات الفردية ومن ثم تتسع الدائرة ولا نكن اتكاليين فلتعمل مع نفسك وعوده ان تعمل مع الله وسترى نتيجة سعيك .. فالانسان حلقة من سلسة فإذا تداعت إحداها بارت كل الحلقات وانكسرت كما هو حادث الآن في العالم الاسلامي والغير اسلامي حيث يقف بركان هائج غير مستقر تماما كمن يمتلك أسلحة الدمار الشامل.
الكاتب/ عبد الجبار الحمدي