مع أشتداد وطأة الحصار الأقتصادي على أبناء المجتمع العراقي في فترة التسعينات من القرن الماضي وضعف أمكانياتهم المادية التي تتقاطع مع عاداتهم وتقاليدهم في أكرام الضيف وتقديم الطعام والمأوى المناسب له ..فقد عمد أحد شيوخ قرى بيجي الميسور الى أعانة أبناء قريته من خلال حفظ ماء وجههم أمام ضيوفهم فعمد الى أصدار أمر ملزم لهم يفيد بان طعام ضيوف ابناء القريه جميعا ومبيتهم يكون في مضيف الشيخ وعلى حسابه الشخصي ولايقبل أي عذر من أي أحد حتى لايكون الأمر محصورا بابناء القرية الفقراء ويتسبب في حراجتهم .
كان خلف الحماد من فقراء القريه يسكن في بيت طيني متواضع والذي يقع في أطرافها مع زوجته العاقر السمراء والموشمة الحاجبين والفارعة الطول خلافا لزوجها القصير والنحيل...
وكان خلف هذا (داوي وثاكَب للسما)وبالكاد يوفر كيلو الباذنجان ...وهو يسمع كل يوم بولائم شيخ القريه ولحم الخراف الذي يقدم للضيوف ومعازيبهم الذين يأتون معهم الى مضيف الشيخ . فكر خلف ذات ليله مع زوجته عوفه بحيلة يستطيع بها هو وزوجته من تناول وجبة دسمه في ظل الجفاف الذي تعاني منه بطنيهما,وتوصلوا الى فكرة مفادها أن يصطنعوا تمثيلا دور الضيف والمضيف حيث سيذهبان الى مضيف الشيخ العامر بسفرته الشهيه والالتحاق بجموع ظيوف القريه . فاستخرجت عوفه (كَونية)الملابس القديمه لخلف ونفظتها لتختار منها يشماغ وعقال ودشداشة احتوت على بعض ثقوب مخلفات جمرسجائر اللف المتساقطة التي يدخنها خلف وعباءة رجاليه صيفية محيوكه يدويا (بشت) أحتوى هو الأخر على بعض الثقوب وتمزقات سببها البلى والفئران داخل (الكًونية),والتي لم تعد مناسبة للارتداء في ظل الأجواء البارده التي كانت تعيشها القريه في موسم الشتاء.
قام خلف باعداد سيناريو الحيلة وأعطى عوفه دور (أبو خضير)صديقه القادم لزيارته من الحله /ناحية الشوملي .والذي كان زميلا له في الخدمة بالجيش.وعلى ابو خضير ان يردد ثلاث كلمات ولايزيد عليها أذا ماسلم عليه الشيخ وهما (وبالمهلي جناب الشيخ).
وارتدى أبو خضير بزة دوره وراح خلف يعدّل فيها ويحاول جاهدا ان يزيل التكسرات البادية (التعقجات)على الملابس أثر تخزينها الطويل بالكونية ورائحه نتانة الخزن دون جدوى. ثم أنطلقا بعد صلاة المغرب الى مضيف الشيخ مستغلين عتمة الظلام الذي بدأ يخيم على القريه وانقطاع التيار الكهربائي شبه الدائم في القريه..
عند دخول خلف وأبو خضير كان الشيخ يجلس في صدر الديوان ...وتقدم خلف مع ضيفه ليسلم كالمعتاد على الشيخ ويقدم ضيفه اليه مبادرا
-شيخنا أقدم لك ضيفي ابو خضير من اهل الحله ناحية الشوملي ..كان معاي بالجيش واليوم أجاني زاير
-أهلا وسهلا ببو خضير مية هلا ورحب بضيفنا العزيز..حيا الله اهل الحله ...حياالله اهل الشوملي...ومد يده مصافحا أبو خضير الذي تردد بدوره في مد يده الى الشيخ حتى لكزه خلف آمراً أياه بالآستجابه دون أثارة حفيظة الشيخ ...
رد أبو خضير كما لقنه خلف ماداً يده ومصافحاً الشيخ
- وبالمهلي جناب الشيخ .
واحس الشيخ بنعومة ملمس كف أبو خضير وطراوته كما لاحظ بان الصوت الصادر قد احتوى على غنج الأنوثة ونعومتها ..فأسرها في نفسه ولم يزيد عليها شيئا.
ظن خلف بان حيلتهم قد مرت بسلام وانطوى المقلب على الشيخ.وفرشت السفره لجموع الضيوف الذين تجاوزوا العشرين رجلا أضافة الى مضيفيهم من ابناء القريه.واخذ خلف وابو خضير مكانيهما وسط الضيوف وأذن الشيخ للظيوف بتناول الطعام بقوله
- بسم الله ...تفضلوا يااخوانا على زادكم ...وكان يصيح على من يخدم الضيوف من ابنائه وخدمه ..داروا ضيفكم ابو الشوملي ..حط لحم بعد لأبو خضير ..وكان خلف يرد ..تحيا وتدوم ياشيخ فيما التزم ابو خضير الصمت وراحا ياكلان بشراهه ..ولسان حالهما يقول للشيخ(خوش بوري معدّل ياشيخ).
ما ان انتهيا خلف وضيفه من الطعام وشرب الشاي حتى قام خلف مسئذناً من الشيخ بالأنصراف ومعه ضيفه الذي أجابه
- لا لا أبو خضير يبات عدنا الليله وانت تكَدر تروح لهلك.
- لا شيخنا مو أبو خضير يريد يروح لأهله من الصبح وما يكَدر يبات هنا.
- لا كتلك ابو خضير يبات عدنا ومن صلاة الفجر يجيلك بعد لا تحجي .وابو خضير راضي يظل بعد لا تحجي.
- شيخنا مو...فقاطعه الشيخ
- كتلك الرجال راضي يظل هنا والا كان اعترض...(وأنّى لأبو خضير أن يعترض وهو المأمور بالسكوت وعدم التكلم خوفا من انكشاف أمره!!!وهنا أمر الشيخ خلف بالرحيل
- يلله أرشد مع السلامه....ولم يكن لخلف من بد غير الرد مع السلامه ...تصبحون على خير!!
عاد خلف الى بيته وظل طوال الليل يتمشى قلقلا على الطريق النيسمي المؤدي الى الشارع العام الذي يقع بيته بالقرب منه وهو يتمنى ان تمضي الساعات مرور الثواني ليعود بعوفه الى بيته ...وبعد انتظاراً وسهر وفي الهزيع ألأخير من الليل وعلى ضوء القمر شاهد خلف جمع من الرجال يركضون مطلقي سيقانهم للريح ويبدو الذعر والهلع عليهم ويسمع صوتهم وهم يلعنون اخلاق وطباع ناس هذا الزمن ...فاستفزه حديثهم واعترض طريقهم واخذ يركض معهم عندما عجز عن أيقافهم وهو يسائلهم
- خير خير عسى ماشر؟؟؟شكو شبيكم؟؟؟فاجابه أحدهم
- عمي لاصايره ولادايره عند العرب ...أنوب الضيف يغتصبوه!!!! الضيف يغتصبوه!!؟وين هاي صايره بيا ديره؟؟ فسألهم بالحاح
- وأبو خضير شصار بيه؟؟؟ فاتاه الجواب الصاعق منهم جميعا
- عمي هو الدكً كله بابو خضير...أبو خضير صار تشريب!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!