الى المعلم في عيده..الى الرسول الامين/عماد كاظم الحسيناوي

Wed, 5 Mar 2014 الساعة : 19:04

تفاخرت والدتي بين قريناتها بذكاء ابنها البكر في المدرسة ....لم توعز هذا الذكاء الى قدراتي وذهني المتقد لاعفائي في دروسي لكنها اوعزته الى لَحْمَةٍ صغيرة تقطع من صرّة الوليد ( السِرْ) حين القته في مدرسة ما عند ولادتي وصدّقت هذا الايعاز حسب المفهوم العرفي المتوارث في مجتمعنا.

احببت المدرسة ...وجدت فيها عالما ساحرا ...اسافر معه وارسم في المخيلة عالما اخر غير واقع منطقة الشرقية في مدينة الناصرية ....اهيم في الصور الجميلة في الاطلس والقصص المدرسية التي علقت في الذاكرة والتي اصبحت جزءا من الثيمة العقلية الجمعية للجيل الذي انتميت اليه دون ارادتي.....قصص نعود اليها ونتذكرها عند مواجهة الازمات كليلة العرس...القصص التي عشنا سخونتها وتفاعلنا مع احداثها وشخوصها برغم بساطتهم وشكّلت فينا بداية التصور الذهني لما وراء الواقع ...الدجاجة السوداء والكلب الصغير والقرد المقطوع الذنب وكوكو وتوتو ومالك الحزين والاناشيد التي كنت احرص على حفظها ووضع اللحن المناسب لها  كالبلبل الفتان والمهندس الصغير وخرجت يوم العيد واحب الناس لي امي ومن بالروح تفديني...ثم توسعت هذه القصائد مع عبور مراحل اعلى وصار اقراني يشاركونني سماع نغماتها عندما القيها في رفعة العلم صباحا كأنا لا اعرف غير العرب اوياليتني كنت حساما ماضيا ....ولابد لهذه المنظومة التعليمية ان ترتبط بمعلم يواكب ولوج هذه القصص في التركيبة الوجدانية  فكان المعلم الباب الذي يفضي بنا الى ذلك العالم الواسع الذي نحلم به...اول معلمي الصبا الذين احبببتهم الاستاذ علي النواس معاون مدير مدرسة النضال الابتدائية ..كان هذا الرجل حنينا رقيقا...احسست بقربه لقلبي..اردت ان اكون نسخته المستقبلية ..احاول تقليده في كل شيء مدفوعا بالشعور الفطري الذي يتجسد في سلوك الصبيان لكنه بعد فترة وجيزة توفى بحادث سيارة ولم اعد اراه فكانت هذه اول مواجهة مع الحقيقة الجديدة على الادراك ...الموت....

كثير من المعلمين تركوا بصمات في حياتنا ..كل حسب شخصيته .. الاستاذ عدنان جري البعثي النشيط والحريص على تنفيذ تعليمات الحزب وجباية الاشتراك منّا كل خميس...والاستاذ حميد الديكي الممتلاء الاحمر الذي عملنا جغرافية العالم و موقع البلدان على الخريطة والاستاذ محمد عبد صاحب الطويل الشديد الذي علمنا بدايات القواعد والنحو والاملاء والاستاذ روؤف الذي اهداني اول قلم جاف في الصف الاول الابتدائي لحصولي على عشرة من عشرة في اول امتحان..

ودخلت المتوسطة فكان المعلم رفيقا وصديقا وابا حنونا ...اشكي له بعض مايواجهه الذي يواجه عادة المراهق واتسعت هذه الشكوى الى احلام جديدة ولذيذة عندما كان المشتكى اليه " معلمة" ...

ست رجاء القادمة من البصرة وست هيام واستاذ ناجي كريوش واستاذ ابراهيم..

في المتوسطة قامت الحرب العراقية الايرانية ..وولدت مفاهيم اخرى نسخت تلك الاحلام الناعمة وصارت اكثر قساوة وعنفية مع اشتداد تاثيرها على سلوكية المجتمع وبالطبع المدرسة جزء من هذا المجتمع وعليه لابد ان تتاثر بما يتاثر به...

في يوم تاسيس الحزب الشيوعي عثرت وصديق الدراسة جبار شاكر مزعل على قصاصة ورق ملقاة في احد صفوف متوسطة الصمود وشاهدها احد اتباع الاتحاد الوطني في فاُلْقِي القبض علينا واقْتِدنا الى مديرية امن الناصرية وبداءت مرحلة الوعي السياسي برغم غضاضة العمر انذاك...

في الاعدادية... الاستاذ صادق مكي مدرس التفاضل والتكامل والاستاذ محمد باجي مدرس الانكليزية الشيوعي المعذب في اقبية البعث .. حين يغيب استاذ محمد باجي نذهب اليه مساء يوم غيابه لرجاءه بالعودة الى الدوام ونراه في بيته وقد جمع مشردي الطرقات ومجانينهم لوليمة خمر وعشاء مجاني....

كل معلم ترك في شخصياتنا جزءا ...وفي سلوكنا مسحة من طبيعة...وفي عقولنا الكثير من العلم...لولا تلك الاسماء الشريفة لما كنت اكتب الان..لولا تلك النفوس النقية التي زرعت فينا طلب الفضيلة والسمو فقد تكون نهايتنا  قطاع طرق او مجرمين ..لولا تلك المشاعر النبيلة التي نفثها فينا معلمونا لقست قلوبنا ولكانت اشد من الحجارة ...معلمونا الماضين رحمهم الله والباقون اطال الله اعمارهم بنوا شخصياتنا صفحة الخارج البيئي واكموا مابناه فينا ابناؤنا وامهاتنا في صفحة الداخل الأسري...

الى المعلمين الطاهرين....ولكل لحظة قضوها في تربيتنا وصقل نفوسنا وتخليتنا من الرذائل وتحليتنا بالفضائل

في عيدكم... كل التقديس والتبجيل....وقبلة على الايادي الشريفة لكل رسول أمين

 

[email protected]

Share |