قيام.. جلوس../حيدر الجابر

Wed, 5 Mar 2014 الساعة : 0:18

هل تتذكرون أول يوم في المدرسة؟ ربما لا، ولكننا نتفق على أنها الأجمل، الأكثر ديناميكية، وتظل صور الأساتذة الأوائل هي الأكثر رسوخاً في الذاكرة، ولاسيما معلم الصف الأول. وكذلك الحقيبة الجلدية الممتلئة بالكتب والدفاتر، والأقلام الجديدة، اقلام الرصاص التي نسيناها ما إن كبرنا، أبدلناها بالحبر الذي يذكرنا بأخطائنا. المدرسة في ذلك العمر جميلة، ربما لأننا في طور البراءة، وما أن يتقدم السن حتى يبدأ الفرار منها، والرسوب، ثم التسرب، ومع ذلك لايختلف اثنان على أهمية المدرسة، وفي بعض الدول ـ وكان العراق منها ـ يُجبر أولياء الأمور على إدخال أطفالهم المدارس، وإكمال الدراسة الابتدائية. يجب أن تكتمل شخصية الطفل، وخير مكان هو المدرسة الابتدائية.
معلمو الأمس ليسوا مثل اليوم، برغم أنهم اليوم أصغر عمراً وأقل ثقافة، كانت سطوة المعلم تمتد إلى ما بعد الدوام، وكان ذا سلطة لتقويم سلوكنا في البيت، وطالما اشتكى أهلنا من عبثنا، ولم نرتدع إلا أمام المعلم. كانت شرعيته تتعدى اسوار المدرسة، وبرغم العصا التي يلوحون بها باستمرار للحفاظ على الاستقرار، فإنهم في الغالب وديعون عطوفون، بذلوا جهداً لايمكن نكرانه او إيفاءه حقه. وللأمانة كان الجو العام موائماً لهم في ذلك الوقت، قبل 30 عاماً، لذلك اضطر أكثرهم للعمل في التسعينيات بما لايناسب مكانتهم، ومع ذلك ظلوا هم أنفسهم أولئك الاساتذة المهيبين المحترمين.
قبل ايام رأيت معلماً يجلس مع أصدقائه في مكان عام وهو يدخن "النركيلة"، مظهره وثيابه وشعره بعيدة عن تربية الأجيال. وحدثني صديق أن ابنه في الصف الثاني ولايعرف هجاء أو رسم الحروف أو العد، وكان جواب معلمه في المدرسة حين تقدم بشكوى "شنسوي يعني"؟! نعم، ماذا يفعلون إذا كان الدوام في المبنى ثلاثياً، وحصة كل وجبة ساعتان أو ثلاث. وبينما كانت العطل الرسمية هي الجمعة فقط، وما يلحقها من مناسبات دينية ووطنية، كثرت العطل اليوم.. وأضيف السبت الى الجمعة، ولحق بهما حظر التجوال والإرهاب الأعمى والأمطار وإعمار المدارس الوهمي.
ومع ذلك، سيبقى المعلم رسولاً لكل الأجيال، وكل الأزمان، سنبقى مديونين له أبد الدهر، وسنظل نشعر بالحنين ونحن نمر من امام أول مدارسنا.. ومنها مدرستي الابتدائية، التي هدمت وتحولت قاعاً صفصفاً بحجة الإعمار.. وما زالت أرضاً فارغة منذ أكثر من 3 سنين.
جريدة المؤتمر

Share |