إسقاطات التوافق السياسي على نصوص الدستور..!-ناصرعمران الموسوي

Tue, 16 Aug 2011 الساعة : 15:40

لاشك بأن السياسة هي فن إدارة المتغير,والعمل ضمن مناخاتها الإستراتيجية المليئة بالرؤى والمواقف وخرائط الطرق والتي ربما تتشابه وتتناقض وتشكل موشورا ً ضوئيا ً يصيب المتابع والمتلقي بعمى الألوان تارة وبانبهار جمالي تارة أخرى حين تختلط الألوان لتشكل منظورها الطيفي ,إن رؤى السياسي المنسابة في تشكيل آليات إدارة المتحرك بمنظور الساكن ألقى بتبعة ثقيلة تهدف لفلسفة واقع تحاول تشكيله ضمن منظورها الفردي والآني أحيانا ً ,ولقد منح التغيير العراقي بهوية التدخل العسكري الدولي إسقاطات افتراضية لها رؤيتها التي تحاول ان تجد لها متنفسا ً وواقعا ً بكرا ً تشكل خصوبته بأجنتها الهجينة ,وخلق المتشابه وهو افتراض لم يجد له رحم رحب يمنح الجنين هوية الميلاد .فاضطر بحسابات مستقبلية لتقديم كشوفات التعايش مع الواقع ألراهني .الواقع الذي وجد نفسه ضمن آليات السكون والحركة مضطربا ً يعاني البحث عن علامات فارقة يخطها على صفحات الجديد الذي فقد القدرة على تشكيله بكيفياته,لكنها علامات ما تلبث ان تظهر دمامل وقروح مرحلة لم تغادر طواعية ً ضمن تسلسل منطقي في الذاكرة الجمعية للمجتمع , وإنما خرجت عنوة لتترك وراءها تركات مضطربة بعيدة عن روح الراهن المطلوب والمستجد المفترض .
إن التغيير العراقي لم يكن حالة من الجمود إلى الحركة ,لتوضع بمقاسات المنطق الفيزيائي ولم تكن ترتيبية اجتماعية تحصي القادم وتفقه المتحقق من المحصلة ,ان التغيير العراقي ولادة وجدت نفسها بين فكي احتضار, لذلك واجه طريقها باتجاه الولادة مراسا ً صعباً ومرانا ً متعباً ,فإشكالية صناعة الدولة في العراق , إشكالية حاضرة وصراع , دائما ً ما يتم ترتيب مهادنتهما على حساب الفرد وبالمحصلة المجتمع ,فحين استحالة الدولة بالمفهوم التقليدي لها قبل التغيير تجسيد وجودي للنظام ولشخص الرئيس ,كان المنطق بكافة أبعاده يؤشر ا انهيار الدولة بسقوط النظام وهزيمة الرئيس ,وحين اختفى الرئيس انهارت الدولة لنكون أمام خطوط البيانات الأولية وربما في مراحل التشكيل الأمي لصورة الدولة ,وفي الوقت الذي صدع نظام البعث رؤوسنا بمراحل التغيير الانتقالية بعد سنوات طويلة من انقلاباته الدموية واغتصابه السلطة ,بأن الدولة تقوم بالتحول من المرحلة الثورية الى المرحلة الدستورية لم يحدث ذلك,وظلت دساتير حكمه مؤقتة ,وأجنداته تقوم على مشروعات ورؤى الانتقال من حالة إلى أخرى وبشكل فرضي أملته التقارير الدولية,ان أرضية التغيير التي حصلت في العراق لا تملك سوى رغبة الخلاص من راهنها المعاش ليكن بعد ذلك مايكون , لكن ما ان حصل الخلاص حتى وجدت تجذرات المجتمع العراقي متنفسها منطلقة ًبوازع الخوف من القادم والبحث عن اطمئنانها وهويتها في وطن ضامن لحقوقها على الرغم من مجهولية مراحله المستقبلية وضامنة الحقيقي, وبالرغم من ان السلطة المدنية للحاكم بريمر وضعت النقطة المحورية الثابتة التي راح الجميع يدور حولها وضمن إستراتيجية لفوضى خلاقة تنتج الدولة المدنية الجديدة , لكن الأمور لم تأت بما تشته السفن السياسية الأمريكية ,فأوجدت صورة حكمية جديدة قائمة على الخلط بين التمثيل ألمكوني والقومي والاثني والطائفي والتمثيل السياسي الذي لم يكن بعيدا ً عن الساحة إبان لحظة التغيير فابرزت هويتها كا حدى الحقوق المكتسبة بسني المعارضة القاسية للنظام الدكتاتوري , فكان (مجلس الحكم )خلاصة لتداعيات التحرك المحوري الذي زاد من التشبث والانجذاب نحو الاثنية والطائفة والمذهب والقومية بدلا ً من الاصطفاف خلف الدولة ,وحتى مفهوم الدولة لما يزل إلى الآن يشير إلى الحكومة ,وهو المفهوم الذي يحيلنا الى اساس ثقافي ووعي شعبي وقانوني يؤمن بديمومة الدولة وزوال الحكومة والسلطة وتبدلها ضمن منهج التداول السلمي للسلطة بعد ان تبنت المرحلة النهج الديمقراطي ,ولعل ظهور الدستور العراقي باستفتاء شعبي بغض النظر عن ما هية وظروف كتابته يعد انجازا مهما باتجاه الدولة ,لكن الذي نراه أن ألدوله لما تزل مفهوما ً انتقاليا ًعجز المشرع الدستوري في تسويق نصوصه نحو الديمومة والثبات ,واكد بان الدستور ذو طبيعة سياسية تستعمل كوسيلة لتكريس السلطة عن طريق مواد دستورية ذات طبيعة قانوني تشير الى ممارسة السلطة في الدولة , وانه ومن خلال الممارسة السياسية لم يمنح الدستور سموه وسقفه بل قفزت رؤاه ومصالحه التوافقية على هرمية الدستور, ولم يجد الدستور من يدافع عنه أمام رغبات ومصالح التوافق السياسي ,ولعل تمرير قانون يجعل لرئيس الجمهورية ثلاثة نواب وفي سلة توافقية واحدة أعطى رسالة واضحة ان التوافق السياسي فوق الأحكام الانتقالية التي نصت في المادة (138/أولا ً) و بشكل واضح إلى ان (يحل تعبير( مجلس الرئاسة )محل تعبير (رئيس الجمهورية ) أينما ورد في هذا الدستور ,ويعاد العمل بالأحكام الخاصة برئيس الجمهورية ,بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ هذا الدستور ). لكننا وجدنا العكس و الأنكى من ذلك ان تمرير قانون نواب رئيس الجمهورية ضرب عرض الحائط المطالب الشعبية التي عبرت عنها المظاهرات الجماهيرية السلمية وكذلك الدعوات التي أطلقها رجال الدين وأهمها ما جاء على لسان ممثل المرجعية الدينية في كربلاء المقدسة بضرورة معالجة الترهل الحكومي وعدم التوسع في خلق مناصب جديدة ترهق ميزانية الدولة. ومنح أشارت جواز للتوافق السياسي في إلغاء وتعديل نصوص الدستور خارج المنظومة التشريعية والمتمثلة بمجلس النواب ,وصار من الضرورة بمكان وجود ضمانة حقيقية لعلوية وسمو الدستور وكبح جماح التوافق السياسي الذي لا نريد ان نراه بديلا ًعن الدستور.

 

Share |