مثل حمامة أتعبها التحليق والطيران ، حطَّتْ البصرية (أم علي) على رصيف بضفة نهر العشار بمدينة البصرة ، مفترشة جزء صغير من الرصيف لبيع الصحف . إلتقيتُها في مكان عملها ، أثناء زيارة قمتُ بها للبصرة .

    ولأنها تبيع الصحف ، وجدتُ فيها نافذة نطل من خلالها على القارئ . لذلك حاورتُها . ومنها علمتُ انها تمارسُ هذا العمل بديلاً عن زوجها الذي أقعده المرض . وعندما سألتُها إن كان بيع الصحف يوفر معاشاً للعائلة ، قالت بلهجة بصرية مُحبَّبة ودافئة : (يُمَّه جِدْرِ الحكومة جبير ، كلنَهْ ناكِلْ مِنَّه ..) . وتقصد البصرية (أم علي) ، أن (ماعون) الحكومة كبير ويتحمل جميع الأيدي التي تمتد إليه لتناول ما يحتاجه أصحابها .

    وفي لقاء مع الكاتب والأديب الكردي (عدنان رحمن القره لوسي) ، أشار الى ذات المعنى ، حين قال : ان (صِيْنِيَّةْ) الوطن واسعة ، وبامكان الجميع أن يأكلوا منها ، لكن (ضيق العين) والشراهة تفضي الى تزاحم ، وربما إلى صراع ، غير مقبول ولا ضرورة له .

    ولكن لنا أكثر من ملاحظة حول ماذهبت اليه البصرية (أم علي) ، والأديب العراقي الكردي (القره لوسي) . نعم ان (ماعون) الوطن كبير ، وكبير جداً ، ويتحمل أيدي ما يزيد على ثلاثين مليون عراقي ، لكي تغرف منه .

    صحيح ذلك ، فالوطن خيره وفير ، وحباهُ الله بثروات طائلة    متنوعة .. ولكن :

    مطلوب الابتعاد عن الشراهة والاستحواذ ، لان الثروة الوطنية ملك للجميع . فالاستحواذ عليها يقلص مساحة الاستفادة منها ، بل ويجعل مكونات اساسية من هذه الثروة تنضب بوقت أسرع .

    ومطلوب أيضاً التمسك بحرمة الثروة العراقية ، بمعنى أن تمتد اليد إليها بالحق والحرص عليها . الطروحات المتداولة تفيد بتلاعب كبير ، وهذا التلاعب إن صَحَّ ، فانه ظاهرة مقلقة ومُدانة .

    (ماعون) الحكومة محمل بالخير ، لكنه قابل للنفاذ ، طال الوقت أم قصر . لذلك يصبح العمل على ايجاد مصادر جديدة لهذه الثروة مطلوباً وضرورياً .

    واذا كانت ثروة الوطن كبيرة ، فكيف يصلها الفقراء ، أوْ كيف تصلهم ؟ ان المشاريع الانتاجية والخدمية ، عامل مهم في وصول جزء مهم من هذه الثروة لأصحاب الحق فيها ، سواء بشكل مباشر (تشغيل العاطلين) ، أو غير مباشر بالانتفاع من هذه المشاريع ، بناء : جسر ، مدرسة ، مستشفى ، معمل ، شبكة المياه الصالحة للشرب ، شبكة المجاري .. وغير ذلك .. .

    ذلك هو الطريق الصحيح والفعّال لوصول الثروة لأصحابها .. .

    (ماعون) الحكومة كبير ، وعلى أولى الأمر إتاحة الفرص المشروعة لكي يستفيد المواطنون ممَّا فيه من خيرات .. .