مدينة الرفاعي ونهر الغراف/راغب رزيج العقابي
Mon, 17 Feb 2014 الساعة : 2:35

يحدثنا التاريخ بأن حروبا دائمة ومستمرة دارت على هذه الارض الطيبة في الالف الثالث قبل الميلاد أي منذ حوالي خمسة الاف عام بسبب ( المياه ) بين مملكة لكش السومرية ( 15 كم جنوب شرق مدينة الرفاعي ) وجارتها المملكة السومرية الاخرى ( أوما ) واستمرت هذه الحروب الطاحنة والمدمرة لاكثر من قرنين من الزمن ولكن الملك السومري ( أونتمينا ) الذي حكم لكش قرابة 30 عام أستطاع بحكمته وعبقريته ان يوقف جريان انهار الدماء التي سالت نتيجة لهذه الحروب الشرسه وذلك عندما أمر بشق نهر الغراف الحالي الذي يأخذ مياهه من نهر دجله قرب مدينة الكوت , بعدما كانت اراضي مملكة لكش تروى من نهر يأخذ مياهه من نهر الفرات شمال مدينة الحلة محاذيا لمدينة الديوانية ( نهر الكار المندرس ) مارا بأراضي مملكة أوما ( 23كم غرب مدينة الرفاعي ) وعندما تقل المياه في هذا النهر وخاصة في ايام الصيف يستحوذ سكان مملكة أوما على معظم هذه المياه وتحرم منها مملكة لكش وعندها تجيش الجيوش وتقرع طبول الحرب ويبدأ القتال .
يجري نهر الغراف الحالي مخترقا الاراضي المحصورة بين مدينتي الكوت والناصرية , وأهم المدن التي تقع على هذا النهر في محافظة واسط هي ناحية الموفقبة وقضاء الحي وفي محافظة ذي قار مدن الفجر والقلعه والرفاعي والنصر والشطرة والغراف والاصلاح , يبلغ طول هذا النهر قرابة 230 كم , تبعد مدينة الرفاعي عن مصدر هذا النهر حوالي 130 كم , هناك عدة جداول للري تسقي اراضي مدينة الرفاعي تأخذ مياهها من نهر الغراف ففي شرق هذه المدينه جداول الشروة والزيديه والسابله الكبيره والسابله الصغيره وبدعة رحمه وغيرها وفي الصوب الثاني من المدينة جداول مماثله تسقي غربها منها نهر سعيدان ونهر بعير , وهناك مشروع اروائي مبطن قيد الانشاء تقوم به الدولة حاليا لايصال مياه نهر الغراف الى حدود محافظة العماره لأحياء قسم من اراضي جزيرة سيد احمد الرفاعي الصحراوية ( مشروع نهر السابله الأروائي المبطن ) .
منذ القدم كانت اراضي ومياه نهر الغراف وحقوله ومزارعه الفارهه وبساتينه الغناء الممتدة على طول ضفتيه ونخيله الباسقات واشجاره الوارفه المتدلية اغصانها تعانق مائه الرقراق وطبيعته الساحرة الخلابه التي تضفي ايات من الروعة والجمال على شواطئه , ومناظر مشاحيفه وسفنه الشراعيه التي كانت تملأ هذا النهر رافعة أشرعتها السمحة البيضاء تنساب منحدرة بهدوء ورويه مع جريان الماء , وزوارقه الصغيرة الحديثه وهي تجوب ارجاء هذا النهربأقصى سرعتها قاطعة المسافات بين مدنه ذهابا وايابا ماخرة عباب الماء وكأنها الحوت في اشد عنفوانه , كل هذا وذاك كان مصدر الهام للشعراء والادياء والكتاب واصحاب الحكايات والموروث الشعبي يستنبطون ماضيه ويستذكرون حاضره في كل ما يكتبون عنه , وكم تغنى مطربي هذه المناطق بأروع الالوان من الغناء العراقي الاصيل والاطوار الريفية المحببة لقلوب الكثير من سامعيها المستلهمة من واقعهم الريفي المعاش وتقاليد وطباع مدنه الغافية الحالمة على ضفاف هذا النهر .
كان هذا النهر ولا يزال مصدر خير ونماء وبركة لساكني مناطقه ولمن نزح اليها وسكن بجواره وللكثير من التجار واصحاب الاموال من المناطق البعيدة القادمين اليها لغرض التجارة والرزق الحلال تاركين ديارهم ومناطقهم لكثرة ما تدر به اراضي هذا النهر من خيرات ونعم فسكنوا واستوطنوا هم وعوائلهم وكثير من الناس الذين تبعهم للعمل وكسب لقمة العيش أو من الذين استهواهم الأمان والعيش الرغيد في هذه الاراضي الخصبة المعطاء بالاضافة الى عذوبة ماءها ونقاء جوها وجمال طبيعتها وطيبة ساكنيها لذلك نرى العديد من المدن التي نشأت على شواطئه كبرت ونمت واستمرت بالتوسع .
وكم كانت حيرة واستغراب مطربنا الكبير حسين نعمه وهو يشاهد بعض الطيور المهاجره التي غادرت اعشاشها في اهوار الناصرية الجميله وحطت في اراضي ومزارع وحقول نهر الغراف العذب سارحة مارحة في فضاءه الرحب لاهية بين العشب والماء على ضفتيه وصوته الجنوبي الشجي يصدح وبحراره مناشدا متسائلا ( اشجابه للغراف طير المجره ...سابيه كلها الناس حيرني بامره ) .
تتوسط مدينة الرفاعي المدن التسعة الواقعة على طول هذا النهر اربعة في شمالها والاربعة الاخرى في جنوبها وهي في المنتصف لذلك تكون هذه المدينة الناهضة الواعده التي وصفها بعض الكتاب المعاصرين ب( درة الغراف السومرية ) وتصبح واسطة العقد المتلألأ الوهاج الذي يتوشح به نهر الغراف الخالد على مر الايام والعصور .
( راغب رزيج العقابي _قضاء الرفاعي _ ذي قار )

