فضل أهل العراق على سائر العرب/عبد الهادي الطهمازي الربيعي

Fri, 14 Feb 2014 الساعة : 13:24

كان للفتح الإسلامي وتمصير البصرة والكوفة أثر كبير في هجرة موجات كبيرة من بطون القبائل العربية الى العراق، وانضمامهم الى إخوانهم الذين سبق وأن اتخذوه موطنا قبل ظهور الإسلام كما مر، وقد سكن الكوفة وحدها بعد تمصيرها أربع مائة بطن من قبائل العرب. (تاريخ الكوفة للبراقي:228) وسكنت قبائل أخرى البصرة (انظر: كتابي قبيلة عبد القيس ص16، والمدن العربية الإسلامية لعبد الجبار ناجي ص164)، وكان لأبناء هذه القبائل الفضل على العرب والمسلمين جميعا، وفي عدة مجالات نذكر منها:

1- فتح العراق على يد أبنائه

يعد العراق البلد الوحيد من بين سائر بلدان العالم الإسلامي الذي مهد أبناؤه بأنفسهم الطريق للفتح الإسلامي، فقد جرد رسول الله|سرايا كثيرة من المهاجرين والأنصار الى قبائل نجد والحجاز واليمن والشام وغيرها من المناطق، ولم يشترك في هذه الحملات إلا أفراد قليلون ممن هداهم الله للإسلام من أهل تلك الديار. إلا أن ثلة صالحة من أهل العراق دخلوا الإسلام طوعا في السنة التاسعة للهجرة، وقد تمثل ذلك في وفد بني شيبان وبكر بن وائل سكان جنوب العراق يومذاك.

ثم كان لهؤلاء العراقيين الدور الأساس في فتح العراق، وتشجيع المسلمين بالتوسع في هذه الجبهة، فقد كان مركز الخلافة في المدينة المنورة مترددا كثيرا في فتح جبهة العراق ودخول حرب مع الفرس، إلا أن المثنى بن حارثة بغاراته المتكررة على مسالح الدولة الساسانية، ومراكزها الحربية المتقدمة جرَّء العرب المسلمين على التفكير بشكل جدي في فتح العراق (راجع كتابي بنو شيبان ص35 وما بعدها)، وهذه الفضيلة لا نجدها عند سائر أهل البلدان، فالنبي|بعث بعدة سرايا لفتح اليمن، واتخذ عرب الشام من قضاعة وغسان وكلب وغيرهم موقفا مناوئا من المد الإسلامي، وكانوا يمثلون الصف المتقدم في القتال من جيوش الروم، لولا أن رسول الله|تجنب خوض الحرب مع العرب في الشام وركز الجهد الحربي على الروم.

وكذا الحال في جبهة مصر حيث عبر لها المسلمون من أنباء القبائل العربية العدنانية والقحطانية على السواء، ولم يشارك أبناء مصر أنفسهم في هذا الشرف.

والخلاصة: العراق هو البلد الفرد الذي مهد أبناؤه لانتشار الإسلام فيه، نعم وقف بعض نصارى بكر وتغلب والنمر في وجه المد الإسلامي كما سيأتي ذلك مفصلا في تاريخ كل قبيلة.

أما نبط السواد فلم يرفعوا بوجه المسلمين سيفا، وسارعوا الى المصالحة، وفرض المسلمون عليهم الضرائب والجزية وتركوا لهم ما بأيديهم من الأرض، قال الطبري:2/551: ((إن أبا بكر كتب إلى خالد بن الوليد يأمره أن يسير إلى العراق، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من السواد يقال لها بانقيا وباروسما وأليس فصالحه أهلها، وذلك في سنة اثنتي عشرة فقبل منهم خالد الجزية، وكتب لهم كتابا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي، ومنزله بشاطئ الفرات إنك آمن بأمان الله إذ حقن دمه بإعطاء الجزية، وقد أعطيت عن نفسك وعن أهل خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتيك بانقيا وباروسما ألف درهم فقبلها منك ورضى من معي من المسلمين بها منك، ولك ذمة الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك، ثم أقبل خالد بن الوليد بمن معه حتى نزل الحيرة فخرج إليه أشرافهم مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر، فقال له خالد ولأصحابه: أدعوكم إلى الله والى الاسلام فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم مالهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة، جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال له قبيصة بن إياس: ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية فصالحهم على تسعين ألف درهم فكانت أول جزية وقعت بالعراق هي والقريات التي صالح عليها ابن صلوبا)).

وقال في موضع آخر: ((أتى (خالد) دومة الجندل، فأقام بالثني يسبي عيالات المقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعدما دعوا وكل ذلك أخذ عنوة، ولكن دعوا إلى الجزاء فأجابوا وتراجعوا وصاروا ذمة وصارت أرضهم لهم)).

 2- العراقيون وحوادث الردة

ولم يرتد أحد ممن أسلم من أهل العراق بعد وفاة رسول الله|، فقد ارتد بعض العرب في اليمن والبحرين ونجد والحجاز، وتنبأ رجال في اليمامة وعمان واليمن ونجد، لكن هذه الظاهرة لم تتسرب الى من أسلم من أهل العراق من بكر وتميم، بل تولوا محاربة المرتدين في اليمامة والبحرين، وكان للمثنى الشيباني وقومه اليد الطولى محاربة المرتدين في نجد.

وتبأت سجاح التميمية في أرض الجزيرة الفراتية، ولكن لا يصح أن يعبر عن ذلك بالردة لأن أتباعها لم يكونوا من المسلمين بل اتبعها النصارى من تغلب وبكر وسائر ربيعة، ويبدو أنها لم تجد سوقا نافقة لترويج بضاعتها فقررت المسير الى اليمامة في نجد وهناك اندمج اتباعها مع أتباع مسيلمة الكذاب الحنفي. (انظر: كتابي قبيلة بني تميم ص26 وما بعدها)

نعم ذكر اليعقوبي في تاريخه:1/143: ((طلب الفرس ابن كسرى فوجدوا يزدجرد، وهو ابن عشرين سنة، فملكوه عليهم، فضبط أمورهم، وحسن تدبيره، واشتدت المملكة، وقوي أمر الفرس، وأخرجوا المسلمين عن المروج (المزارع)، فارتد أهل السواد، وخرقوا العهود التي كانت في أيديهم))، ولا يصح تسمية ذلك ردة بمعناها الفقهي، لأنهم لم يكونوا مسلمين، وإنما كانوا معاهدين للمسلمين مقابل دفع جزية كما مر.

3- تحمل أبناءه الأوائل أعباء الجهاد في المشرق الإسلامي

كانت الجبهة الشرقية من بلاد الإسلام الجديدة تحضى بأهمية بالغة، فقد تداعت الدولة الساسانية أمام الانتصارات المسلمين المتلاحقة، كما شجعت الغنائم الوفيرة التي غنمها المسلمون في معارك فتح العراق على التوغل في هذه الجبهة أكثر من غيرها، فقد بلغت حصة المقاتل من الغنائم في معركة أمغيشيا ألفا وخمس مائة درهم لكل فارس (الطبري:2/563)، ويذكر اليعقوبي:2/145، أن سهم الفارس في القادسية بلغ أربعة عشر ألفا، وسهم الراجل سبعة آلاف ومائة.

ولما كان العراق هو الممر وحلقة الوصل بين جبهة القتال ومركز الخلافة في المدينة، أضحت مدينتا البصرة والكوفة من أكبر معسكرات الجيش الإسلامي، ومنطلقا للفتوحات، ولم يقع على عاتق أهل هاتين المدينتين فتح بلاد إيران شمالا وجنوبا فحسب، بل فتح بلاد الجزيرة وأرمينية وكردستان وغيرها من المناطق المتاخمة له، وتوغلوا شرق إيران حتى وصلوا الى تخوم الصين.

وقد تكبد هؤلاء المقاتلون من ويلات الحروب مع المشركين، ما لم يتكبده غيرهم من المسلمين على الجبهات الأخرى حيث اكتفوا بفتح بلاد الشام شمالا ومصر غربا، فكان عز الإسلام والعرب ومصدر ثروة الدولة الإسلامية يأتي من جهود أجدادنا العراقيين الأوائل.

4- ريادة الحركة الفكرية

إضافة الى الجهد العسكري الجبار في الفتوح، كان لمدينتي البصرة والكوفة وهن تمثلان يومذاك العراق، ريادة الحركة الفكرية في العالم الإسلامي، فأزدهرت فيهما دراسة الفقه وعلوم القرآن والشعر والنحو والحديث والتاريخ والأخبار، وكان لعلماء البصرة والكوفة الأثر الكبير في تطور هذه العلوم وتقدمها، ومن أهم هذه المجالات:

أ-الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، كالوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة، وكون هذه المعاملة صحيحة أو فاسدة، وهذه العبادة تامة أو ناقصة، وهذا القريب يرث دون ذاك، وهذا الزواج شرعي أو غير شرعي، وما إلى ذاك من الأحكام.

وقد كان لاتخاذ الإمام أمير المؤمنين×الكوفة عاصمة له، وانتقال كبار الصحابة معه إليها أهمية كبيرة في نشأة علم الفقه في هذه المدينة، ومن أهل الفتيا من الفقهاء الكوفيين الذين أخذوا الفقه عنه×:

الحارث بن عبد الله الهمداني، وعبيد الله بن أبي رافع، والأصبغ بن نباتة الحنظلي، وحبة العرني، وقيس بن علقمة النخعي، وقيس بن عباد البصري، وزيد بن صوحان العبدي، وسويد بن غفلة، ومسروق الأجدع، وزر بن حبيش الأسدي وغيرهم العشرات.

ثم جاء من بعدهم: عامر بن شراحيل الشعبي، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، والحكم بن عتيبة، وسليمان الأعمش، ومسعر بن كدام، وفي البصرة الحسن البصري، وابن سيرين وغيرهم.

وازدهرت مدرسة الكوفة الفقهية بنزول الإمام جعفر الصادق×فيها، وكانت الكوفة حين ذاك مركزا علميا وتجاريا وسياسيا مهما في العالم الاسلامي، يقصده طلاب العلم والمال والسياسة من أطراف العالم، فازدحمت مجالس الدرس بآلاف العلماء، وقد روي عن الحسن بن علي الوشاء أنه قال: ((أدركت في هذا المسجد -يعني مسجد الكوفة- تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد×)). (رياض المسائل:1/18)، وبقي العراق عموما معطاءا في رفد الساحة الفكرية بأساطين العلم في الفقه والحديث والتفسير، فاحتضنت بغداد الحوزة العلمية في القرن الخامس، ثم انتقلت الى النجف مع بدايات الغزو السلجوقي للعراق، ثم انتقلت الى الحلة، فكانت فيها مدرسة علمية استمر عمرها أربعة قرون، برز فيها عدد غفير من الفقهاء والمفسرين والعلماء، ومازالت الحوزة العلمية في النجف الأشرف الى اليوم تتزعم الحركة الفقهية في العالم الإسلامي بلا منازع.

وللإطلاع على المزيد من الدور الريادي للكوفة والبصرة والعراق عموما في هذا المضمار يمكن مراجعة المصنفات التالية. (موسوعة طبقات الفقهاء للشيخ جعفر السبحاني، تاريخ الفقه الجعفري لهاشم معروف الحسني، مقدمة الروضة البهية للشيخ محمد مهدي الآصفي، مدخل الى علم الفقه لعلي خازم، تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ عبد الهادي الفضلي، تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري وغيرها من الكتب).

ب - صيانة لغة العرب

كان سكان الجزيرة العربية يتكلمون بلغات عديدة، حتى جاء الإسلام فوحدها، وميز لغة قريش ومضر الحمراء عن سائر أخواتها لفصاحتها، وكثرة أوضاعها، لكن مخالطة العرب للقوميات الأخرى في العراق ومصر والشام، جعل الإمام أمير المؤمنين× يتخوف من تأثر العرب باللغات الأخرى، فبادر المؤمنين الى الطلب من أبي الأسود الدؤلي الشاعر أن يضع مبادئ لأحكام لغة العرب وضوابطها، ((روي عن محمد بن سلام الجمحي، أن أبا الأسود الدؤلي دخل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×فرمى إليه رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله ثلاثة أشياء، اسم وفعل وحرف جاء لمعنى: فالإسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره، فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين، هذا كلام حسن فما تأمرني أن أصنع به؟ فإنني زدت بإيقافي عليه، فقال أمير المؤمنين×: إني سمعت في بلدكم هذا لحنا كثيرا فاحشا، فأحببت أن أرسم كتابا من نظر فيه ميز بين كلام العرب وكلام هؤلاء، فابن عليه ذلك)) (الشيعة وفنون الإسلام:158)، فوضع الإمام×بذلك أولى لبنات علم النحو، فتلقفه منه العراقيون، ((فجميع الذين نبغوا في صدر الإسلام بفنون النحو وغريب الكلام، كانوا من العراقيين، أو ممن خالطوهم وأخذوا عنهم، ولا ينكر هذا الفضل لأهل العراق باتفاق أهل الآفاق)). (مجلة لغة العرب:العدد الأول، لسنة 1911، ص8)

وقد أنجبت مدرستا البصرة والكوفة عددا كبيرا من فطاحل أهل العلم في النحو وعلم المعاني، ومن أوائل النحاة في البصرة ظالم بن عمرو المعروف بأبي الأسود الدؤلي الكناني، أحد أبرز أصحاب أمير المؤمنين×، ونصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وعطاء بن أبي الأسود، وأبو نوفل الدؤلي.

ثم تلاهم: أبو عمرو بن العلاء المازني، أحد القراء السبعة المشهورين، ويونس بن حبيب الضبي البصري، والخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، وكان أعلم الناس، وأذكاهم، وأنبههم، ومن أكثرهم ورعا وتقى وزهدا في مباهج الحياة وفي الجاه والسلطان، مواليا لعلي بن أبي طالب وآله^.

ثم بلغت مدرسة البصرة القمة عند النحوي الشهير عمرو بن عثمان، مولى بني الحارث بن كعب الملقب بسيبويه، وأبو العباس المبرد الثمالي الأزدي.

وأما مدرسة الكوفة فلم تكن بأقل شأنا من مدرسة البصرة، وهي الأخرى أنجبت عددا كبيرا من النحاة واللغويين الذين أثروا بجهدهم علوم العربية، وصانوا اللغة من الضياع، ومن أبرز هؤلاء العلماء: يحيى بن وثاب، وحمزة بن حبيب الزيات، وسليمان بن مهران الأعمش مولى بني أسد، وعلي بن حمزة الكسائي مولى بني أسد، وأبو مسلم الهراء الكوفي، وأبو جعفر محمد بن أبي سارة الرؤاسي الكلابي الذي يعد مؤسس علم النحو في الكوفة.

ومن النحاة المبرزين الكوفيين: يحيى بن زياد الديلمي الفراء، وأبو العباس أحمد بن يحيى مولى بني شيبان الملقب بثعلب، وغيرهم. (راجع للمزيد: المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف، والمدارس النحوية للدكتورة خديجة الحديثي).

ت-التفسير: وكان العراقيون هم السباقين في التصنيف في تفسير القرآن، ويعد التابعي الجليل سعيد بن جبير أول من صنف في التفسير، ثم تبعه إسماعيل بن عبد الرحمان السدي الكوفي. (الشيعة وفنون الإسلام:26)

ث-الشعر: يعد الشعر أعلى مراتب الأدب عند العرب، وكان للشعر والشعراء عند العرب منزلة عظيمة، ومكانة رفيعة خاصة عند القبيلة في عصر ما قبل الإسلام، فكان إذا نبغ شاعرٌ تحتفل به قبيلته، وتدق له طبول الفرح وتتباهى به عند القبائل الأخرى، فنبوغ الشاعر عند القبيلة أعظم درجة من الخطيب المفوَّه، ويكاد يكون أعظم درجة من رئيسها وفارسها وذلك أنه يمجٍّد قبيلته ويرفع من قيمتها عند أعدائها وعند القبائل الأخرى ويحط من قيمة أعدائها، وكانت العرب تحتال في تخليدها بإن تعتمد على الشعر الموزون والكلام المقفى، وكان ذلك هو ديوانها، وعلى أن الشعر يفيد فضيلة البيان.

ومن أهمية الشاعر عند القبيلة أن أعداءها يتوددون إلى قبيلته مخافة من هجائه، وكان البيت الواحد من الشعر يرفع من شأن القبيلة ويحط من منزلتها، فالهجاء مفعوله أمض من السيف وافتك من النبال، حيث كانت القبائل في ذلك العصر تحارب أعداءها بالشعر قبل السيف.

ولما جاء الإسلام تبدلت الأغراض الشعرية واكتست بالطابع الإسلامي، فصار التفاخر بالسبق الى الإسلام بدل التفاخر بالقبيلة، وتمجيد بطولات المسلمين في غزواتهم بدل تمجيد العشيرة في غزواتها، كما برز العنصر العاطفي في الولاء لآل البيت^خصوصا عند الشعراء الشيعة.

وقد عنى الأدباء في الكوفة بالشعر العربي وجمعه أكثر من غيرها من مدن العالم الإسلامي، ويرجع ذلك الى محفوظات كشفت في الحيرة تعود الى زمان المناذرة، فذكر حماد الراوية أن النعمان بن المنذر أمر بنسخ اشعار العرب، فنسخت له في كراريس، ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيد قيل له أن تحت القصر كنزا، فاحتفره وأخرج تلك الأشعار، ومن هنا كان أهل الكوفة من أعلم أهل الأمصار بالشعر. (الكوفة وأهلها في صدر الإسلام:7)

وتبرز أهمية رواية الشعر والعناية به أن هذه الأشعار تعد وثائق تاريخية مهمة، فلولا هذه الأشعار لاندثر الكثير من تاريخ العرب الجاهلي والإسلامي، فالكثير من تفاصيل الحروب وأيام العرب تعرفنا عليها من خلال ورودها في الشعر.

ومن أشهر رواة الشعر في الكوفة: خلف الأحمر، مولى بلال بن أبي موسى الأشعري، والمفضل الضبي الكوفي صاحب المفضليات، وحماد عجرد، وحماد الراوية وغيرهم.

ج-التاريخ: كما نشأ علم التاريخ وتدوينه في الكوفة، وعلى عهد أمير المؤمنين×، فعبيد الله بن أبي رافع أول مؤرخ إسلامي كما ذكر صاحب الذريعة، قال: ((هو أول مؤرخ صنف في المغازي والسير والرجال في الإسلام، ولم يعرف من سبقه)).

وكانت ميزة مدرسة العراق اختصاصها بالأخبار والأيام والأنساب، ومن النسابين المؤرخين القدماء في الكوفة بعد ابن أبي رافع: الشعبي، ويونس المعني، وعطية بن الحارث الهمداني أبو روق، وطلحة الأعلم، ومحمد بن عبد الله الذين أخذ عنهما الطبري، وابن أبي صالح الذي اعتمده ابن الكلبي في أخبار الأنبياء، وقحذم بن سليمان مولى ثقيف، وأبو العباس وهب بن جرير الأزدي، وأبو المعتمر سليمان بن طرخان البصري، وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي، وكان أبو مخنف علوي الهوى، مخالفا لمعاصرة عوانة بن الحكم الذي كان أموي النزعة، وسيف بن عمرو الضبي، وأبو البختري وهب بن وهب أخذ الفقه والحديث عن الإمام الصادق×، وهو من النسابين المعروفين، له كتب كثيرة في الأنساب، ونصر بن مزاحم المنقري صاحب وقعة صفين وغيرهم. (انظر: التاريخ والمؤرخون: د/شاكر مصطفى:1/169 وما بعدها)

5 - الولاء لآل البيت النبوي

   ومن فضائل التي تميز بها أهل العراق على غيرهم من العرب الولاء لآل البيت النبوي الطاهر^، وهذا أمر يشهد به القاصي والداني، وليس بحاجة الى أثباته بالأدلة.

Share |