ألضربة ألأخيرة لمجلس ألنّواب ألعراقي/عزيز الخزرجي

Sat, 1 Feb 2014 الساعة : 10:35

مصائب و مفارقات كثيرة مرّ و يمرّ بها آلعراق منذ أن حطّ آدم و حوّاء أقدامهم على هذه الارض, و قد أنْسى لكنني و كل عراقيّ شريف لا ينسى فترة ألبعث ألهمجيّ ألهجين كأسوءِ صفحةٍ في تأريخ ألعراق و آلأمة إطلاقاً؛ تلك ألفترة ألّتي تمّتْ فيها مسخ آلشخصية العراقية بعد قتل روح ألمروءة و آلأنصاف و الرّحمة فيها تماماً .. و آلتي بقتلها تمّ لصدّأم المجرم تحقيق أمنيته و كما وَعدَ آلعالم بذلك حيث تركَ آلعراق (أرضاً بلا إنسان كما قالها أكثر من مرّة)!

شعبٌ بات لا يفهم سوى لغة الخيانة و الظلم و القتل و إستخدام كافة أنواع الأسلحة .. لكنه – حتى العالم فيه - عاجزٌ على تعريف مصطلح علميّ أو فلسفي أو عرفاني أو أدبي بشكلٍ صحيح و دقيق!

ألمُتابع لما يجري في آلعراق بدقّةٍ؛ يرى تشابه الوضع فيه مع ساحة لمصارعة ألثيران, أو أقل ما يُمكن وصفه هو ساحة للمصارعة الحرة الغير المقيدة, و لعلّ التصفيات النهائية خلصت أخيراُ بعد تلك السنين العجاف إلى بروز كتلتين في الساحة هما (متحدون) مقابل (دولة القانون), نستثني الوضع الكردي خارج حلبة الصراع!

بآلطبع جميع تكاليف هذه آلصّراعات و آلمُنازلات سدّدها و ما يزال فقراء الشعب العراقي الممسوخيين الذين تاهوا في هذا الوسط و لا يعلمون حقيقة الأمر و أساس القصة و أسباب الصراع .. لذلك مرّة يُشجّع هذا الطرف المصارع و مرة ذاك الطرف, و أحياناً يُصفّق للطرفين من دون أن يعلم الفائز!

من المفارقات الكبيرة التي يمر بها العراق اليوم و هو يقترب من الأنتخابات البرلمانية؛ هو ما يجري الآن في ساحة البرلمان العراقي بعد رفض رئيس المجلس و كتلته و آلأكراد آلتّصويت على الموازنة رغم إنّ آلبلد يمرّ بفترة مصيرية حرجة في حربها مع داعش و الجماعات الأرهابية في آلرمادي و آلفلوجة بآلأضافة إلى معاناة الفقراء و جوعهم!

حيث قدمّت رئاسة الوزراء بداية الشهر الماضي ملف الموازنة السنوية للعراق ككل إلى مجلس النّواب لتلقي الكرة في ملعب البرلمان, و كانت الملفات و التخصيصات المقدمة دقيقة و واضحة إلى حدٍّ بعيد بشأن مخصصات الوزارات و المحافظات و حتى ما يخص الوضع الكردستاني الذي أصبح اليوم إستثنائياً, لإستهتار و سرقة آلحزب الديمقراطي الكردستاني لعشرات المليارات من أموال الأمة مستغلين ضعف الحكومة لإستئثار نفط كركوك و آلمواد الخام الأخرى و واردات الكمارك عبر آلمنافذ الشمالية و الغربية و غيرها, يتمّ كلّ هذا بتواطؤ الحكومة التركية التي دعمت حزب البارزاني لضرب حزب العمال الكردستاني في تركيا, و بذلك تكون تركيا قد ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد؛
الأستفادة من آلنفط العراقي الرخيص؛ ضرب و تحجيم حزب العمال الكردستاني المعارض؛ و آلثالث الأهم هو تضعيف الحكومة المركزية العراقية بسبب طائفيتها و حقدها على مذهب أهل البيت(ع)!

كان آلمفروض على الحكومة العراقية في هذا الوسط أن تتوقع ما حدث, لتكون قد وضعت بحسبانها أن تجعل البرلمان أمام الأمر الواقع للتصويت على الموازنة بأسرع وقت و بزمن قياسي لأسباب عديدة أهمّها:

أنها تواجه معركة المصير كما أسميته سابقاً مع الجماعات الأرهابية في آلمنطقة الغربية و من ناحية ثانية حاجة العراقيين خصوصا الفقراء منهم إلى رواتبهم لأدارة معيشتهم الصعبة نسبياً, هذا بآلأضافة إلى أنّ الحكومة ستتوقف عن العمل في حال عدم التصويت في الزمان و المكان المناسبين, ممّا يعني توقف الحياة و العمل و ألأنتاج في حال وجودها أساساً و هذا بحث آخر لسنا بصدده الآن!
لكنها لم تعلن سوى موقف بسيط و سطحي على لسان رئيس اللجنة المالية و آلنائب عن (القانون) في البرلمان بعتب خفيف على رئيس البرلمان بعدم آلسعي في حسم أمر آلموازنة, و آلعتب على المستقيليين من آلبرلمان بكونهم ما زالوا يستلمون رواتبهم!
و قد نسى هذا النائب القانوني آلحكومة نفسها ألتي ما زالت تعطي لوزرائها المستقيليين كامل حقوقهم و رواتبهم و رواتب حماياتهم رغم إن بعضهم لم يشارك في جلسة من جلسات الوزارة منذ عامين, حيث إن الوزراء المستقيليين الغائبين عن الحكومة هم أكثر من ستة وزراء و هم أنفسهم ما زالوا يستلمون رواتبهم و كامل مخصصاتهم و حقوق (30حماية) لكل وزير منهم كما هو آلحال مع أعضاء البرلمان الذين تركوه منذ أكثر من سنة!
!

لذلك فأنّ الكلّ مشاركين بآلسّرقات و النهب و آلتزوير و تبذير أموال الفقراء, و ما دامت تلك الأموال تخرج في النهاية من جيب المواطن الفقير, فلا يهم آلمسؤول شيئاً, و عساهم نارهم تاكل حطبهم كما يقولون, ما دامت مخصصات أعضاء البرلمان و آلحكومة جارية, حيث يستلم كلّ عضو ما يعادل رواتب و حقوق و مخصصات 200 عائلة عراقية فقيرة كل شهر بضربة واحدة كمهر معلوم و راتب ثابت خصّصه لهم السيد (بريمر) في مجلس الحكم عام 2003م و لا علاقة له بآلقانون و آلكفاءة و لا بآلشرع و لا بآلأنسانية!

و ليس هذا فقط بل إن آلذي حدث و يحدث هو أكبر من هذا بكثير!
فقد رجعنا شيئاً فشيئاً إلى زمن النظام البائد, و مقولة عطايا و هدايا آلرئيس .. و ذلك بتوزيع ألجوائز و الهدايا النقدية و آلهبات و الأسلحة و الأراضي بإسم رئيس الحكومة أو البرلمان, بيد أن آلمفترض هو أن يكون التوزيع من آلدولة عبر المؤسسات و القوانين بعيداً عن هذا الأستئثار المجحف الذي يبطل كل الأعمال و دور آلمؤسسات و يكرس الحالة الديكتاتورية المقيتة و كما كان يفعل صدام آلمجرم بعنوان(مكرمات الرئيس)!

إنّه تماهل متعمد و و فرط في الحقوق و مخطّط دنيئ من قبل رئيس البرلمان و كتلته (متحدون) ألتي أوعز لها بترك قاعة البرلمان تضامناً مع الأكراد لتعطيل التصويت على الموازنة آلتي كانت من المقرر إنهائها الأسبوع الماضي على أكثر التقديرات!

فهل هناك فساد و فوضى و انفلات أخلاقي و أدبي و قانوني و إنساني كما هو آلجاري بين آلمسؤوليين في عراق اليوم و بتوجيه و دعم من رؤوساء الكتل و الكيانات و المؤسسات!؟

أن محصلة هذه الأوضاع تُؤشّر على فساد البرلمان العراقي و إجرامه خصوصاً رئيسه و قائمته ألسّوداء مع سبق الأصرار بجانب الكثير من القائمين على مفاصل الحكومة العراقية و معهم مجلس القضاء الأعلى الذي يُفترض به أن يتّخذ الموقف الشرعي و القانوني حيال تلك آلأزمات و القضايا ألمصيرية التي تعصف بآلعراق لكونها تتعلق بمصير البلاد و اهل البلاد, خصوصاً و نحن نقترب من آلأنتخابات البرلمانية التي لم يبق من موعدها سوى عدّة أسابيع!؟

فهل يتوقع هؤلاء الحاكمين ألّذين يعيشون أيامهم الأخيرة بإمكانية إنتخابهم مرّة أخرى, و هم يتصارعون برعونة و وحشيّة على مواقعهم و رواتبهم تاركين قضايا آلوطن و آلأمة تتلوى من آلألم و آلجّوع و آلبرد و أنواع المعاناة و المصائب و قد وجهوا إليها آلضربة الأخيرة بموقفهم السلبي من الميزانية التي لا يبقى منها للشعب إلا آلقليل, و لا حول ولا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.

عزيز الخزرجي

Share |