مقومات الزعامة العشائرية عند العرب(القسم الأول)/عبد الهادي الطهمازي الربيعي

Wed, 29 Jan 2014 الساعة : 23:59

يشغل زعيم القبيلة أو شيخ العشيرة منصبا مهما وحساسا في جسد المكون الاجتماعي الذي يعبر عنه بالعشيرة أو القبيلة أو الفخذ، أو غيرها من المسميات التي تنبثق في الأصل من حجم الكتلة البشرية المنظوية تحت ذلك المسمى.

إن شيخ العشيرة أو زعيم القبيلة يلعب دورا سياسيا واجتماعيا بارزا بين أبناء عشيرته والعشائر الأخرى، خصوصا إذا كان يتمتع بخصائصها محببة تؤهله لقيادة العشيرة وإدارة شؤونها.

وتختلف وظائف شيخ العشيرة أو زعيم القبيلة باختلاف الزمان والمكان، وتبعا لاختلاف تلك الوظائف لابد أن تختلف مؤهلاته وخصائصه النفسية، فالصفات التي يجب أن يتحلى بها الشيخ في البادية تختلف عنها في المدينة، وصفات زعماء القبائل العربية في العصور القديمة، ليست كما هي عليه الآن في زمننا الحالي؛ لأن متطلبات الحياة الاجتماعية تغيرت، وأوجه المعيشة اختلفت، فقد كانت الشجاعة والقوة الجسدية والدهاء العسكري أمورا مطلوبة في شيخ العشيرة في العصور الجاهلية لاعتماد القبيلة على الغزو والقتال.

أما في عصرنا الحالي فلا يراد من شيخ العشيرة أو زعيم القبيلة إلا الشجاعة الأدبية وحسن المنطق، وسعة العلاقات مع الآخرين، والشجاعة في المواقف الإنسانية والأخلاقية، لا في حمل السلاح الضرب والطعن؛ لأن ظروف حياتنا الاجتماعية تغيرت عما كانت علية عند أجدادنا قبل ألف سنة مثلا.

نعم تبقى بعض الصفات ثابتة لا يمكن أن تطالها يد تتغير، أو تتحولوا بتحول وتغير الزمان والمكان؛ لأنها صفات إنسانية وأخلاقية وعقلائية ثابتة، يجب أن يتحلى بها كل زعيم قبيلة أو شيخ عشيرة أو رئيس فخذ في أي زمان ومكان.

 

 

 

وظائف زعيم القبيلة

كان المجتمع العربي ولازال يعيش نمطين الحياة:

النمط الأول: حياة البادية، فقد كانت تعيش مجموعات كبيرة تجتمع في النسب الى أب واحد أو أصل واحد، متنقلة في أرجاء البادية سعيا للحصول على الماء، وتأمين الغذاء لخيول وجمال ومواشي العشيرة، وكان هذا النوع من القبائل يعتمد بشكل أساس في اقتصادياتهم على الغزو.

وكان لكل مكون من هذه المكونات زعامة أو مشيخة تقود القبيلة في حربها وسلمها، وحلها وترحالها، ويرسم هذا الشيخ سياسة القبيلة تجاه القبائل الأخرى، بالصلح والمهادنة، أو التحالف والتآزر، أو المناواة والمشاكسة.

ولا ينفرد زعيم العشيرة باتخاذ القرارات غالبا، بل يشترك وجهاء وأعيان القبيلة في بلورة القرار والاستقرار على رأي معين، أيا كان ذلك القرار بغزو قبيلة ما مثلا، أو الارتحال من منطقة الى أخرى، أو عقد معاهدة مع طرف آخر؛ لأن الخطأ في مثل هذه الحالات يكون غير مغتفر، فزعيم القبيلة يتملص من تحمل مسؤولية القرارات، فيستعين بمجموعة من المشاورين.

فالسمة البارزة في شخصية القائد في العشائر البدوية، كانت تتمثل بثلات جوانب:

1- معرفة بجغرافية الصحراء ومواطن المياة فيها، وأماكن نزول العشائر العدوة والصديقة، كي لا يحصل خطأ في حالات الغزو، أو تذهب جهود الغزاة سدى، فإما أن يكون هو ذا خبرة أو يستعين بخبير في جغرافية المنطقة.

2- الشجاعة والجرأة في الإقدام في حالات الحرب؛ لان الحرب القديمة بالسلاح الأبيض كانت تعتمد غالبا الى الأفراد، وليس على مجموع الجيش، فالمعركة التي يشهدها ألف مقاتل مثلا، يتحمل أعبائها بضعة أشخاص يتميزون بالشجاعة والقوة الجسدية من الطرفين.

3- الحنكة والموهبة في وضع الخطط العسكرية أثناء الغزو، أو في حالات صد هجمات القبائل الغازية، فعلى سبيل المثال: ((وضع الأحوص بن جعفر الكلابي العامري زعيم هوازن خطة لصد هجوم لقيط بن زرارة التميمي، وكان لقيط قد جمع أحلافه من بني أسد وذبيان وغيرهم، فجمع جمعا لم يجمع في الجاهلية مثله، ولم يشك أحد من العرب في هلاك بني عامر لكثرة الجيش الذي أعده لقيط للإغارة على بني عامر بن صعصعة وحلفائهم من عبس وغيرهم، فاستشار الأحوص العامري قيس بن زهير: ما ترى، فإنك تزعم أنه لم يعرض لك أمران، إلا وجدت في أحدهما الفرج.

فقال زهير: الرأي أن نرحل بالعيال والأموال الى شعب جبلة، ونجعل العيال من خلفنا، وأمر أن تمنع الإبل من الرعي والسقي، وتحبس في أعالي الشعب (الوادي) من جانبيه، وأجعل خلفها الرجال وبأيديهم السلاح، فإذا دخل القوم علينا الوادي فررنا من  أمامهم، وحلت الرجالة عقل الإبل ثم لزمت أذنابها، فإنها تنحدر وتحن الى مراعيها والماء، وتخرج الفرسان في إثر الرجالة، فإذا خطبت الإبل القوم، جاء الرجال والفرسان من خلفها فأوقعوا فيهم.

وجاء لقيط بجيشه الجرار ودخل الوادي ليفتك ببني عامر، فحل الرجالة عقل الإبل، فأقبلت تهوي، فسمع القوم دويها في الشعب، وفطنوا أن الشعب تهدم عليهم، وقتل من تميم وأحلافهم مقتلة عظيمة، وأسر الكثير من أعيانهم)). (الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني:11/89 وما بعدها، العقد الفريد: لابن عبد ربه:6/248)

فلولا هذه الخطة العسكرية والدهاء العسكري الذي تحلى به سادات بني عامر لأباد لقيط بن زرارة التميمي القبيلة.

Share |