مقالات في الفكر السياسي الاسلامي الحلقة(2) دوافع العلمانيين وأقوالهم:/د. رعد العامري (ابو اطياف)
Thu, 23 Jan 2014 الساعة : 19:29

يرى العلماء أن هناك دوافعاً وأسباباً وراء طرح الأفكار العلمانية في المجتمع الإسلامي ، ويحاول الشيخ التسخيري(1) حصر هذه الدوافع بما يلي :
1- ضعف الأدلة المقامة على نوعية نظام الحكم (الشورى) ، وقبولها كلها للمناقشة الدلالية وبعضها للمناقشة السندية.
2- غموض نظام الشورى وعدم احتوائه –على الأقل– على المبادئ الضرورية لتكوين أي نظام
3- اختلاف الآليات التي تسند السلطة للحكام ، وتعدد التطبيقات في هذا الشأن.
4- تعميم عنوان (ولي الأمر) لكل من مسك بأزمّة الأمور وتعيين وجوب طاعته حتى لو كان فاسقاً.
ويرى محمد المبارك أن الظروف السائدة حين صدور كتاب علي عبدالرازق لها مدخلية في إطلاق هذه الآراء والأفكار حيث يقول: ((وتبين للباحثين أن هؤلاء كان هدفهم إمّا التمهيد لنظام كمال أتاتورك في بداية عهده أو معارضة الحكم القائم يومئذٍ في مصر))(2).
يقول علي عبد الرازق في كتابه : ((والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية كلا ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة وإنما هي تلك خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها))(3).
بل عدّ الدولة التي أقامها الرسول( ص) بقوله : ((بل هو لم يكن إلا وسيلة من الوسائل التي كان عليه( ص) أن يلجأ إليها تثبيتاً للدين وتأييداً للدعوة))(4).
ويرى حسين فوزي النجار "أن الإسلام لا يجمع بين الدين والدولة وان محمداً ما جاء ليقيم ملكاً وينشئ دولة وما كان إلا نبياً ورسولاً للناس كافة"( 5).
ويردد العشماوي هذه الأفكار فيقول: ((فالخلافة الإسلامية ووفقاً للتحليل العلمي لا للتقدير الوهمي من واقع نشأتها ظهرت كرياسة دنيوية وإمارة واقعية لا تؤسس على نص ديني ولا تقوم على حكم شرعي))( 6).
اما الأدلة التي استدل بها عبد الرازق على هذه الرؤية فهي :
1-القرآن الكريم :
كما في قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)( 7) و( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)(8 ) و(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)( 9) و(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)(10 ) وغيرها من الآيات التي حاول ذكرها في كتابه.
وقرّب الاستدلال بهذه الآيات بقوله : إن من لم يكن مسيطراً ولا وكيلاً وإنما هو مجرد مبلغ ولا يكون له حق إكراه على الناس حتى يؤمنوا ليس بملك ، لان من لوازم الملك السيطرة العامة والجبروت( 11).
وقد ناقش جمع من المفكرين( 12) استدلاله بالقرآن الكريم الذي كان بالاستفادة من آيات قرآنية بصورة منفصلة عن الرؤية الكاملة للقرآن فلم تكن نظرته للقرآن شمولية ومستوعبة لبقية الآيات التي أشارت إلى طاعة الرسول(ص ) وتحدثت عن قيادته ومسؤوليته تجاه الرسالة الإسلامية مثل قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)( 13) وكذلك قوله تعالى: ({وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا})( 14) وقوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(15 ) وقوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)( 16).
كما انه تناسى الأسلوب الخاص للقرآن الكريم في بداية الدعوة وأثناء وجود النبي في مكة مع إن استدلاله كان أكثره بالآيات المكية التي كانت بصدد الدفاع عن الإيمان وتثبيت العقائد دون التطرق إلى تأسيس الدولة وإداراتها.
كما أن بعض هذه الآيات كانت بصدد تطييب خاطر النبي( ص) عندما كان يتأذى بسبب إعراض المشركين عن دعوته ، والقرآن أراد بخطابه إيضاح ان الواجب المترتب على الرسول (ص ) إبلاغهم بالدين وإرشادهم وليس الرسول هو الوكيل عنهم حتى يتأذى بإعراضهم عن الرسالة.
2-السنة الشريفة :
جاء رجل إلى النبي (ص ) فأصابته الرعدة فقال الرسول (ص ) ((هون عليك فإني لست بملك ولا جبار وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة))( 17).
والحديث ورد في سنن ابن ماجة بهذا السند : حدثنا اسماعيل بن أسد ، ثنا جعفر بن عون بن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود قال: أتى النبي( ص) فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له : ((هون عليك فإني لست بملك وإنما انا ابن امرأة تأكل القديد))(18 ).
ورواه ابن سعد في الطبقات مرسلاً بقوله : أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الله بن عين قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن رجلاً أتى رسول الله(ص ) فقام بين يديه فأخذه من الرعدة إفكل ، فقال رسول الله (ص ) ((هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة))(19 ).
ورواه الطبراني بسند يتصل باسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير أن رجلاً أتى النبي( ص) بين يديه فاستقبلته رعدة فقال النبي (ص ): هون عليك فإني لست بملك إنما انا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)).
وقال لم يرو هذا الحديث عن اسماعيل بن قيس بن جرير إلا عيسى تفرد به. ( 20).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : ((رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم)) (21 ).
وقال ابن عساكر : ((هذا غريب جداً من حديث جرير بن عبد الله وإنما يحفظ من حديث قيس عن أبي مسعود البدري وهو غريب أيضاً))( 22).
وقال عنه الدارقطني: ((تفرد به اسماعيل بن أبي الحارث متصلاً))(23 ).
وقال عنه أيضاً:((والمحفوظ عن اسماعيل بن أبي خالد مرسلاً في غير ذكر أبي مسعود))( 24)
وبهذا يتضح إرسال الحديث وما جاء به متصلاً عن طريق جرير أو أبي مسعود عدّ غريباً أو تفرد به كما لاحظنا.
ويكون الحديث من ناحية السند مرسلاً ولا قيمة للإرسال .
وأما دلالة الحديث : فالحديث لا يدل على المدّعى ، وإنما يعكس تواضع الرسول أمام الناس مع انه القائد والمرسل من السماء ، ولعل تصور الناس عن جبروت وطغيان الحكام والملوك جعله يتصور ذلك ، ولهذا رد الرسول(ص ) عليه ، لإبعاد ما كان يتصوره عن عادات الملوك الجبابرة وتصرفاتهم( 25).
حديث ((انتم اعلم بأمر دنياكم)):
روى مسلم في صحيحه هذا الحديث ، حيث قال : ((حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد كلاهما عن الأسود بن عامر قال أبو بكر : حدثنا عامر ، حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وعن ثابت عن أنس ان النبي( ص) مر بقوم يلقحون النخل فقال: ((لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج شيصاً فمر بهم فقال ما لنخلكم قالوا : قلت كذا وكذا قال : انتم أعلم بأمر دنياكم))( 26).
وعدم معقولية صدور هذا الحديث عن الرسول الأكرم (ص ) جعل العلماء يعرضون عن مناقشة سنده ؛ وذلك كيف يعقل أن لا يعلم النبي ( ص) الذي قضى أكثر حياته في بيئة أشهر أشجارها النخيل كيفية تأبير النخل ، وأن النخيل عندما لا تلقح بطلع الذكر من النخيل لا تثمر ويكون شيصاً( 27).
وقد يكون الداعي والهدف وراء هذا الحديث هو تأسيس للفصل بين الدين والدولة التي أعلنه الأمويون بصراحة – كما تقدم – لذا يرى السيد مرتضى العسكري أن هذا الحديث قد وضع بإمعان في زمن
معاوية(28 ).
ويضاف أن الغاية من إسناد هذا الشيء إلى الرسول(ص ) هو فصل الدين عن الدولة ، وأن تبطل جميع سنة الرسول( ص) فيما عدا العبادات( 29).
ويرى محمد صادق النجمي "أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي(ص ) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوماً أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي (ص ) ، فهم يملكون دليلاً ويستدلون على مخالفتهم بان النبي ( ص) ، قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخل وبعدها قال : ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ... وادّعوا أن الرسول(ص ) إذا أمر بحكم ولم يكن هذا الحكم في القرآن ولا علاقة له بالوحي فانه يكون من اجتهاداته ( ص) ومخالفة المجتهدين بعضهم بعضاً في المسائل العلمية أمر عادي ولا يرد عليه إشكال" (30 ).
ولاشك أن هذا الحديث قد أسس لفهم جديد يؤدي إلى أن النبي( ص) لا علم له بأمور الدنيا ، وأن غيره أبصر من الرسول(ص ) في أمور الدنيا كما يرى ذلك ابن حزم في الإحكام( 31) ، والسرخسي(32 ) في أصوله بل ووصل فهم دلالة هذا الحديث إلى مدى خطير إذ عدّ محمود أبو رية هذا الحديث مؤسساً لقاعدة عامة يجب أن تكون دستوراً للمسلمين الذي يثبت بحق ان الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وانه صديق العلم وعدو الجهل( 33).
ولذا فالحديث لا يعقل صدوره ، كما أنه يؤسس لفهم يتعارض مع كون الرسول( ص) أسوة حسنة ، ويجب طاعة أوامره وأفعاله في جميع تصرفاته وسلوكه أو يمكن – لو صح – فهو إمضاؤهم على جواز إعمال تجاربهم وخبراتهم الخاصة(34 ).
وأيضاً فإن الإسلام لم يترك الأمور الدنيوية للناس لتقرر ما تريد بل أعطى رأيه في أكثرها وأن مفهوم الحلال والحرام يشمل كل تصرف للإنسان ، كما أن لولي الأمر التدخل في الكثير من الشؤون الدنيوية والحياتية ، فكيف لا يعقل أن لا يتدخل الإسلام ولا ولي الأمر في الشؤون الدنيوية كما هو المراد من الحديث(35 ).
وتحصل مما سبق ان لا دليل شرعي يثبت مقولة الفصل بين الدين والدولة ، كما أن المقتضي لهذا الفصل الحاصل في الغرب هو لوجود الانفصال أساساً بين سلطة الكنيسة المحرفة وبين الدولة ، ووقوفها بوجه العلم والتطور بينما سبق الإسلام أوربا في الدعوة إلى العلم والتطور وتنمية العقل ، فلا تصادم بين الدين والدولة ، والانفصال بين العلم والدين ، ولا يقف الدين أمام التطور والتنمية والتقدم.
لذا يقول محمد مهدي شمس الدين: ((إن العلمانية ظاهرة أوربية محضة من حيث الموطن ووسطها البشري والحضاري ومن حيث المعطيات السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية التي أدت إليها ومن هنا يتضح أنها ليست مشكلة إسلامية لا على مستوى الدين ولا مستوى السياسة ولا على مستوى المجتمع ولا على مستوى الحضارة))(36 ).