مقبرة الغرباء...أم مقبرة الشعراء-راغب رزيج العقابي

Sat, 13 Aug 2011 الساعة : 11:13

عندما تكون في زيارة لضريح السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(ع) في وسط العاصمة السورية دمشق تظهر أمام ناظرك حديقة واسعة غناء تظللها الأشجار الوارفة يسودها صمت وهدوء دائم لا يشوبه سوى زقزقة العصافير اللاهية بين أغصان الأشجار المتدلية وسواقي الماء البارد وهي تروي أشجار تلك البقعة النظرة,أو سماع نواح هادئ من أخت أو أم أو زوجة أمام قبر غريب مات ودفن في ارض الغربه بعيدا عن اهله ووطنه..انها (مقبرة الغرباء )..مقبرة العراقيين في المنفى ممن اغتربوا أو فروا من وطنهم مرغمين على ذلك ليتقوا بطش النظام الصدامي الدموي لهم..وهاجروا وانتشروا في ارض الله الواسعة ليكونوا في مأمن من ملاحقة أزلام النظام السابق لهم وهم في بلاد الغربة, وحتى في موتهم منعت جثامينهم من دخول العراق لتدفن في ارضه لتنام على ترابه الطاهر نومة ابدية هانئة .
وكانت زيارتنا لها عصر يوم الخميس من ليلة الجمعة المباركة وعند دخولنا من الباب الرئيسي المعلق في أعلاه يافطة كبيرة كتب عليها (مقبرة الغرباء) .. استقبلنا في الباب طفلتان صغيرتان في عمر الزهور ترتديان ملابس بيضاء وكأنهما من طيور الجنة تحملان شموع وحلوى دمشقية فاخرة تطلبان منا ان نأخذ ونأكل من تلك الحلوى ونقرأ سورة الفاتحة.. ففعلنا ذلك ..وواصلنا دخولنا فأول ما لفت نظرنا في بداية المقبرة قبة مهابة زينت بالنقوش الإسلامية والآيات القرآنية الكريمة يرقد تحتها ابن محافظة ذي قار وابن مدينة سوق الشيوخ العزيزة تلك الشخصية اللامعة انه أية الله الدكتور الشاعر السيد مصطفى جمال الدين بعد اغترابه خارج الوطن.. وحرم من الدفن في تراب العراق الذي أحبه فدفن في هذه الأرض القريبة من ضريح سيدة من آهل بيت النبوة الأطهار واقرب ما تكون إلى ارض العراق , هو وزوجته العلويه تحت هذه القبة الشريفة..وبعد زيارتهما وقراءة سورة الفاتحة توجهنا إلى مكان قريب إلى قبر شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وصاحبي الذي يرافقني المولع بالشعر والشعراء يحثني ان نسرع الخطى الى ذلك المكان وعند وصولنا شاهدنا خارطة العراق رسمت على طول واجهة القبر من أعلاه حتى أسفله يخترقها نهرا دجلة والفرات وكذلك نقشت أجمل قصائده على المرمر الأسود الذي يغلف القبر..وتحت قصيدة يا دجلة الخير اضيفت عبارة جديدة وهي (مات ولم يرى دجلة )فأثرت تلك العبارة الشجية بصاحبي كما هو تأثري وألمي إلى ابن الفراتين الذي مات ظمأنا لمائهما ..لم يرتوي من غيرهما (إني وردت عيون الماء صافية ...نبعا فنبعا فما عادت لترويني ) فقرأنا له سورة الفاتحه ودعونا الله له بالرحمة والمغفرة ..
ثم شعرنا باننا بدأنا ننجذب ونقترب الى مكان قريب من قبر الجواهري إلى قبر شخصية فذه وشيخ مرموق من شيوخ محافظة ذي قار وعلم بارز من إعلام مدينة الرفاعي انه المرحوم الشيخ (حربي المزعل ال حميده ) من اكبر الزعماء العموم لعشيرة بني ركاب في العراق.. وقد زحف الشعر الى سطح قبره فحفرت على المرمر الايطالي الذي يغلف قبره قصيدة رائعة ختمت بالبيتين
هنيئا يا ابا اسماعيل نم قرير عين عدوك لم يهنأ بنوم النواظر
هنيئاً وطاب في هواك سريرة اذا جاء كل ربه بالسرائر
والشيخ المرحوم غادر العراق على مضض مغتربا والتجأ الى سوريا بسبب معارضته للنظام السابق بعد خروجه من السجن مباشرة عام 1969م..ليصبح هناك رئيسا لتجمع عشائر العراق في المعارضة العراقية في الخارج حتى وفاته عام 1997 ودفن غريبا في مقبرة الغرباء..وجالت بخاطري اخر مرة شاهدته فيها وكان ذلك في عام1969 عندما استنجد بنا احد اقاربي في الناصرية للبحث معهم عن مصير ابن لهم اقتاده جلاوزة النظام السابق ليلا إلى جهة غير معلومة, وهو مدرس من أهالي الناصرية وقائد في حزب يساري ترأس قائمة حزبه لخوض انتخابات نقابة المعلمين في المحافظة بالقائمة ( المهنية) . ورحنا نبحث عنه في كل سجون الناصرية ومعتقلاتها وعندما وصلنا إلى معتقل يقال له (سجن الخياله) شاهدت هناك الشيخ حربي المزعل بعد ان دلنا عليه احد اقاربه وهو المرحوم ( الشيخ تومان ) الذي كان في زيارة له في تلك اللحضة...وقد رأيته في زنزانته المنفردة الذي يشاركه فيها معلم من أهالي الرفاعي انه طيب الذكر الاستاذ محمد حسن جبار عليوي الجبوري مسجون معه بسبب كونه مسؤول كبير في حزب معارض للنظام السابق .وقد رأيت الشيخ في زنزانته شامخا كالاسد في عرينه مهللا مرحبا بنا بعد ان عرفنا ثم طلب من المرحوم تومان ان يسقينا قهوة ساخنة (من دلة كانت بيده) تفوح منها رائحة الهيل..وكأنه في باحة قصره الرحب الذي طالما استقبل وحفل بالشخصيات العراقية والاجنبية أو كأنه امام فناء مضيفه العامر مستقبلا ومرحبا بكل قادم في قريته المسمات بأسمه (قرية حربي المزعل ) في منطقة ابو اجويري (12 كم غرب مدينة الرفاعي)
وبقينا هناك حتى ادركنا الليل وسمعنا اذان المغرب من الحضرة الزينبية وصاحبي لازال يحمل بيده ورقة تضم قائمة بأسماء الشعراء العراقيين الذي يروم زيارتهم في هذه المقبرة ..فبالاضافة إلى الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين والشاعر الكبير الجواهري كان هناك اسم رائد الشعر الحر عبد الوهاب البياتي و أسم ابن الناصرية الشاعر عبد القادر رشيد الناصري والشاعر المسرحي يوسف الصائغ واخرون كثر غير مشهورين أو أني لا اعرفهم جيدا فاتفقت معه على زيارتهم جميعا صباح يوم غد الجمعة..وقبل المغادرة رحت اتأمل قائمة صاحبي وأ سأل نفسي هل التي نزورها هي مقبرة الغرباء ...أم مقبرة الشعراء...

http://hackerss.org/up/images/46560447491412781659.jpg

http://hackerss.org/up/images/12090800897223883048.jpg
 

 

 

Share |