من وحي السيرة/حيدر الجابر
Mon, 20 Jan 2014 الساعة : 17:32

بعيداً عن تاريخ البشرية العام، وقريباً جداً من تاريخ الإسلام، هناك نقطة انقلاب وتغيير مهمة، لا يمكن الرجوع عنها، ولم تعد الدنيا كلها مثلما كانت. انفرطت المسيرة الرتيبة للحياة، وبدأ الحدث المتسارع للإنسانية. من مدينة مقدسة عتيقة، تعيش على التجارة، وتترسخ فيها أعرق العادات ـ الحميدة والخبيثة ـ كانت ولادة الرسول الكريم (ص) إعجازاً، لفت انتباه أولئك العرب المتفاخرين، ولفتت انتباههم تلك المثالية التي تحلى بها منذ نعومة أظفاره، وهم هم العتاة الذين عدّوا أطيب طعامهم من الغارات. وبينما كانوا يتنافسون فيما بينهم على الشرف والسيادة، علا عليهم بصفات جديدة ونهج مغاير لم يعهدوه، كان معجزة حقيقية تسير بين ظهرانيهم.
أثار «يتيم أبي طالب» دهشتهم، كما أثار غضبهم بعد حين، حينما رفع صوته بالشهادة، داعياً إياهم إلى نبذ الانحدار والتسافل، والارتفاع نحو الانسانية والتكامل. لم تقف دهشتهم عند مظهره المبجل، بل كانت قدرته على التأثير في الآخرين عجيبة، لقد خلب ألباب الجميع، وكل من جاءه متحدّياً عاد مبهوراً بتلك الهالة المقنعة التي تحيط بمنطقه، تمكن من رد معارضيه وهم: إما شاكّون بعقيدتهم، أو مقتنعون بأفكاره، ولكن الإثم يسيطر على قلوبهم. قابل تعنّتهم بصبر لا يلين، واستهزاءهم بحلم لا ينضب، ولما اضطُرّ الى الهجرة التفت إلى بلده الأمين متحسراً.. على أنفس طالها الشيطان.
سنكتب كل يوم عن الرسول الكريم (ص)، ولن ينتهي الحديث عنه، وسيتضح حيناً بعد حين، أن من الذين ادّعوا انتماءهم اليه، هم أبعد الناس عن أخلاقه ودعوته. أثبت التاريخ أن الرسول الكريم (ص) انصع من كل ما ران على قلوب بعض المسلمين من حسد وحقد وبغض. وما زالت سيرته العطرة هي أكثر الأدلة القطعية على عظمة إعجازه، وبرأيي: فإن الإعجاز الخارق للطبيعة الذي حدث على يديه في بعض المواطن، ليس أهم أو أكثر من الإعجاز الذي تميزت به حياته من لحظة ولادته حتى غادر إلى الرفيق الأعلى. الإعجاز الخليق بالدرس والتأمل هو المبادئ الحياتية التي فاض بها علينا، حين وضع قانوناً لكل شيء.. لم يكتف بكتابته، ولكنه مارسه قولاً وفعلاً وتقريراً.
جريدة المؤتمر