مقالات في الفكر السياسي الاسلامي/د.رعد كاظم
Fri, 17 Jan 2014 الساعة : 0:03

الحلقة (1)
:إشكاليات علاقة الدين بالدولة :
1-فصل الدين عن الدولة :
هذه الإشكالية التي نادت بها (العَلمانية) والواقع أن هذا الفصل يمثل مظهراً من مظاهر العلمانية ، لكنها بالحقيقة تريد إبعاد الدين عن مسرح الحياة ، فهي ترى أن مجال الدين هو الجانب العبادي وعلاقة بين الفرد وربه ، ولا دخل للدين في حياة المجتمع والدولة ، وعليه فلا يتدخل الدين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فالعلمانية كما يراها الشيخ محمد مهدي شمس الدين هي ترويج للمفهوم الغربي المادي للدين ، وهو المفهوم الذي يعد الدين شأناً خاصاً جداً من شؤون الإنسان الروحية والنفسية والعقلية ولا علاقة له بالحياة ونظمها والمجتمع وعلاقاته( 1).
وقد حاولت العلمانية تصدير بضاعتها إلى بلاد المسلمين بوصفها السبيل إلى التقدم والنهضة والتطور وأن تطبيق الشريعة الإسلامية يقف بوجه تقدم المسلمين في مجال العلوم التطبيقية المتطورة(2 ).
بل يرى محمد أسد أن لفظة (العلمانية)قد اقترن في أذهان المسلمين بالتقدم ، وان كل اقتراح لتنظيم الشؤون السياسية وتخطيط المناهج الاقتصادية والاجتماعية على أساس الدين ينظر إليه على انه حركة (رجعية) أو على أحسن الفروض نظرة مثالية بعيدة عن مجال التطبيق العملي(3 ).
ومارست العلمانية الخداع والتضليل والتمويه في ترجمة المصطلح (Secularism) الذي يدل على (لا دينية) في اللغات الأوربية إلى ((علمانية)لتكّون انطباعاً لدى الإنسان الساذج أنها دعوة تتصل بالعلم وتنبع منه مستغلة الخطأ في الاشتقاق في إيجاد اللبس بين النسبة إلى ((عِلم)) ونسبه ((عالم))(4 ).
ولسنا بصدد بيان الأسس الفكرية للعلمانية ، لكن لا يمكن للعلمانية أن تحقق أهدافها بل لا يمكن أن تقوم إلا بعزل وفصل الدين عن الدولة ؛ لان من المقومات التي تتكأ عليها
العلمانية تتمثل في كون مصدر السلطة وشرعيتها هو الشعب ، وأن لا يقوم التشريع الدستوري والقانوني على أساس ديني، لتصل العلمانية إلى غايتها في جعل العقل الإنساني مستقلاً عن التقيد بالأحكام والتعاليم الدينية، وأن يكون – أي العقل – كافياً لوحده وقادراً على تنظيم الحياة البشرية(5 ).
وعلى الرغم من كون العلمانية ظاهرة وافدة على المجتمع الإسلامي ، لكن محتواها وما تريده من فصل الدين عن السياسة والدولة قد مارسه المسلمون من قبل، فقد يرى البعض أن إقصاء رجال الدولة الذين أعدتهم السماء لهذه المهمة عن إدارة الدولة ، هذا الإقصاء يشكل الخطوة الأولى في فصل الدين عن السياسة التي ابتدأت بالفصل بين الدين والولاية الإلهية(6 ).
وقد تم الإعلان بصراحة عن هذا الفصل بين الدين والسياسة( 7) بخطاب معاوية في العراق قائلاً : ((إني ما كنت أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا ، ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، وإنما قاتلتكم لاتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون))( 8).
يقول الدكتور أبو المعاطي أبو الفتوح : ((ونستطيع ان نقول بلا تحرج ان بداية الفصل بين الدين والدولة في الإسلام كان هو عصر معاوية ................. وبدلاً من أن تكون السلطة في الإسلام قائمة على الدين، ومنفذة لأحكامه، أصبح الدين في بعض الأحيان يطوع لخدمة السلطة ، ولسنا نغالي إذا قلنا بعد ذلك إن الفصل بين الدين والدولة بدأ منذ ذلك التاريخ واستمر حتى اليوم)) (9).
لقد حاولت العلمانية أن تجد لها أصداءً داخل المجتمع الإسلامي ، وقد حاول (علي عبد الرازق) أن يبث هذه الفكرة في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) وتبعه آخرون( 10) مرددين هذه الأفكار في كتاباتهم ومواقفهم تجاه الإسلام وقدرته على إدارة الدولة وتنظيم المجتمع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد مهدي شمس الدين، العلمانية،ط3 (بيروت،منشورات المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1996م)، ص87.
(2 ) ينظر : محمد فرج ، جذور العلمانية، ط4 مزيدة ومنقحة (المنصورة ، دار الوفاء ، 1990م)، ص11-19.
( 3)ينظر: محمد أسد ، منهاج الإسلام في الحكم ، نقله إلى العربية منصور محمد ماضي ، ط5 ، (بيروت ، دار العلم للملايين ، 1978م) ، ص21.
(4 ) محمد مهدي شمس الدين ، العلمانية ، ص87.
( 5) ينظر : عبد الله حاجي الصادقي ، فلسفة النظام السياسي في الإسلام ، تعريب حسن الهاشمي ، ط1 ، (مركز الهدف للدراسات ، 2010م) ، ص45-48 ، والعلمانية ،محمد مهدي شمس الدين ، ص130-131.
(6 ) عبد الله حاجي الصادقي ، فلسفة النظام السياسي في الإسلام ، ص47.
(7 ) محمد سروش ، الدين والدولة في الفكر الإسلامي ، ص123.
(8 ) ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم(دار إحياء التراث العربي، 1962م)،ج16،ص46.
( 9) أبو المعالي أبو الفتوح ، حتمية الحل الإسلامي تأملات في النظام السياسي (مطبعة الجبلاوي ، 1977م) ،ص29.
( 10) ينظر : حسين فوزي النجار ، الإسلام والسياسة (مطبوعات الشعب )ص60 ومابعدها، وأيضاً و خالد محمد خالد :من هنا نبدأ،ط12،(بيروت،دار الكتاب العربي،1394ه/1974م) ،ص50-60 وخالد توفيق ، "العلمانيون والدولة الإسلامية "، مجلة قضايا إسلامية ، العدد السادس ، 1419هـ-1998م ،ص310-360.