لقد فقدنا عزيزا/عبد الستار جابر الاسماعيلي
Tue, 14 Jan 2014 الساعة : 0:01

لم يكن من ذوي النفوذ والسلطة،ولم يكن مسئولا كبيرا في الدولة ولا وزيرا ولامديرا،ولم يكن من اصحاب الاموال والثروة ولا من ذوي الارصدة الضخمة في المصارف ،ولا من اصحاب العقارات والعمارات ولا..ولا..كل مايمتلكه السيد امين الغالبي الذي ودعته مدينة الناصرية الاسبوع الماضي عن عمر يتجاوز الثمانين عاما بمشاعر الاسى والحزن وحرارة الدموع وجلل المصاب ،كل مايمتلكه ذلك السيد الجليل قلب كبير يتسع لهموم الناس وقضاياهم ومشاكلهم، ورصيد كبير من الحب والاحترام والتوقير في قلوب الناس الذين عرفوه .
كنت مع الجموع التي احتشدت لتشييع جنازته،كان الحزن والوجوم باديا على الوجوه،كان الشعور المسيطرعلى الجميع هوفقدان شخصية اعطت الكثير وقدمت الكثير في سبيل الاصلاح وتجاوز الاشكالات وحل الخلافات التي لايخلو منها مجتمع فكان وجود هذا السيد ملاذا لمن صعب عليه الامر في قضية او مشكلة وراح ينشد الحل وتسوية الامور مع الطرف الآخر،لسان حال المحتشدين يعلن ان المدينة فقدت عنوانا من عناوينها ورمزا من رموزها التي تعتز بها ،من بين الجموع تناهت الى سمعي كلمات وعبارات تفصح عن مسيرة حافلة بمساعي الخير والإصلاح والعطاء لهذه الشخصية الفذة،جميع الكلمات والعبارات تتحد في معنى واحد لقد فقدنا عزيزا.
رجل افنى سنوات عمره في اصلاح ذات البين ،وحل المشاكل العالقة بين الناس ،و فض النزاعات،والسعي الدائم نحو اشاعة الالفة والتواصل وزرع بذور الخير كلما وجد الى ذلك سبيلا ،كان هذا ديدنه الى آخر لحظة من حياته ،لم يثنه المرض عن اداء دوره الاجتماعي ولم يقعده عن تفقد الصغير والكبير من ابناء منطقته ومعارفه .
رجل ينبئك محياه عن كرم السجايا وطيبة النفس،وحلاوة المعشر ،وأنس المجالسة.
في مرات متعددة حضرت مجالس حل خصومات بين اطراف مختلفة ،ولاحظت كيف كان يقرب وجهات النظر ويبسط الامور بكلام ظريف وأسلوب لطيف وحكمة تشد الاسماع وتجذب القلوب،يحاور هذا الطرف وينصت لذاك الطرف،حتى اذا احتدم النقاش وعلت الاصوات بين المتخاصمين، جال ببصره وبحث ببصيرته ، عن فكرة او رواية تناسب الموقف،ثم انبرى متحدثا بلهجة الاب المربي،والواعظ الحكيم،والمجرب المصلح،بساطة ممزوجة بحكمة،فما ترى إلا فتور في المواقف،وتقارب في الاراء،وتراجع عن تعصب،وشيئا فشيئا تكون النفوس هدأت وساعة الاصلاح حانت ولا يخرج القوم إلا متصالحين متراضين.
ماأحوجنا اليوم الى امثال شخصية سيد امين،في الوقت الذي نشهد فيه انحسارا كبيرا في قيمنا التربوية نتيجة ماتعرض اليه مجتمعنا من تغيرات فجائية القت بظلالها على منظومة المعايير السلوكية بشكل عام.لاشك اننا اليوم بحاجة الى رموزنا الاجتماعية لدورها المؤثر في توجيه المجتمع نحو المسارات الاصلح بما تمتلكه هذه الرموز من تجربة وحنكة قادرة على التعامل مع مختلف القضايا والإشكاليات الاجتماعية.
الاسطر المتقدمة هي اقل مايجب ان يقال بحق رجل افنى عمره وتفانى من اجل مجتمع تسوده العلاقات الطيبة والاحترام المتبادل،نسأل الله تعالى ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه الصبر والسلوان.والله الموفق.