الـمـالـكـي ... والـقـرار الـصـعـب !- صـبـاح حـسـن يـاسـيـن
Thu, 11 Aug 2011 الساعة : 10:13

1 - 2
لـم تـبـق َ إلا َّ أشـهـرٍ مـعـدودةٍ مـن نـهـايـة الـمـدة الـمـقـررة لـمـوعـد انـسـحـاب قـوات الـتـحـالـف بـقـيـادة الـولايـات الـمـتـحـدة مـن الـعـراق ، بـمـوجـب الـمـعـاهـدة الـمـبـرمـة بـيـن الـطـرفـيـن ، إذ يـخـال للـمتـتـبـع للـشـأن الـسـيـاسـي إن مـا يـصـرح بـه غـالـبـيـة الـقـادة الـسـيـاسـيـيـن ومـن كـافـة الـكـتـل والـتـيـارات ( تـقـريـبـا ً ) هـي تـصـريـحـات مـغـايـرة لـقـنـاعـاتـهـم الـجـوهـريـة وآرائـهـم الـحـقـيـقـيـة ، لـسـبـب واحـد فـقـط وبـسـيـط ، وهـو عـدم إجـابتـهـم بــجـلاء ٍ ووضـوح عـن الـسـؤال الـصـارخ والمـحـيـِّـر : - مـاذا ، مـا بـعـد الانـسـحـاب !؟
وهـذا الـسـؤال يـجـيـب عـلـيـه ضـمـنـا ً كـل طـرف ٍ مـن زاويتـه ومـوقـعـه (( الـكـتـلـوي )) بـجـمـلـة ٍ مـقـتـضـبـة ٍ ، صـغـيـرة ولـكـنـهـا صـادقـة ( لا أعـلـم ! )
وقـد أجـمـع عـلـمـاء الاجتـمـاع عـلـى أن أكـثـر مـا يـخـشـاه الإنـسـان غـريـزيـا ً ويـهـز مـضـاجـعـه ، ويـرهـبـه فـي الـصـمـيـم ، هـو الـخـوض فـي الـمـجـهـول . ومـرحـلـة مـا بـعـد انـسـحـاب الـقـوات الأجـنـبـيـة مـن الـعـراق تـبـدو غـيـر واضـحـة الـمـعـالـم ومـشـوشـة ، وضـبـابـيـة ( ومـجـهـولـة الـمـصـيـر ) ولـم يـخـطـط لـهـا الـعـراقـيـون مـن أصـحـاب الـقـرار وذوي الـشـأن ، بـل جـاءت غـالـبـيـة تـصـريـحـاتـهـم مـتـبـايـنـة ومـتـنـاقـضـة ولـكـنـهـا تــُجـمـِـع عـلـى أن الـقـوات الـمـسـلـحـة الـعـراقـيـة وأسلـحتـهـا الـحـالـيـة غـيـر قـادرةٍ عـلـى حـمـايـة الـحـدود إن نـشـبـت حـربـا ً خـارجـيـة ( لا سـامـح اللـه ) فـمـع هـذه التـصـريـحـات الـعـلـنـيـة وآراء الـقـادة الـعـسـكـريـيـن الـمـحتـرفـيـن ، وهـيـئـة الأركـان ، ومـدراء الـصـنـوف الـتـخـصـصـيـيـن ... تـجـد الـمتـحـدث يـتـمـم كـلامـه بـالـقـول : - بـأنـنـي مـع الانـسـحـاب بـمـوعـده ِ الـمـحـدد – وهـذا قـول ٌ لا يـرقـى مـطـلـقـا ً إلـى أدنـى حـد مـن الـمـسـؤوليـة الـوطـنـيـة ... وحـنـثُ واضـحُ وصـريـحُ بـالـيـمـيـن الـذي أقـسـمـه ُ عـلـى نـفـسـه ِ فـي الـحـفـاظ عـلـى شـعـب الـعـراق وأرضـه ِ ومـاءهِ وسـمـاءه ، إذ كـيـف يـستـطـيـع الـقـائـد الـعـام للـقـوات الـمـسـلـحـة أو مـن أنـابـه ُ بـحـمـايـة الـعـراق مـن أي اعـتـداءٍ خـارجـي إذا مـا حـدث !؟
لـقـد أوحـى بـعـض ُ شـديـدي الـتـفـاؤل والـمـستـرخـيـن ! بـأنـنـا دولـة ٌ مـسـالـمـةٌ وقـد سـأمـنـا الـحـروب ، ولـيـس لـنـا مـصـلـحـة فـي خـوضِ حـروبٍ جـانـبيـةٍ أخـرى ، ونـود الـعـيـش والتـعـايـش بـسـلام مـع دول الـجـوار والـمـنـطـقـة ... وهـذا كـلام سـلـيـم وجـمـيـل وأكـثـر مـن مـقـبـول ، ونـتـضـامـن مـعـه قـلـبـا ً وقـالـبـا ، وهـذا مـن جـانـبـنـا كـعـراقـيـيـن ، ولـكـن !!! مـاذا يـدريـنـا مـا يـخـبـؤه لـنـا الآخـرون ؟ وقـديـمـا ً قـالـوا ( حـسـن الـظـن مـن سـوء الـفـطـن )
إن مـصـائـر الـشـعـوب وأمـنـهـا لا تـحـقـقـهـا الأمـنـيـات الـضـالـة ، ولا الـتـمـنـيـات الـهـائـمـة ولا الـعـواطـف الـجـيـاشـة ، ولا الأقـوال الـمـعـسـولـة ، بـل الـعـمـل الـجـاد والتـخـطـيـط الـرصـيـن والـمـشـورة والـتـشـاور مـع أصـحـاب الـدرايـة والـرأي الـسـديـد ، والـحـكـمـاء والاخـتـصـاصـيـيـن .
بـالأمـس الـقـريـب نـشـر الـسـيـد أحـمـد الـجـار الله فـي جـريـد الـسـيـاسـة الـكـويـتـيـة التـي يـرأس هـو َّ تـحـريـرهـا ، مـقـالا ً صـاخـبـا ً ( أسـتشـهـد بـه عـادة ً فـي أحـاديـثـي ) وجـاء تـحـت عـنـوان : - ( اللهـم لا تـجـعـل فـي الـعـراق حـجـرا ً فـوق حـجـر ) وهـذا الـكـلام أطـلـقـه رجـل ُ ذو جـذور وثـقـافـة بـدويـة ، والـمـعـروف عـن الـبـداوة عـمـق حـقـدهـم وهـول غـدرهـم ، وتـوقـهـم للـثـأرِ والانـتـقـام حتـى لـو كـان ذلـك بـعـد حـيـن ، لقـد أشـار الـجـار الله إلـى أن الـعـراق ( ولـم يـقـل صـدام ) إن الـعـراق خـلـف فـي قـلـوب الـكـويـتـيـيـن جـرحـا ً لـن يـنـدمـل أبـدا ! وهـذا هـو الـنـمـط الـسـائـد فـي تـفـكـيـر مـجـمـل الـكـويــتـيــيـن ، ومـنـهـم قـطـعـا ً أصـحـاب الـقـرار ، كـمـا وتـطـالـعـنـا بـيـن الـفيـنـة ِ والأخـرى بـعـض الـمـواقـع ( الالـكتـرونـيـة ) الـكـويـتـيـة وهـي تـسـخـر حـد الاسـتـخـفـاف مـن الـعـراقـيـيـن ، وتــتـبـاهـى بـالقـدرة الـعـسـكـريـة الـكـويـتـيـة ومـا تـمـلـكـه مـن أسـلـحـة حـديـثـة ومـتـطـورة وبـكـمـيـات هـائـلـة ، حـتـى تـمـادى أحـدهـم عـبـر الـصـحـافـة الالـكـتـرونـيـة عـلـى وصـف الـقـوة الـعـسـكـريـة الـكـويـتـيـة بـأنـهـا إذا مـا زحـفـت بـاتـجـاه الـشـمـال فـلـن يـوقـفـهـا أحـد ، وإنـهـا سـتـفـرض سـيـطـرتـهـا عـلـى مـنـابـع الـنـفـط فـي جـنـوب ووسـط الـعـراق فـي غـضـون ( خـمـسـة أيـام ) وان سـلاح الـجـو الـكـويـتـي قـادر عـلـى تـدمـيـر كـامـل الـبـنـيـة الـتـحـتـيـة الـعـراقـيـة فـي زهـاء ( 72 ) سـاعـة ومـنـهـا كـافـة مـصـافـي تـكـريـر الـنـفـط ومـنـظـومـات الـطـاقـة الـكـهـربـائـيـة وأبـراجـهـا وشـبـكـاتـهـا ، والـسـدود ومـنـظـومـات الـري والـمـعـامـل ، ومـقـرات الـقـيـاد والـسـيـطـرة والـوزارات ، تدمـيـرا ً شـامـلا ً ...
إن هـذا الـطـرح الـذي يـتـم تـداولـه عـبـر الـشـبـكـة الـعـنـكـبـوتـيـة بـكـثـافـة لـم يـكـن نـاجـمـا عـن فـراغ ، ولا هـو مـجـرد ( فـزاعـة طـيـور ) بـل هـوّ تـواتـر وتـنـاغـم مـع مـا يهمـس بـه الـكـبـار ! وهـذا مـثـل بـسـيـط يـحتــم عـلى أصـحـاب الـشـأن أخـذه بـعـيـن الـيـقـظـة ، فـبـدايـة ألألـف مـيـل تـبـدأ بـخـطـوة !
ولـكـي لا نـبـتعـد كـثـيـراً عـن فـحـوى مــا نـود الــتركـيـز عـلـيـه ، هـو َّ أن لا خـيـار لـبـلـدٍ يـنـشـد الـحـريـة والـديـمـقـراطـيـة ، ويـطـمـح للارتـقـاء إلى مـصـاف الـدول المـتـقـدمـة ويـسـعـى جـاهـداً للـحـصـول عـلى كـامـل الـسـيـادة عـلى أرضـه وحـدوده ، دون أن تـكـون لـه قـوة عـسـكريـة رادعــة وبــكامـل صـنوفهـا ، وهـذا مــا يـعـلـمـه ويـدركـه تـمـامـا ً كــافــة الـغـرمـاء ، وهـم يــدركــون أيــضـاً أن هـذه الـقـدرة الـعسـكـريـة الـرادعـة والـتـي تـجـعـل مـنـك مـفـاوضـاً مـتـكـافـئا ً مـع الـخـصـم ، لا يـتم بـنـائـها واسـتـكـمال جـاهـزيـتـها بـيـن لـيلـة وضـحـاهـا ، ومـن دون مـوارد مـالـيـة هـائـلة ... إذن لـمـاذا يـريـدون الـخـوض فـي غـمـار الـمـجـهـول ؟ ويـتـبـنـون عـلـنـا ً لـزومـيـة ( الانـسـحـاب فـي الـمـوعـد الـمـحـدد ) والـجـواب واضـح وضـوح الشـمـس فـي كـبـد الـسـمـاء : - هـو أن لا أحـدَ مــنـهـم يـريـد أن يـكون الـتسـلسـل رقـم واحـد فـي قـائـمـة الـعـمـلاء للامـبريـالية ، والـصـهـيـونـيـة والطـاغـوت ، وهـي التـهـمـة الـجـاهـزة و ( الـمـسـلـفـنـة ) لـكـل مـن يـقـول مـجـرد دعـونـا نـتـريـث ! أو أن نـعـيـد الـنظـر مـن داخـل الـبـيـت الـعـراقـي عـلـى مـاهـيـة الـسـلبـيـات والايجابيات فـي حـال تـزامـن الانـسـحاب الأمـريـكـي فـي مـوعـده الـمـقـرر ، ومـا هـي َّ الـنـتـائـج المـتـرتـبـة عـن هـذا الانـسحـاب ، أو أن نـعـيـد جـدولـة الانـسحـاب بالـزمـان والـمـكـان المـنـاسـبـيـن ، أو أن نـظـيـف بـرتـوكـولات ومــلاحـق أخــرى لا تـتـقـاطـع مـع بـنـود ونـصـوص الاتـفـاق الـسـابق والـمـبـرم بـيـن الـطـرفـين ، وهـذا الأمـر مـعـمـول بـه بـيـن الـكثـير مـن دول الـعـالـم .
بيد َ أن هـنـالـك صـمـت ٌمـطـبـقٌ مـن بـعـض الأطـراف يـثـير لـدى الـمـراقـب ( المـتـابـع ) الـريـبـة والـتوجس مـن أنـهـم يـضـمـرون فـي خـلجـاتـهـم أمـورا ً غـامـضـة ، قـد تـفـضـي فـي ثـنـايـاهـا إلى وضـع حـكـومـة الـرئـيـس نـوري الـمـالـكـي أمـام امتـحـان صـعـب وعـسـير ومـجـحـف ، يـقـطـفـون ثـمـاره الـسـيـاسـية فـي ما بـعـد الانسـحـاب ، فـمـهـمـا تـكـن حـصـيـلـة تـلـك الـنـتائـج ، ومـا يـترتـب علـيـهـا مـن إرهـاصـات ، فـأنـهـم سـيـجـيـرونـهـا فـي صـك مـنـافـعـهـم الـفـئـويـة ، وان حـدث نـكـوص أو انـتـكـاسـه أو انـفـلات أمـني ( وهـذا مـا نـخـشـاه) فـأنـهـم سـيـصـبـون جـام غـضـبـهـم وسـخـطـهـم عـلى الـمـالـكـي ويـؤلـبـون عـلـيـه الـشـارع بـشـتى الوسـائـل والـطـرق والـذرائـع ، لأنـه هـو مـن وقــَّع علـى اتـفـاقـيـة الانـسـحـاب ، وأصـر َّ علـى تـنـفـيـذهـا .
إن مـن الـمنـصـف والـمـعـقـول أن يُـشـرك الـمـالـكـي وحـكـومـتـه الـحـالـيـة كـافـة الأطـراف ، مـن دون استـثـنـاء بـاتـخـاذ الـقـرار الـمـصـيري والـحـازم فـي الـبـت بـوجـود هـذه الـقـوات مـن عـدمـه ، ويـحـمَّـل كـافـة الـكـُتـل والـمـكـونـات هـذه الـمـسـؤولـيـة الـتـاريـخـيـة والـمـصـيـريـة ، وعـلـى لـجـنـة الأمـن والـدفـاع مـن ممـثلـي الـشـعـب فـي الـبـرلـمان الـعـراقـي والمـتـمـثـلـة بـرئـيـسـهـا ، الـدكتـور حـسـن الـسِـنـيـد ، الـطـلـب مـن رئـيـس الـبـرلـمـان بـتـحـديد مـوعـد مـنـاسـب وقـريـب للـتصـويـت ( الـسـري ! ) علـى بـقـاء الـقـوات الأجـنـبـية مـن عـدمـه ، على أن يـحضـر كـافـة الأعـضـاء بـمـا فـيـهـم جـمـيـع رؤسـاء الـكـتـل ، ولا يـُسـتـثـنى مـنـهـم حـتـى مـن هـوَ علـى سـريـر الـمـرض ، فـيـصـار إلـى إرسـال قـاض ٍ إلـى المـسـتـشـفى الـذي يـرقـد فـيه لـتـثـبـيت صـوته ، ومـن يـعـالـج فـي مـسـتـشـفـيـات الـخـارج ، فـتـنـاط هـذه المـهـمـة بـسـفـارة جـمـهـوريـة الـعـراق فـي ذلـك البـلد ، ومـن يـتـخـلـف عـن الإدلاء بـصـوتـه لـمـثـل هـكـذا قـرار تـاريـخـي وخـطـيـر ! فـعـلـيـه أن يـعـلن استـقـالتـه قـبـل أن يـقـيلـه الـبـرلـمـان بـموجـب الدسـتور !
كـمـا لـيـس مـن الـمـنـصـف أن يـتــحـمـل طـرفٍ دون سـواه هـول تـلـك الـنـتـائـج ، وتـحـت وطـئ وثـقـل ( الـمـؤامـرة ) الـتـي استـنـفـذت فـي الـعـالـم ، وعـاد بـريـقـهـا فـي الـعـراق .
( وللـحـديـث ِ صـلـة فـي عـدد ٍ قـادم )
• كـاتـب وصـحـفـي عـراقـي
•
[email protected]