ربيع السعوب العربية .. ام ربيع الانسان-د. محمد ثامر مخاط

Wed, 10 Aug 2011 الساعة : 12:28

استاذ القانون الدولي – جامعة ذي قار
كل النظم السياسية والقانونية التي ينعم فيها الانسان بحقوقه كاملة غير منقوصة ، بل احيانا زائدة غير منقوصة ، هي نظم تعاملت مع الانسان بوصفه انسانا وليس شعبا ، واغدقت عليه الحقوق لانه فرد وليس شعب او جزء من شعب ، وبالتالي فان الحقوق ستؤول اليه أو سيكون مردها أخيرا اليه لانها اذا منحت للشعب منحت للفرد .
   ان قانون حقوق الانسان يتعامل مع الفرد وليس مع الشعب ويتعامل بصيغة المفرد وليس المجموع ، واثقا في ذلك كله ان الفرد اذا نال حقوقه فانه من الاكيد الذي لا يقبل اللبس ان المجموع سينال حقه ، وان الشعب بالتالي سيتمتع بالحقوق وليس العكس الذي يقبل التأويل المضاد ، وان الحق الوحيد من منظومة حقوق الانسان الذي صيغ بلغة الجمع كان حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وما من جدل احتدم بشأن مفردات هذه المنظومة مثلما احتدم بشأن هذا الحق ، فمن قائل بانه مبدأ سياسي خال من أي معيار قانوني ، وما قائل انه مبدأ عام خارج اطار القانون ، ومن قائل انه مبدأ اقتصادي بحت ... وهكذا ، واذا كان الجدل المحتدم قد انتهى به المطاف الى اقرار قانونية هذا المبدأ فان الذي تأكد ان الحقوق انما تعطى للافراد بوصفهم اناسا وليس شعوبا ، وعندما نقرأ كتب حقوق الانسان لفقهاء القانون الدولي والقرارات الصادرة من المحاكم الدولية والاقليمية نقتنع تمتم القناعة اننا امام منظومة الفرد وليس الشعب او الشعوب .
    ان هذا الربيع الذي اريد له ان يكون ربيعا لابد ان يكون ربيع الانسان ، الانسان العربي الذي لم يذق ربيعا طيلة سني عمره المديد ، بل امضاها خارج دائرة الزمن ولم ينعم حتى بخريف او اطلالة فصل اخضر ، وان محاولة سوق الامر على انه ربيع للشعوب هو افراغ للربيع من محتواه ، لان الشعوب لا تنعم بالربيع الا اذا نعم به الانسان اولا واستنشق عبقه الاخاذ وسرى بدمه من غير رجعة لزمن الافول ، اما الشعوب فانها استوقفت التاريخ ، لان الانسان مادتها الاولى وجوهرها المكين قد سحق وظل دربه ينشد فيها ربيعا لم تسعفه فيه .
    ففي دول القارة التي يسمونها العجوز تقسم الدول الى فئتين ، دولا تعطي الفرد كل شيء وهي الدول الاسكندنافية ، ولذلك فهي تسمى الدول الاكثر تقدما ، ورفضت وما بغت مرارا الانضمام للاتحاد الاوربي على اساس ان الانسان فيها ينعم بحقوق وحريات تفوق ما يروم الاتحاد منحها ، وفئة ثانية هي الدول التي يحظى فيها الانسان بحقوق اقل وتأتي المانيا في مقدمتها .
    ولا نسمع ن الشعوب التي ليس لها حقوق كاملة وليس لها حقوق اقل ، لان الحقوق مردها الانسان وفيصلها الانسان ومعيارها الانسان ، واستنادا لما للانسان من حقوق تقرر ديمقراطية ورقي وتفوق الدول والشعوب وليس العكس .
   فان محاولة تسويق ما حدث في الدول العربية كحدث ونتيجة على انه ربيع شعوب هي محاولة تسويف للحقوقة التي تقول انه ربيع الانسان العربي ، الانسان وحده الذي سحقته الهتافات والاكاذيب والشعارات وجبروت الحكام والطغاة والمتسلطين ، واستلت منه حقوقه الواحد تلو الاخر حتى انتهى به المطاف خالي الوفاض ، فحاول ان يسترجعها جملة واحدة بعدما تأكد افلاسه ، وثورة المفلس ناجحة لا تقبل الخذلان .

Share |