الحبر والدم ووحدة الهدف الاسوء/ المحامي عبدالاله عبدالرزاق الزركاني

Sat, 28 Dec 2013 الساعة : 19:47

الحبر بمفهومه العام الاعلام والدم الارهاب وفي اطار مقالنا نرى ان الإعلام البعد والرقيب الهام والمؤثرا في استقرار الرأي العام وطريقة تعامله مع الحدث وصياغة المواقف من خلال الأخبار والمعلومات التي يتزود بها ومن وسائل الإعلام المختلفة الخاصه به وما يحيط بوقائع الحدث ذاته . اذ لا يستطيع تكوين موقف معين او تبني فكرة معينة الا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها ليؤكد قدرته وبكافة الصور وألاشكال البنائه على أحداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير وتكوين الراي الوطني ونشر المعلومات والقضايا المختلفة . لكي تصبحت وسائل الإعلام جزءا أساسيا من حياة الشعوب والمجتمعات بفعل استجابتها ومواكبتها للتطورات والمستجدات الحاصلة في شتى المجالات اليوميه للمواطن قدرت الاعلام الوصول إلى المواطنين ومخاطبتهم والتأثير المباشر بهم وهذا يتطلب ضرورة مراعاة ظروف المجتمع وبيئته الثقافية والقيمة والفكرية بشكل يضمن احترام هوية المجتمع وخصوصيته. دون ان يعني ذلك تجاهل الآخر اذ لا بد من التواصل والتفاعل معه والاستفادة بما لديه من علوم ومعارف بعد ان أصبح العالم بفضل الثورة العلمية والتقنية والاتصالاتية أشبه ما يكون بقرية صغيرة تتداخل فيها المصالح والاعتبارات بين دول العالم وشعوبه.
لان الاعلام كما هو معروف لغة عصرية وحضارية لا يمكن الاستغناء عنه او تجاهله الامر الذي يتطلب الفهم والاستيعاب من خلال امتلاك مقومات وعناصر وطرق مواكبة التطورات التي تشهدها وسائل الاعلام المختلفة وان تعددت أدوات ووسائل الإعلام وتنوعت كونها ألاكثر قدرة على الاستجابة لمعطيات الظروف والتحديات التي يفرضها الواقع الإعلامي الذي بات مفتوحا على كل الاحتمالات في ظل ما تشهده أدواته ووسائله المختلفة من تطورات وابتكارات نوعية . وإذا كان من حق الرأي العام ان يعرف الحقيقة ويتابع ما يجري من أحداث على الساحة المحلية والإقليمية والدولية ، فان التعاطي مع هذه الأحداث ونشرها ومتابعة ما يجري منها ، يجب ان يتم وفقا لضوابط مهنية ومعايير أخلاقية وإنسانية وموضوعية تراعي ظروف المجتمع ومزاج الرأي العام ، وهذا يعني ضرورة التوازن بين حق المواطنين بالمعرفة وبين مرجعيتهم الثقافية والأخلاقية والدينية على اعتبار أن المعايير الفاصلة بين إعلام وآخر هي في النهاية معايير مهنية وأخلاقية ، تجسد آطرا مرجعية يمكن الاستناد اليها في التمييز بين السلوك الايجابي والسلوك السلبي والتفريق ما بين ظواهر سلوكية مقبولة وآخرى مرفوضة .
ان اهمية الاعلام لا تكمن في اقتنائه ومجاراة الآخرين في استخدامه وتوجيهه ، وانما في كيفية استقلاله المهني وتوظيفه بشكل هادف وعلى نحو يجعله قادرا على التعبير الموضوعي عند تناول القضايا المختلفة ، بحيث نضمن وسائل اعلام باطار مرجعيه كفيل بتوفير تغطية منهجية تتطابق مع قواعد علم الاعلام ونظرياته بعيدا عن العفوية والارتجال . وربما هذا ما تفتقد له الكثير من وسائل الاعلام في وقتنا الراهن مع كل آسف ، بعد ان رهنت سياساتها وتطلعاتها بالتعايش مع متطلبات السوق الاعلامي بما يضمن لها ترويج سلعتها الاعلامية في اكبر عدد ممكن من الاسواق لضمان وصولها بالتالي الى اكبر عدد ممكن من جمهور المتابعين . وهذا هو الشيء الذي ربما اعطى المجال لحدوث ممارسات اعلامية خاطئة وضبابية افرزت حالة من التيه والارباك اثارت الشكوك حول حقيقة دور وسائل الاعلام في الحياة العامة . الامر الذي وفر اجواء عامة بررت الوقوف عند الكثير من المحطات الخلافية والاشكاليات التي فرضت نفسها على ساحة الاحداث المحلية والخارجية ، ومنها بطبيعة الحال الموضوع الذي نتناول فيه العلاقة بين الاعلام وبين الارهاب وهي علاقة اشكالية معقده تحتاج الى استخلاص الدروس والنتائج حيث يحاول كل منهما السعي وراء الآخر . وخاصة عندما يجند الاعلام من قبل قادة الارهاب لارتكاب جرائم دمويه وتدمير الممتلكات العامه والخاصه وهناك تتجسد العلاقة بينهما اشبه ما تكون بعلاقة بين طرفين ، احدهما يصنع الحدث والاخر يقوم بتسويقه . وعليه لابد من جهد استخباري لمعرفة كيفية انتشار ظاهرة الارهاب على آمل الرصد ومحاصرتها والقضاء عليهما . وربما يسال اصحاب الاختصاص هل يمكن ان يعيش الارهاب بدون اعلام ..؟ هل تغذي التغطية الاعلامية الاعمال الارهابية وتشجع بالتالي الاشخاص الذين يقفون وراءها على ارتكاب المزيد من هذه الاعمال الاجرامية ..؟ هل يساعد الاعلام على نشر الثقافة الارهابية ، ومن ثم الاسهام في زيادة معدل ظواهر العنف والارهاب ..؟ .نعم وبك تاكيد.
وعليه يجب ان تحضى ظاهرة الارهاب باهتمام الشعوب والحكومات في شتى انحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على آمن الدول واستقرارها ، بعد ان اتضح اننا امام ظاهرة اجرامية منظمة تهدف الى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الافراد والممتلكات باعتبارها من الظواهرة الخطيرة التي تهدف الى زعزعة استقرار المجتمع والتأثير في اوضاع الدوله السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية عن طريق قتل الابرياء وخلق حالة من الفوضى العامة وبساهم الاعلام المنحرف بتضخيم الاعمال الارهابية وآثارها التدميرية في المجتمع بما يتناسب مع القاسم المشترك الذي امكن التوافق عليه بين الارهاب وطرقه المختلفة وذلك باستخدام الاساليب غير المشروع للعنف الذي يهدف الى الترويع العام وتحقيق اهداف سياسية . باعتبار ظاهرة الارهاب عنف منظم موجه نحو المجتمع وباقذر ادوات العنف بهدف احداث حالة من الفوضى وتهديد استقرار الوطن والمواطن والمؤسسات العامه والخاصه من اجل السيطرة لصالح القائم بعمل العنف .. وذلك باعتماد الارهاب المفرط على العنف المتعمد وعدم التمييز بين المدنيين وغير المدنيين كاهداف شرعية من اجل تحقيق اغراض سياسية اجراميه .
وخلق اجواء الفوضى والترويع ، واتاحة المجال امام انتشار الشائعات المغرضة ، التي تثير خوف الرأي العام وتؤلبه ضد السلطات المحلية بحجة عجزها عن حماية آمنه ويعمد الارهابيون الى التسلح بوسائل الاعلام المختلفة لتسويق اغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الاجهزة الآمنية واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر اخبار العمليات الارهابية التي يقومون بتنفيذها على اعتبار ان الحملات الاعلامية التي تغطي هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال اهداف الارهابيين ، الذين يرون في التغطية الاعلامية لجرائمهم معيارا هاما لقياس مدى نجاح فعلهم الارهابي ، لدرجة ان البعض اعتبر العمل الارهابي الذي لا ترافقه تغطية اعلامية عملا فاشلا . من هنا يأتي استغلال الارهاب للاعلام لترويج فكره الارهابي ودعمه من خلال محاولاته المستمرة في البحث عن الدعاية الاعلامية لتسليط الضوء على وجوده واغراضه . فبحسب باحثين نفسيين .. فان الارهابيين قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقا انها لن تترافق مع الدعاية الاعلامية ،التي من شأنها كشف حجم الخسائر التي الحقوها بالمواطنين باعتبار ان الحرب النفسية تعمل عملها فقط في حال ابدى البعض اهتماما بالامر . فقد وصفت مارجريت تاتشر رئيس الوزراء البريطانية السابقة هذه الدعاية ( المجانية ) بالاكسجين اللازم للارهاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه لان تغطية الحدث الارهابي اعلاميا يحقق مكاسب تكتيكية واستراتيجية للقائمين عليه ..
ان وسائل الاعلام تقوم احيانا ، وبدون قصد ، بالترويج لغايات الارهاب واعطائه اهميه اعلامية لا يستحقها في ظل الاهداف التي يراد تحقيقها من وراء العمل الاعلامي او العمل الارهابي بما هي شهرة وسلطة ومال وتأثير فكري . فقد الدم والحبر ! لعبة المصلحة المشتركة بين الارهابيين والاعلام ان الطرفين الاعلام والارهابيين يستفيدان من الاعمال الارهابية . فالارهابيون يحصلون على دعاية مجانية لاعمالهم ، والاعلام يستفيد ماليا لان التقارير التي تنشر في هذا المجال تزيد من عدد قراء الجريدة وعدد مشاهدي التلفزيون ، وبالتالي تزداد مبيعات الجريدة وقيمة الدعاية المنشورة عليها وزيادة قيمة الدعاية التي يبثها التلفزيون . ما دفع ديفيد برودر المراسل الصحفي في الواشنطن بوست الى المطالبة بحرمان الارهابي من حرية الوصول الى منافذ الوسائل الاعلامية ،لان تغطية العمليات الارهابية اعلاميا ، واجراء مقابلات اعلامية مع الارهابيين تعتبر جائزة او مكافأة لهم على افعالهم الاجرامية، اذ تتيح لهم المجال ان يخاطبوا الجمهور ويتحدثوا اليه عن الاسباب والدوافع التي دفعتهم لهذا الفعل ، ما يتسبب ربما بانشاء نوع من التفهم لهذه الاسباب ، وذلك على حساب الفعل الاجرامي نفسه . فقد ذكر الكثير من الاشخاص المنخرطين في العمل الارهابي الذين القي القبض عليهم في العراق ، انهم تأثروا بما كانت تعرضه القنوات الفضائيه . ان عرض المناظر والمشاهد المأساوية وتصويرالاضرار بشكل متكرر ومبالغ فيه ، اضافة الى بث وجهات نظر الارهابيين التي يقصد منها اثارة الخوف ، تشكل خطورة وتنطوي على ردود فعل سلبية من شأنها خدمة العمل الارهابي ، خاصة في ظل تنافس وسائل الاعلام المختلفة على النقل الفوري للاحداث المتعلقة بالارهاب من اجل تحقيق سبق صحفي لاستقطاب اعداد متزايدة من جمهور القراء والمشاهدين ، والذي قد يكون على حساب القيم الاخلاقية والانسانية التي ترفض المساعدة في نشر العنف والتطرف .والاستفاده من من ثورة الاتصالات المتقدمة في تنفيذ عملياتها واجندتها ومخططاتها الاجرامية ، اضافة الى حضورها الفاعل على الانترنت وغيره من وسائط المعلوماتية للترويج لافكارها الهدامة وتجنيد الشباب في صفوفها. الامر الذي يؤكد بان الاعلام اصبح يمثل سلاحا خطيرا في يد الارهابيين الذين بات بمقدورهم توجيه رسائل لها تأثير سلبي مباشر على الافراد والمجتمعات . . كما يؤدي تضارب المعلومات الاعلامية عن العمليات الارهابية الى بث البلبلة احيانا الى وجود من (يتعاطف مع الارهابي ) وربما يلعب الاعلام دورا في نقل التعليمات الارهابية الى الخلايا النائمة او النشطة او اقامة اتصالات جديدة مع جماعات حليفة .
ان عدم التخصص وضعف الخلفية المعرفية للقائمين على التغطية الاعلامية التي تتعامل مع ظاهرة العنف والارهاب اثر سلبا في ايجاد الحلول المناسبة لها ، وحولها الى مجرد تغطية سطحية واحيانا تحريضية واتهامية تنطوي على اتهامات واحكام مسبقة وربما مبيتة ، جعلها عاجزة عن فهم خطاب الجماعات المتطرفة الاعلامي ومنظوماتها ومرجعياتها الفكرية والتنظيمية . وفي حالات كثيرة تميل المعالجة الاعلامية لظاهرة الارهاب اما الى التهوين واما الى التهويل ما يؤثر في صدقية هذه التغطية ويحد من قدرتها على التأثير بسبب طغيان البعد الدعائي على البعد الاعلامي الموضوعي وشكرا . 

Share |