نعيم الشطري بصحبة (الزائر الأخير) ؟!/عكاب سالم الطاهر
Fri, 27 Dec 2013 الساعة : 19:52

من عادتي في الكتابة ، أن أكتب العنوان أولاً : للعمود الذي أكتبه ، أو المقال ، أو للكتاب الذي أنوي تأليفه . وأتوقع أن كتاباً كثيرين يتبعون هذه الطريقة في الكتابة . دون أن أنفي أن العديد من الكتاب لا يتبعون طريقةً كهذه .
وحين عزمتُ على الكتابة عن المكتبي الراحل نعيم الشطري ، كان العنوان الذي تبلور لدي هو (بطاقة ملونة إسمها : مكتبة الشطري) . لكني تجنَّبتُ هذا العنوان . والسبب هو الآتي : كنتُ أتصفحُ بعضَ المصادر بحثاً عن معلومات مُضافة . ووقع في يدي الجزء الرابع من موسوعة (هؤلاء في مرايا هؤلاء) للصحفي مؤيد عبد القادر . وفيه قرأتُ مقالاً للأديب المكتبي عبد المطلب الأعرجي ، وكان بعنوان : (ظاهرة حضارية .. إسمها الكتبي نعيم الشطري!) . ومن الواضح أن هناك تشابهاً في المفردات ، تقود إلى تقارب في المضمون . لذلك كتبتُ عمودي هذا بالعنوان أعلاه .
عام 1939 ، وفي مدينة الشطرة ، وُلد نعيم بن مهدي بن صالح الشطري ، من عشيرة (عبودة) العربية الأصلية ، على ما يذكر الأديب الاعرجي . إفتتح مكتبة (النور) في الشطرة ، ثم إنتقل عام 1963 ، إلى بغداد ليمارس العمل ذاته في شارع المتنبي . وعام 1971 ، إفتتح مكتبته الحالية (مكتبة نعيم الشطري) الخاصة ببيع الكتب مع مزادعلني . وهي عملية سبقه لها المكتبي قاسم الرجب (مؤسسة مكتبة المثنى) ، واحمد كاظمية وعبد الحميد زاهد . وعزم الشطري على جمع الكتب الخاصة بمدينة بغداد (ماضيها وحاضرها) ، وقطع شوطاً بذلك . ومطلع سبعينات القرن الماضي تعرفت على الكتبي ، وعاشق الكتب ، القادم من ارض اكد ، نعيم الشطري (أبو ربيع) وتوثقت علاقتي به في الثمانينـــات (1-2)
والتسعينات من القرن الماضي . وكلما إقتربتُ منه ، تعززتْ القناعة لدي بانه انسان ودود محمل بالطيبة وبالاصرار على مساعدة الآخرين في مجال الكتاب .
ويبقى (مزاد بيع الكتب) ظاهرة ملفتة للنظر وكتبت عنه تحت عنوان : المؤلف والقارئ . فصباح كل جمعة يهدر صوت نعيم الشطري بابيات قصائد مختارة ، مثل : خير جليس في الزمان كتاب . وفجأة ينعطف نحو ابيات من قصيدة للشاعر معروف الرصافي ، مطلعها : لقيتُها ليتني ما كنتُ ألقاها . وقتها لاحظتُ دموعاً إنحدرتْ على لحية الرجل الذي اتعبتْةُ (مهنة بيع الكتاب) .
وزرتُه ، صباح يوم جمعة ، مطلع هذا العام ، كان جالساً على كرسي أمام مكتبته . كان شاحب الوجه ، متعباً . إلتقطتُ معه صورة تذكارية . هل كنتُ في حلم أم يقظة ، حين سمعتُ حواراً ساخناً ، لكنة غير متكافئ بين نعيم الشطري ، و(الزائر الأخير) ؟ الشطري ، هكذا أظن ، يرجو تأجيل موعد (الرحيل النهائي) ، و(الزائر الأخير) في عجلة من أمره . وقراره لا يؤجل ولا يُستأنف ولا يقبل التمييز .
وكما فعل مع من سبقوه ، إستَلَّ (الزائرُ الأخيرُ) نعيمَ الشطري من بين أكداس الكتب ، وبدأوا سوية : الرحيلَ النهائي .
وداعاً : أبا ربيع ...
ملاحظة: (الزائر الاخير) تسمية اطلقها الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد والمقصود بها ملك الموت.