فنّ آلكتابةُ و آلخطابَةُ – ألجزء ألثّاني ح9/عزيز الخزرجي
Wed, 25 Dec 2013 الساعة : 16:24

طرق إنماء ألصّفات ألحميدة:
هاء: لا تيأس أبداً و أدِمِ ألأعمال؛
كمْ من آلشّباب و آلأرواح تذهب طاقاتهم سُدىً و تنتهي بسبب فُقدان آلأرادة و "آلأمل"!؟
و عكسها "آليأس" ألّذي إنْ أصيب به آلأنسان, فأنّهُ يشلّ قواهُ و لا يعدّ يعتني بوجوده .. بل بكلّ شيئ , لعدمِ عنايته و معرفته بأهميّة آلحفاظ و آلأستمرار على آلأعمال و إستدامتها, فآلأرادة عندما تهتزّ و تضعف و يحلّ محلّها آليأس – كما بيّنا سابقاً – يتقلّبُ عندها آلشّخص ذات آليمين و ذات آلشّمال ليتشتّتَ قواهُ آلنّفسيّة و يتعرّض وجوده للأنهيار, تارةً بهذا آلأتجاه و مع هذا آلطرف و تارةً بآلأتّجاه ألمُعاكس مع آلطرف آلآخر, مُتململاً بين هذا و ذاك لنيل أهداف آنية غير هامّة أو إستراتيجيّة, لفقدانه حريّة ألأختيار و سيطرة آليأس عليه تماماً, و هذا كلّه يرتبط بمسألة آلأيمان بآلغيب و مدى فهم الأنسان لفلسفة الحياة, و قد نبهنا القرآن ألكريم على ذلك بقوله تعالى:
[... إنّهُ لا ييأس من روح الله إلّا القوم ألكافرين](1).
ألعجول ألّذي يسعى للوصول بسرعةٍ لأهدافٍ و أعمالٍ كبيرة عبر آلمُجازفات؛ مُصابٌ بعقدة ألحقارة و آلشّعور بآلنّقص بسبب ألتّربية و آلتّعليم ألخاطئ, حيث أن محاولاتهِ تتعرّض لموانع كبيرة لم يحسب لها بدقّة للتغطية على عقدهِ عبر نجاحات إستثنائيّة! حيث أنّ طلب ألجّاه و آلمقام عبر آلقفزات ألنّوعيّة ألكبيرة تتحدّى آلطبيعة و آلأصول و ربّما تتجاوز قوانين ألنّظام آلحاكم – بغض آلنّظر عن شرعيّته - و إمكانيات ألواقع للتغطية على تلكَ آلعُقد و آلشّعور بآلنّقص, لتؤدّي بصاحب في آلنّهاية إلى آليأس و آلقنوط و آلفشل.
و في كلتا آلحالتين .. نرى مصداق واضح لحالة ألتّفريط و آلأفراط, فآلأوّل آلذي إستسلم للأقدار أصيب بآلتفريط و ترك آلسعي و العمل من آلأساس, و آلثاني بـ "آلأفراط" , حين يحاول تجاوز الواقع و المعطيات و القوانين و آلنتيجة واحدة, و لا ننسى بأن أصحاب المجازفات يمتازون بذكاء خارق أحياناً يمتازون عن النوع الأول آلفاقد للنبوغ, و يبقى ألأعتدال و آلوسطيّة هو آلحلّ آلأمثل و آلطبيعيّ لتحقيق آلأهداف بعيداً عن آلأفراط و آلتفريط, و كا قيل (خير الأمور أوسطها)!
ألأنسان ألواقعيّ ألّذي يحمل همّاً كبيراً؛ يتّصف بآلثّبات و بنظرةٍ موزونةٍ و بِبُعد نّظر .. تعطيه آلحصانة و آلمقدرة لمعرفة أهمّيةً ألزّمن و آلآليات و آلبرامج و قوانين الحياة و غيرها من آلأعتبارات لتحقيق الأهداف, مثل هذا آلأنسان لا يعرف ألتّعبَ و آلأستسلام و آلفشل, و لو صادفتهُ بعض ألمصاعب أو ظروف قاسية حاولت دون تحقيق أهدافه, فأنّهُ لنْ يتوقّفَ و لن يستسلمَ, بلْ يُعاود سعيهُ و جُهده و يُضاعف عملهُ و يستديم آلياتهُ و خططهُ بصبرٍ و ثقةٍ للموائمة مع آلظروف الطارئة لتحقيق هدفه.
ألخسارة و آلفشل لا تعني لهُ شيئاً, و عندما يُريد آلبدء بعملٍ جديدٍ؛ فأنّهُ يستحضر كلّ تجاربه و إمكاناته و يجتهد كثيراً لمعرفة ألمزيد عن ألعمل و وضع آلأحتمالات ألمُعقدة القويّة و آلضّعيفة, و دراسة كلّ أبعاد ألقضية, ليستعدّ من كلّ الجهات للبدء من جديد, هذا الوضع يصدق و يتطابق مع آلذين بنوا أنفسهم و شخصياتهم منذ آلطفولة, و تمرّسوا في آلحياة و تعرّضوا مراراً إلى آلصّعوبات و آلضّربات ألموجعة, لكنّهم لم يستسلموا و لم يستكينوا و لم يتقوقعوا على أنفسهم, بل صمدوا و بدؤا بمشاريع جديدة و حياة جديدة بكل تفاؤل و إيجابيّة.
ألصّبر و آلمُواظبة و آلأستقامة صفة ألمُميّزين من آلنّاس .. و لها أهميّة خاصّة, و مصاديقها نراها عند آلرّياضيين ألّذين ينتمون إلى آلنّوادي لأجراء برامج و تمارين معينة, و آلأستمرار لمدة مُعيّنة, و بسبب عدم وجود حسّ ألمواظبة و همّ ألصّمود عند آلبعض منهم نراهم يتركون آلتّمارين و آلنّادي و ينصرفون إلى أعمالهم, و كذا حال آلّذين يتركون إكمال دراساتهم آلعلميّة بعد قبولهم في آلجّامعات للأنصراف إلى مزاولة أعمالٍ و حرفٍ أخرى!
فمعَ تقوية ألأرادة و آلأستعداد بجانب ألأستدامة؛ يتقوّى آلأنسان و تُضاف إلى قوّتهِ .. قوّةٌ إضافيّةٌ, بلْ نُؤكّدُ على أنّ مسألة ألصّبر و ألمُواظبة و آلأصرار لا تعني أللجاجة و آلتّصلّب و آلتّعنتْ ألأعمى و آلأستمرار على آلخطأ, بلْ آلعكس تماماً, تعني ألنّظر ألواعي ألمُتجدّد و إجراء ألتعديلات أللازمة و آلتّصحيحات كلّما تطلّب آلأمر لذلك.
لنفرض أنّك إشتركتَ في دورةٍ لرياضة "ألجيمناستك" لترشيق جسمك, و بعد مدّةٍ من آلتّمارين و آلمحاولات, قال لك المُدرّب ألمُختصّ؛ إنّ هذه آلرّياضة لا تُناسب جسمكَ, فهُنا ستُواجه خيارين:
أمّأ أن تُصِرّ على آلتّمرين, أو تستسلم لرأي ألمُدرّب!؟
فلو أصرّيتَ بآلبقاء في آلدّورة فهذا تعنّتٌ و إصرارٌ و ضياعٌ للهدف و للعمر, و لا يُعتبر مواظبةٌ و إستمرارٌ لنيل آلهدف, بل يُعتبر ألأصرار أمامَ آلمُختصين بهذا آلعلم لجاجةً و خسارةً إضافيّةً لا تزيد صاحبها سوى تلف ألمزيد من آلوقت و آلجّهد و آلمال, و آلعلة تكمن في عدم وعينا و إحترامنا للعلم و الأختصاص و آلتجربة آلتي هي فوق آلعلم!
كذلك لو فرضنا أنّك تُريد أنْ تتعلّم لغةً أجنبيّة, فهنا عليك آلأستمرار و عدم ترك ألسّاحة حتّى مع بروز بعض ألعوائق و آلصُّعوبات و آلموانع آلجّانبيّة, و آلتي قد يتّخذها آلبعض أعذاراً واهية, من قبيل عدم وجود آلميل أو آلدّافع ألقلبيّ, أو ألأستعداد للأستمرار في آلدّرس و غيرها, فهنا لو كُنتَ مُصمّماً لنيل أهدافك؛ عليكَ أنْ تسأل نفسكَ: (إنْ كنتُ أمتلكُ آلعزيمة و آلأردة؛ فأنّ آلموفقيّة ستكون من نصيبي)!؟
بمعنى؛ ألمعرفة .. دائماً مطلوبة و في أيّ عملٍ أو مشروع .. من آلمهد إلى آللحد,لا توقف و لا إستراحة حتّى النّهاية .. بل لا نهاية للمعرفة, و تلك هي طبيعة آلحياة ألمُتجدّدة ألنّاجحة ألخالدة.
و بغير ذلك ستكون قد هدرتَ وقتكَ و أموالكَ و جهودك و ربّما حياتكَ!
و للأسف فأنّ آلكثيرين يُغيّرون و يتركون أعمالهم و يتحوّلون في كلّ مرّةٍ من حالٍ إلى حالٍ لقلة معرفتهم و إهتزار إرادتهم و فساد أوساطهم و آلتي سبّبتْ عدم ثباتهم أمامَ بعض ألصّعوبات ألّتي تُواجههم, ليُصابوا في آلنّهاية بإختلالاتٍ نفسيّةٍ قد تصل حدّ آلجنون, أو ما يُسمّى بعلم ألنّفس بـ (ألأزدواجية) أو (الدّبل بل) أو (ألسيسوفرينا), بل و يتعرّضون لأمراضٍ عقليّة مزمنة يصعب شفاؤها تُسبّب لهم آلهزيمة و آلأنكسار و آلفشل في كلّ مشروعٍ يقدمونَ عليه.
إنّ آلدّرس آلّذي نستفيدهُ من هذا آلعرض كبيرٌ و مهمٌّ أيضاً, خصوصاً للخطيب ألهادف ألّذي يُريد إيصال رسالته في وسطٍ أكثريتهُ لا تُريد و لا تُحبّ أن تسمع أو تعيّ أو تفهم حقيقة آلحياة و آلأنتاج و آلتّنمية و فلسفة ألوجود بسبب آلتربية و آلتعليم و ألتّخريب و آلفوضى و آلظلم و آلفساد آلّذي أحاطَ بهم و واجههم منذ طفولتهم, و يُمكننا تلخيصه – أيّ تلخيص هذا آلدّرس - بعبارةٍ واحدةٍ؛هي [ألمواظبة على طلب ألعلم و آلتّجديد و آلأمل دائماً و عدم ألسّماح لليأس بآلنّفوذ لوجودنا].
و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم.
عزيز ألخزرجيّ