من يدخل الجنة؟/ عاطف العزي

Sat, 21 Dec 2013 الساعة : 19:52

صباح يوم الثلاثاء 17/12/2013 شاهدت من على شاشة التلفزيون خبر تبرع شخص كندي اسمه (توم كريست) يسكن مدينة كالغارى فى مقاطعة ألبرتا الكندية تبرع بـ 40 مليون دولار مبلغ جائزة اليانصيب التى كسبها الى الجهات الخيرية وفى مقدمتها جمعية مكافحة السرطان. وظهر على شاشة التلفزيون ليشرح الأسباب التى دفعته الى ذلك قائلا ان زوجته التى عاشت معه 33 عاما قد توفيت قبل عامين بمرض السرطان بعد صراع 6 سنوات مع المرض الخبيث. وذكر انه كان يدير شركة لبيع المواد الكهربائية لمدة 44 عاما ، وكان يحصل على رواتب مجزية حتى تقاعد فى ايلول /سبتمبر الماضي، وان ما وفره طيلة فترة عمله من راتبه التقاعدي تكفيه ليعيش بقية عمره عيشة راضية، وانه لا يحتاج الى مبلغ الجائزة فإنّ هناك من يستحقه أكثر منه وقرر التبرع به للجهات الخيرية وفاء لذكرى زوجته ، وايده أولاده فى ذلك.

مَن مِن أغنيائنا العرب المسلمين تبرع للمنكوبين نتيجة الأعمال الارهابية التى نشاهدها اليوم فى العراق و سورية وغيرهما من البلدان العربية والاسلامية نتيجة لبطش الحكام الطغاة المقبورين منهم والأحياء وإرهاب المشايخ التكفيريين المقبورين منهم والأحياء؟ لا أحد. وكل ما نسمعه ونلمسه هو النهب والاختلاسات وتهريب الأموال الى الخارج الى (بلدان الكفر!!)، وهم يشاهدون بأم أعينهم جيوش اليتامى والأرامل والمعوقين فى الشوارع يشكون الجوع والعطش والمرض وقسوة الطبيعة عليهم ولا ضمير يؤنبهم على عدم مبالاتهم. يدفعون الأموال بطيبة خاطرلداعش وغيرها من المنظمات الارهابية ويعتبرون ذلك جهادا منهم فى سبيل الله، فينطلق الارهابيون الانتحاريون لتفجير أجسادهم النتنة فى الجوامع والمدارس والمستشفيات والأسواق وفى كل مكان يتجمع فيه الناس ليقتلوا أكبر عددا ممكن فيقتلون الشباب والشيوخ والرجال والنساء والأطفال، وهم يكبرون وكأنهم يقتلون أعداء الاسلام.
وللمرء أن يتساءل: من يدخل الجنة ؟ النصراني الذى يتبرع لمعالجة المرضى من كل الأديان ، أم المسلم الذى يتبرع لقتل الناس بدون تمييز؟

دأب المشايخ على إخافتنا من جهنم ، وأضافوا اليها عذاب القبر ، وتبعهم آباؤنا وأمهاتنا فى ذلك ، و أضافوا اليها التخويف بالاصابة بالعمى والشلل وفقد الأحباب وغيرها، وأصيب بعضنا جراء ذلك بأمراض نفسية مستعصية. صحيح أن القرآن الكريم توعّد العاصين بعذاب جهنم التى تطلب المزيد من العاصين (يوم نقول لجهنم هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد) ، ووعد المؤمنين بجنات تجرى من تحتها انهار من خمر وعسل مصفى، والحور العين والولدان المخلدين، ولكن ذلك كان لتخويف وإغراء البدو الجهلاء الذين عاشوا قبل أربعة عشر قرنا فى صحراء قاحلة تكاد تشتعل فى لهيب الصيف، وقد خشنت أخلاقهم وفسدت تربيتهم، يغزو ويسلب بعضهم بعضا ولولا الاسلام لكانوا أسوأ خلق الله طرا.

ويعرف كل مسلم ما لاقى رسول الله (ص) حين توفي عمه أبو طالب وخرج من مكة الى الطائف ماشيا على قدميه أكثر من مئة كيلو متر ليدعوا أهلها من قبيلتي هوازن وثقيف الى الاسلام بعد أن أنكر عليه أهله وعشيرته الدعوة ، فلاقى من أهل الطائف أسوأ مما لا قاه من أهل مكة ، فقد رموه بالحجارة ووضعوا الأشواك فى طريقه وانهالوا عليه بالسباب ، فوجد بستانا وأسرع يحتمى به وهو مثقل بالهموم والأحزان والجراح وأسند ظهره الى شجرة يستظل بها وانهمرت عبراته، ورفع يديه الى السماء وهو يدعو ربه وقال: "اللهم اليك اشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس. يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي.. إلا من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ام الى عدو ملكته أمرى.. ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالى، غير ان عافيتك هى أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك ، او ان ينزل بى سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة الا بك ".

وماذا فعل الرسول الكريم حينما نصره الله وفتح مكة؟ هل أمر بقتل أعدائه؟ هل أمر بقتل عدوه الأكبر (ابو سفيان) الذى حاربه منذ اليوم الأول للدعوة؟ كلا.. بل أمر خالد بن الوليد وجيشه أن يقولوا: "اليوم يوم المرحمة فيه تصان الحرمة" بدلا عما كانوا يقولون:"اليوم يوم الملحمة فيه تحل الحرمة". ويقولوا : "من دخل بيته وأغلق بابه عليه فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن" وذلك قبل أن يسلموا. وهذه وحدها تكفى ليعلم الناس عظم أخلاق نبيهم ومخرجهم من الظلمات الى النور، ولتتعلم الأجيال التالية الاخلاق الفاضلة والسياسة الحكيمة. فهل تعلمنا من ذلك شيئا؟ لا..ويا للأسف الشديد، فان حاضرنا يقول ان معظمنا لم يتعلم. فيقوم اليوم بعض مشايخنا من كافة المذاهب بدفعٍ من السياسيين الفاسدين بتحريض أتباعهم على خصومهم واتهامهم بالكفر والالحاد ، ويشجعون من بهم لوثة فى عقولهم على تفجير أنفسهم بين الناس ، كما أسلفنا ، ويعدوهم بتناول وجبة طعام مع الرسول فى الجنة ، بالاضافة الى اثنتين وسبعين حورية وأنهار من الخمر والعسل، فيندفعون كالمجانين لتنفيذ الأوامر وهم لا يدركون أن ما يفعلونه حراما ومن يعمل عملهم سيتلظى فى نيران الجحيم.

فقد أفتى بعض مشايخنا فى الاسبوع الماضي بان (نيلسون مانديلا) الأسود ، رئيس دولة جنوب افريقيا، نصراني كافر ومصيره جهنم ، وذلك بعد أن شاهدوا وسمعوا بتأبينه من قبل معظم رؤساء دول العالم . وهاجم المشايخ المسلمين الذين أبّنوه واعتبروا ذلك كفرا منهم!!!. وكما يعلم الجميع ان مانديلا كان قد سجن 27 عاما فى بلده وأصيب بالتدرن الرئوي (السل)، وبعد فترة قصيرة على خروجه من السجن انتخبه شعبه ليرأسهم ، فكان أول ما فعله هو العفو عن جميع من أساء اليه شخصيا ، وصالح بين السود الذين يشكلون غالبية شعبه والبيض الأقلية الذين هاجروا من اوروبا الى افريقية وساموا أهلها سوء العذاب لأكثر من أربعة قرون. وكان بامكانه ان ينتقم لنفسه ولقومه السود بأن يصدر أمرا باستئصالهم ولكنه لم يفعل ذلك ، بل بذل جهودا جبارة لحمايتهم ، فكان البيض من أعدائه اول المعزّين بوفاته. وحضر التأبين معظم رؤساء دول العالم ومن بينهم الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي وغيرهم ، واعتبروه فى مقدمة الرؤساء الأخيار الذين حكموا فى القرن العشرين وما بعده.

لم يجد مشايخنا تهمة يذمون بها الفقيد سوى كونه نصرانيا لم يسلم حتى وفاته ليدخلوه جهنم ، وتناسوا النجاشي ملك الحبشة النصراني الذى نعاه الرسول الكريم (ص) عند وفاته . فقد ذكر البخاري فى موت النجاشي ‏:‏ حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حين مات النجاشي:‏ ‏‏مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة".
وأصحمة ابن أبجرهو اسم النجاشي وهو الذى استقبل الصحابة المهاجرين الى الحبشة، وقال لهم رسول الله عنه (انه ملك لا يظلم عنده أحد). وعندما علمت قريش بذلك أرسلت عمر بن العاص بالهدايا مقابل أن يسلمهم المسلمين ، فرفض النجاشي وعاد بن العاص بخفي حنين. ويدعى بعض المشايخ بأن النجاشي قد أسلم ، وهو قول مردود إذ كيف يرتد عبيد الله بن جحش عن الاسلام ويتنصر وهو عند ملك مسلم؟ وكيف يسلم الملك وتبقى الديانة المسيحية والكنائس فى الحبشة حتى اليوم ، والناس على دين ملوكهم؟ إن لبعض المشايخ أطوارا غريبة حقا !!.

مرض شلل الأطفال يكاد ينقرض فى العالم عدا دول قليلة منها باكستان المسلمة. أرسلت منظمة الصحة الدولية موظفين صحيين لتلقيح الأطفال هناك، فرفضت حركة طالبان ذلك لأن اللقاح –كما قالت- مصنوع فى أمريكا والبلدان الكافرة، وقتلوا ثلاثة من الموظفين.
إن مشايخ الطالبان يتجاهلون ان جميع الأدوية والعلاجات ابتداءا من حبة الأسبرين الى جرعات أدوية معالجة السرطان هي من صنع الكفار. وحتى الأسلحة التى يقتلون الناس بها ووسائل النقل التى يستعملونها كلها من صنع الكفار، فلماذا لا يستغنون عنها؟ ألا يسافر مشايخنا كلهم الى بلدان الكفر للمعالجة من أمراضهم ؟ الم تعالجهم طبيبات وممرضات كافرات فهل غضوا الطرف عنهن؟

الآية 85 من سورة البقرة:
" ثم أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
الا تنطبق هذه الآية الكريمة على مشايخنا وسياسيينا الفاسدين؟

عاطف العزي 

Share |