الوهابية الديمقراطية .. استئناف مرحلة/حسين شلوشي
Sat, 21 Dec 2013 الساعة : 19:44

مقدمة
واحدة من كبرى المشاريع السياسية الغربية في العصر الحديث هي الحركة الوهابية التي ظهرت في القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة العربية ، استخدمت الاسلام مطية وغطاءاً وهي ليس منه في التأصيل لجذرها الفكري ولا المتبنيات أو السلوكيات اللاحقة ولعلّ أشدّ ما فيها خطراً على الاسلام هي نسف الرسالة الاسلامية من خلال نسف شخصية الرسول الأكرم ( ص ) لإطفاء آثارها وتأويل أثرها باستحسانات لشخصية محمد بن عبد الوهاب وتكريس هذه الشخصية والشروع بأثر جديد ( بدين جديد) يفصله هذا الوهاب على وفق مصالح سياسية .
تأسّست الوهابية بحلف سياسي تكافلي بين قبيلة آل سعود ومحمد عبدالوهاب في الدرعية بالحجاز ، وتقاسما السلطتين فيما بينهما ( الدينية والسياسية ) ، تحصل العائلة المالكة ( آل سعود ) على الغطاء الشرعي والدعم الفتوائي من هؤلاء وتوفر لهم الحمية والغطاء السياسي بالاضافة الى التمويل.
الهدم والبناء السياسي :
توجهت الوهابية الى التراث الاسلامي والشخصية الاسلامية بأشكالها المتنوعة ، الرسالية ( الأنبياء والأئمة والأولياء ) والفكرية ( علماء الكلام والفلسفة والعقل ) والتاريخية ( نماذج الشخصيات البطولية ) ، والمذاهب الفقهية ما خلا مذاهب أهل الشام التي ترعرعت في كنف وحضن الدولة الاموية المتأسّسة بعد معركة صفّين، هذه المعركة التي يعدّها كتّاب ومؤرّخو ومفكري الاسلام الحد الفاصل بين الدولة الدينية الاسلامية والدولة الدنيوية السياسية .
إلى جوار الهد للبناء الاسلامي أسّسوا الغطاء المناسب ( المقبول ) بتعريف أنفسهم أنّهم يمثلون السلف الصالح ، ثم حدّدوا السلف الصالح وعرّفوه على أّنّه يمثّل القرون الاسلامية الثلاثة الأولى ، مستثمرين الحديث النبوي الشريف ( خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه) .
إعتمدوا في تنظيرهم الحركي السلوكي على الشيخ بن تيمية الذي ألّف أكثر من 500 كتاباً تعنى بتفسيق علماء الكلام والفلاسفة العرب وفي علم الحديث والتفسير ، حتى قال عنه محمد عبدالوهاب ( لست أعلم أحداً يجاري إبن تيمية في علم الحديث والتفسير بعد الامام أحمد بن حنبل ) .
إن اعتماد محمد عبدالوهاب على ابن تيمية قد وضعه في اشكالية تعريف السلف الصالح الذي يجب الرجوع إليه وإلغاء الآخر لأنّ إبن تيمية من القرن السادس والسابع وليس من القرن الثالث وما قبله ، فكانت هناك الرواية التي تؤكد أنّ الشيخ كان يعتمد الامام احمد بن حنبل في منهجه الفكري والفقهي وبذلك هم ياخذون من السلف الصالح بالاستعاضة باعتبار أنّ إبن حنبل كان جيل القرن الثالث .
لكنّ هذا الاستناد لم يصمد أمام التفصيل في منهج ومتبنيات ابن تيمية الذي يطابق إبن حنبل في كل شي إلاّ في موضوع الطلاق وموضوع التوسل بالانبياء والأولياء وهذه الاخيرة هي حجر الزاوية في متبنيات وسلوكيات محمد عبدالوهاب عبر تاريخ الحركة الوهابية ونفذّوا غزواتهم وحروبهم في الطائف والمدينة ومكة وإلى كربلاء والنجف والشام وحتى باتجاه افريقيا على أساس هدم القبور وعدم التوسل بالأولياء وغيرهم لأنّه شرك مع الله تعالى .
تعرّضت الوهابية السعودية إلى انتقادات كثيرة وكبيرة من كافة طوائف المسلمين في منهجها وسلوكها بل ومن غير المسلمين أيضاً سواء العلمانيين أو الاسلاميين لأنهم أدركوا أنها تؤسّس إلى دكتاتورية ودعوات قتل لا مبرر لها وتتجاوز الانسانية .
أبرز واجبات هذه الحركة هي حماية العائلة المالكة وضمان استمرار الملك في هذه العائلة ، كانت فتاواهم مباشرة في رفض الآخر بالمطلق وليس رفض الديمقراطية إنّما كل الآخر الذي يتعارض معهم . كل ما يدعون إليه في دعم الملك يعتبر أمراً من الله ولا ترد وزاحموا الله في صلاحياته وألبسوها الملك ، فالملك أو الحاكم لا يعارَض وأي معارضة له تعد محرمة ، لا يسب ولا يجرّح به ، ومهما ارتكب هو حق ، وأيّا كانت صفته براً او فاجراً فهو واجب الطاعة ( مطلق) ، بمعنى نقل كل ما يقال على الله جلّ وعلا والباسه إلى الملك سيّما آل سعود وبالتالي قتل المعارضين واجب وجهاد ومن لم يقبل بهذا فهو كافر .
هكذا كانت هي الاداة الاقوى لحفظ النظام وبذات الوقت هي أداة الفتوى لأي تشريع يريده الحاكم لافتعال أزمة أو حل ظنك أو ارتكاب محرّم .
ترصين الاصطلاح اعلاميا :
وفق سياسة اعلامية أولى ذكية وفاعلة اعتمد الرمزية والمصطلح ، وأول الاستخدامات هو مصطلح السلف الصالح لجاذبيته ونقائه ، وليضعوا أنفسهم بالسياق التاريخي الصحيح ، ومنه ينسج ويكتب محمد عبدوالوهاب 19 كتابا في الاصول والفقه والحديث وأهمّها كتاب التوحيد ، بالاضافة إلى مؤلفات بن تيميه التي شكّلت الوعاء الثقافي والمنهج الدراسي ومادة النشر ، ومع توفر الاموال والحماية السياسية كبرت واتسعت هذه الحركة بشكل كبير جداً وصارت محل تجمع الموحدين . وأخذت تقنن وتؤصل اصطلاحاتها ومن ثم تعويمها في الشارع الاسلامي العام ، فقد نعتت نفسها ب
( الفرقة الناجية ) وكذلك الفرقة المنصورة ، عالجت ( ممكنها الاعلامي ) بسقفين متباعدين جداً ، الأول أنها لا توافق على حركات العقل التي ظهرت في صدر الاسلام من معتزلة أو إمامية أو أشاعرة وغيرها وتعدها فسقا وتقتل الذي يخالف الرأي والآخر أنها سلمية مسالمة مستسلمه للحاكم ولا تطمح أو تطمع بالمشاركة السياسية ، وفي كلا السقفين لا يوجد مكاناً للديمقراطية بالمطلق حتى في حدود الدين الواحد
الاستخدام الفتوائي:
أخذت الوهابية السعودية دورها الفتوائي المساند لحكم الملك السعودي في مواجهة خصومها وفي المناورات السياسية ، ومن هذه المناورات تعدد الفصائل وتخصصاتها المختلفة التي طغى عليها الجانب العنفي ( الجهادي ) وذلك لبروز حاجة السياسة السعودية لفصائل مقاومة .
بشكل عام تنقسم خطوطها إلى ثلاث أو أربع خطوط ، ( تقليدية ، جهادية ، دعوتية ، سياسية ) . لم يكن مشهوراً عند الوهابية عملها السياسي حتى نهاية القرن العشرين ، لأنها أساساً تحرّم وتجرّم الأحزاب وتعد الحاكمية بغير الشريعة الاسلامية حراماً و هذا الموقف جزء من تسييس الحركة وأغراضها وذلك لأنّ الأساس في وجودها أنّها لا تحكم ، وكذلك هي تحرم المعارضة .
في تمدد وتعدد الحركة إلى آسيا وأفريقيا والمغرب وأوروبا وأميركا بدأت تمارس أدواراً كأنّها سياسية من قبيل الاعتراض والتساؤل أو تنظيراً وبدأت من مصر في ستينات القرن الماضي ، ويعتقد أن هذا التجذير للدور والحراك السياسي ليس واقعياً لأنه لا أثر له على الارض وكانت الهيمنه للاخوان المسلمين المتقاطعين مع هؤلاء.
وهؤلاء الاخوان ومنذ خمسينات القرن الماضي حّددوا مساراتهم المختلفة عن الدولة أو الحكومة الاسلامية لأنّها قبلت المشاركة مع أحزاب قومية ويسارية وقبلت الحكم معهم، وهذا يعني تخلت عن الدعوة إلى دولة إسلامية واستبدلته إلى العمل السياسي الممكن الذي يمكنهم رويداً لنشر دعوتهم وتقديم نموذج مقنع ينتشر .
بعد المتغيرات العربية :
مع التحولات التي جرت في البلدان العربية والمتغيرات بالمنطقة الاسلامية ظهرت أحزاب من ركام السلفية مثل حزب النور في مصر والكويت والبحرين وفي ليبيا والباكستان ، وهؤلاء يشاركون في الانتخابات ويحصلون على مقاعد برلمانية ، وفي مصر حصلوا على ( 23 ) ثلاثة وعشرون مقعداً من خلال العملية الانتخابية الديمقراطية وهؤلاء لم ينكروا يوماً متبنيات الفكر الوهابي في تحريم المعارضة ، طاعة الحاكم أو الحكومة المطلقة لهم ، وقد كشفت حادثة عزل الرئيس المصري محمد مرسي بأنّهم يقبلون الديمقراطية التي توصلهم للحكم ولا يقبلون الديمقراطية التي تنزلهم منه ، أي الاستفادة الجزئية من الديمقراطية لايصال مجموعة معينة إلى الحكم وعدم إعتقادها .
القراءات الحالية للمتابعين أنّ هذا الفكر العنيف المكفر للآخر والقاتل هو في طوره إلى الانكفاء والانتهاء التام بأقل من عقد لانه أصبح مرفوضاً حتى من أوعيته الحاضنه ، إلاّ أنّ خدمات هذا التيار ( الوهابية ) مازالت مهمّة وفاعلة للمشاريع الاميركية والاسرائيلية وهم بحاجة إليها في فت عضد أي تجمع إسلامي أو قومي أو يساري أو عنوان ثوري ، وعلى أقل تقدير لحين نضوب الطاقة في هذه المنطقة ، وبذلك فإن مشروع ( الوهابية الديمقراطية ) والمعبر عنه ( السلفية ) هي تسويق آخر للغرب بهذه الأداة وأصدقائهم من النظام السعودي .
إن كان من الوهم جداً والاشتباه الكبير قبول فكرة السلفية الديمقراطية ، وأصل هذا الاشتباه ليس فقط سلوكية هذا التيار ومتنياته إنّما حتى في جذر المشروع الوهابي وغطائه وهو ( الاسلام ) ، لانّ موضوع ( الاسلام الديمقراطي ) ورغم كل ما كتب عنه وفيه لم يصل إلى نتيجة واضحة في أنّ الاسلام ديمقراطي أم لا .
وتصنف نماذج الحكومات الاسلامية من خلال الواقع السياسي للدول الاسلامية المختلفة في ثلاث نماذج للحكم ، تمثّلت بالنموذج الأول وهو الاستبدادي الدكاتوري ، خوّلت نفسها صلاحيات الله في الارض ، ليس لها أدنى قبول في الديمقراطية أو الاعتراف بالآخر من أي جهة دينية كانت أو سياسية ولا تقبل حتى الكثير من المسلمين الذين لا يقبلون بدين محمد عبدالوهاب ، ونموذجها للحكم هو طالبان أفغانستان والحكم السعودي ، وتشبهه أخرى وليس مثله دولة قطر .
والنموذج الثاني يقبل الديمقراطية العصرية بحدود التشريع ( الفقه ) الاسلامي ، أي أنّ الممكن فيها هو ( الحدود الاسلامية ) وتعترف بالآخر من ذات الدين الاسلامي وغيره من الاديان الاخرى وتضع حقوقه وفق الشريعة الاسلامية ، ونموذج الحكم لهذه الفئة هو الجمهورية الاسلامية الايرانية .
والنموذج الثالث هو قبول الديمقراطية العلمانية الحديثة بكافة التزاماتها ومنفتحة على كل السلوكيات المدنية داخل الدولة بضمنها المحرمات في الشريعة الاسلامية ما خلا حدود كبرى خارج الدين والتقليد من قبيل الزواج المثلي ، أي أنّ هذا النموذج لا يتقيد الحدود الاسلامية ويجعلها قيداً على السلوك الاجتماعي ، بذات الوقت تقبل الدين الاسلامي وسلوكياته وطقوسه وتعترف بها حقوقا شرعية محفوظة وأنّ تصنيف الدولة طبقا لسكانها بأنها دولة اسلامية وحقوق المسلمين والاسلام محفوظة دستورياً ، ونموذج الحكم لهذا النوع هو حزب العدالة والتنمية في تركيا .
وفي ظل المتغيرات في الدول العربية ووصول الاخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس وليبيا فإنّ نموذج الحكم ( الاسلامي ) المرشح لهذه الدول التي كانت تحكم بانظمة علمانية هو النموذج الثالث ( تركيا العدلة والتنمية ) ، إلا أنّ التدافع السياسي للأحزاب القومية واليسارية والليبرالية وتخوفها من المسمى الاسلامي لهؤلاء الاخوان المسلمين جعلهم يحشرونهم في النموذج الاول ( بوعي جمعي ) دون التفصيل في نماذج الاسلاميين ، بذات الوقت فان جماعة النموذج الاول ( طالبان ) رفضوا نموذج الاخوان لأنه لا يقر الشريعة حكماً بحسب زعمهم إنما انحدر إلى العلمانية والليبرالية وهو لا يمثل الاسلاميين سيما في مصر ، وبدأت منهم جماعات تتجه إلى الاجتزاء في الديمقراطية وهم بذلك كأنهم يذهبون إلى النموذج الثاني ( الايراني ) لرص جمهورهم معهم ، إلا أنّهم مازالوا يحتفظون بكامل إرث النموذج الأول
( طالبان الوهابي) ومتبنياته ومنه رفض الآخر ومواجهته علناً وتكفيره ولا يعلنون قتله ، ايضا بذات الوقت هم يتماهون مع النموذج الثاني بقبولهم فكرة ( دستور ) يعتمد الشريعة الاسلامية مصدراً وحيداً للتشريع .
الملاحظة هنا في نماذج بناء الدولة الحديثة ( سياسياً ) ، وتأسيس البنى التحتية السياسية لهذه الدولة وفي إطار الحديث عن حكومة إسلامية أو حزب إسلامي متصدّي لادارة دولة ( دولة حديثة ) ، ومن بين نماذج الحكم التي مرّت فإنّ النموذجين الثاني والثالث هما نموذجان يعايشان العصر تماماً وقادران على بناء دولة عصرية فيها مستويات مقبولة من الديمقراطية ومستوى ديني مقبول وإن كانت هذه المستويات في الديمقراطية والدين متفاوته بين النموذيجن حيث يبدوا أحدهم أكثر ديمقراطية ( نموذج غربي ) والآخر أكثر تديناً .
إلاّ أنّ ركوب هذه النماذج الايجابية ( الثاني والثالث ) من قبل المجاميع الوهابية السعودية التأسيس والرافضة للديمقراطية والدولة يؤسس إلى أمرين خطرين يشكلان تهديداً للمجتمعات الاسلامية ، أولهما استمرار شلل الحركة السياسية والاجتماعية وبضمنها تشويه الدين الاسلامي لفترة تتجاوز العقود وتجهيل الناس بالمال المدفوع من جلودهم وسلب دينهم وفطرتهم وإعادة تركيب المصالح العليا ، ما يجعل هذه المجتمعات سهلة الامتطاء والتوظيف .
والثاني ان هذه المجاميع ربما تحقق نجاحات كبيرة ( حجم جمهور وادارة حكم ) ويخلق منهم مهدداً لدول أوروبية وأميركية وغيرها ما يجعل البلدان الاسلامية عرضة للاستهدافات الغربية ، وبضمنها الاستدافات العسكرية المدمرة .
المصادر
الحركات الاسلامية في الوطن العربي ، مجلدين ، مركرز الوحدة العربية 2013.
العقيدة والسياسة في السعودية ، فؤاد ابراهيم ، دار الملتقى 2013 .
السلفيون والربيع العربي ، محمد ابو رمان ، مركز الوحدة العربية 2013 .
هذه هي عقيدتهم الممنهجة ، مركز الحجاز للدراسات ، لندن .
فرص التعددية وحدودها ، واقع القوى السياسية في العالم العربي ، مركز كارنيغي ، 2010.