الحسين نشيد الحرية الخالد/ناصرعمران الموسوي

Sat, 21 Dec 2013 الساعة : 19:34

لا يحصل كثيرا ً ،أن تحظى شخصية بذات الظروف والبيئة السياسية والاجتماعية كالحسين بكل الثنائيات التي تترجم القيم الإنسانية ، فمابين الحرية والتضحية وبين الشهادة والكرامة ،والتغيير وا لإصلاح تجلت عدالة من نوع خاص عنوانها الحسين ،عدالة مفادها أن القتل والهمجية والوحشية مهما كانت أدواتها فان الحقيقة وطلابها هم المنتصرون أبدا ً ،فمابين الحسين (الإنسان والمسلم والتاريخي ) وشائج نغمية لا يمكن أن ينفرد وترها خارج النغم المقدس المعطر بانين الباحثين عن الخلاص التواقين الى نسائم الحرية ، كان الحسين قريباً من آلام المحرومين والضعفاء والمظلومين لذلك كان ترجمانهم الأبدي ،وكان صرختهم التي هزت وتهز عروش الجبابرة والسلاطين والطغاة ،الحسين الإنسان نتاج جينة وراثية وتفاعل بيئي متضمخ بعبق النبوة والإباء ،تفوح من جنباته الرحمة ،وتتفاعل في سلوكه المحبة ،فلاغرو إذاً ،أن يكون سفينة النجاة الواسعة التي تسعى في ركوبها قلوب العارفين والوالهين وتتضور إليها مناجاة ً أوراد العاشقين ، اقترن بالحرية فكان أبا ً للأحرار وفي فلكه دارت العناوين والأماكن والأسماء ومن خلاله تجلت عناوين الاستشهاد والوفاء والتضحية ، ما كان الحسين وهو يعانق السهام والرماح والسيوف ضعيفا ُ مترددا ً طالبا ً للعطف ،كان كما تصفه ابنته سكينة (ع) :( كان أبي كالطود الشامخ وهو يتلقى السهام والرماح والسيوف وكلما كثرت جراحاته كان وجهه مشرقا ً وفمه متبتلا ً يرنو ا السماء بطرفه ..) نعم كان على صلة وثيقة بالسماء صلة عنوانها المحبة والعبودية والعشق الالاهي ،كان : يقول تركت الخلق طرا ً في هواكا ....................وايتمت العيال لكي اراكا ........فلو قطعتني بالحب اربا ً...................لما مال الفؤاد الى سواكا .
هذا هو الحسين العاشق وإذا كان هذا هو الإحساس الكامن في الحسين الإنسان فليس غريبا ً فانه نتاج الاقتران والامتدادات النبوية و مدرسة النبي محمد (ص) التربوية والعلمية والنبي (ص) يقول أنا مدينة العلم وعلي بابها ،وإذا كانت المدن تدخل من أبوابها ،فالحسين هو المدرسة التي يدخل إليها الناس ،وليس غريبا أن تجد الملايين _في مثل هذه الأيام في ذكرى أربعينية استشهاده _تهفو إليه بقلوب والهة وخطى عجلى لم يقف الطقس وتقلباته والمسافات وطولها والإرهاب وأدواته الوضيعة ،ان ينال من مقصدهم ،فكربلاء قبلتهم ،كربلاء عبير جراح الحسين وترابها الذي اختلط بالدم الطاهر ذات صباح مشئوم اكتسى بالغبار والسواد عنوانا من عناوينها ، حتى الطبيعة كانت مرتبطة بالحسين فأمطرت السماء دما ً،فأي إنسان هو الحسين ..؟
والحسين المسلم هو حسين السلام الذي يبكي حتى على قتلته المجرمين ،لأنهم سيدخلون النار بسببه، الحسين الذي لم تشغله الحرب والعيال والجيوش التي تحيطه كالمعصم من ترك اتصاله بالله معشوقه ،فكانت الصلاة تأكيدا ً لهدف الحسين الإصلاحي ضد قوى الفساد ،الحسين القراءة الأزلية لصورة الدين الإسلامي القائم على التضحية والاستشهاد ،والنموذج والوشيجة الرابطة بين الإسلام وحقوق الإنسان،جسدت كربلاء الحسين انموذج المسلم الحقيقي فشكلت تفسيرا ً لروح الإسلام وسلوكياته ،وليس غريبا ً ان تكون كربلاء الحسين كذلك ،فالعلاقة بين الحسين وأنصاره ،درس عقائدي بين الإمام وأنصاره والقائد وجنوده ،يقدم الحسين إعلانا ً عالميا ضد التمييز بسبب اللون فيبرز (جون ) الصحابي ذو البشرة السوداء (رض ) نموذج في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان ،فالكل سواسية هذا ما قالته كربلاء الحسين ،وفي الصحابي النصراني (وهب ) يقدم الحسين التنوع العقائدي والتعايش الإنساني والتفاعل الحقيقي بين الأديان ، اما عن قيم الإخوة والوفاء والإيثار فقد قدمت كربلاء نموذج الإمام العباس (ع) وما كان الشباب بعيدا عن كربلاء وهي التي تزداد نظارة و القا ً وشبابا ً عبر الأزمنة والعصور فقدمت لنا علي بن الحسين والقاسم بن الحسن (عليهما السلام ) مثالا ً للدور الشبابي الفعال في التضحية ،أما المرأة ، ففي يوم كربلاء ما كانت خلف الحجب بل كانت القضية والشاهد والحقيقة كانت النموذج الحي والمكمل لرسالة الحسين وتمثلت بالسيدة زينب (ع ) الإعلام الحسيني الذي أطاح بطاغية الأمويين وشكل على امتداد حكمهم الأسود أرقا ً اقض مضاجعهم لينتهي بهم الى الزوال ، وكل الانتفاضات والثورات التي خرجت في زمانهم حملت ثورة الحسين وإعلام زينب نبراسا ً لها ، أما الحسين لتاريخي ، فهو تاريخ ذاكرة تتجذر بالإباء والصبر والتحدي ،كان الحسين التاريخي ضاجا ً بنداءات الحرية وما كان هناك ثائر أنساني إلا وكان الحسين نهجه وطريقه ،لقد علم الحسين التاريخ كيف يمكن ان ينحني ليسطر سلوك ومبدأ يضع علامات وأجندات طريقه لنيل الحرية ،لم يكن طريق الحرية نزهة وكلمات مشحونة بالعاطفة وطلبات مُدرجة ومشفوعة بالطلبات ،ولم تكن الحرية هبة ،الحرية دوما ً قضية تنتزع هكذا قالها الحسين ،الحرية جنين يغذيها الاعتداد بها والتمسك بعشق ماهيتها وممارسة لها.
هكذا كان الحسين أمام الذاكرة التاريخية ،عنفوانا وإباء يصفه السيد الحلي في لحظات ممارسته للحرية وهو محاط بالخيول والعساكر و بريق الرماح والسيوف التي تطلب منه ان يكون ذليلا خانعا ً وتهدده بالقتل ....فكان الحسين مع الموعد القدري ، توضىء بدمائه ليصلي في محراب الحرية على صعيد كربلاء ، يصور الحلي لحظات الحسين الأخيرة وهو يرسم طريق خلوده في ذاكرة الإنسانية ويضع خياراته بين الكرامة والحرية وبين الذل والعبودية فكان نشيده الخالد (هيهات منا الذلة ) يقول الحلي (رحمه الله ):

وَسَـــامـَتهُ يركـب إحـدى اثـنـَتـَيـنِ***وَقَد صَرَّت الحربُ أسنانَهَا
وأمـا يـُرى مـــذعِــنـاً أو تـَمـــوت***نفـــسٌ أبَـى العِـزُّ إذعانَهَا
فـقـال لـهـا اعـتـصـــــمي بالإبــــا***فنفــــسُ الأبـيِّ وما زانَهَـا
إذا لم تَجِد غـيــرَ لـبـــس الـهَــوان***فـبالـمـوت تَنـزَعُ جُثمَانَهَـا
رأى القتل صبراً شـــعار الـكــرام***وفـخراً يـَزِيـنُ لَها شَـانَهَـا
فَـشَــــمّـَر للـحـــرب عـن مُعـــرِكٍ***بِهِ عَرَّكَ المـوتُ فرسـانَهَا
وأَضــرَمَـهَـا لِـعـِنَــانِ السَّـــــــــمَـا***حَـمـــراءُ تـَلـفـَـحُ أعنَانَهَـا
أقـرَّ عــلـى الأرض مـن ظـهـرهـا***إذا مـَلـمَل الرعبُ أقرانَهَـا
تـزيـــــدُ الـطــلاقـــةُ فـي وجــهِــهِ***إذا غَـيّـَرَ الـخوفُ ألوانَهَـا
ولـمــا قـضــــى لـلـعـُلــى حـقَّـــهَـا***وشَـــيَّدَ بالســـيفِ بُنيَانَهَـا
تـرجّــــل لـلـمــــوتِ عـن ســـابـق***له أخـلـَتِ الخيـلُ ميدانَهَـا
ثوى زائــد الـبِـشـــرِ فـي صَـرعَـةٍ***لهُ العـزُّ حـَـبـَّـبَ لُقيَـانَـهَـا
كـأنَّ الـمـنـيــــةَ كانـــــت لـديـــــه*** فـتـاةٌ تُواصِـلُ خلصانا
هكذا ،كان الحسين ومازال نشيد الحرية الخالد وسمفونية الزمن التي تعزف بالاباء سيرته العطرة ،فسلام ُ على الحسين وهو يهز كل عام عروش الطغاة والجبابرة والظالمين ،ويزداد عشقا ً في قلوب الثائرين والمستضعفين والفقراء .

Share |