بين آلمُفكّرِ و آلصُّحُفيّ – ألحلقة آلثّالثة/عزيز الخزرجي

Thu, 19 Dec 2013 الساعة : 16:10

دور ألمُفكّر في عمليّة ألتّغيّر لتحقيق ألعدالة:
طبقات ألمُفكّرين ثلاثة كما بيّنا سابقاً, و هُم:
- من يحمل ألأفكار و آلنّظريات ذاتِ ألأبعاد ألمعرفيّة ألعلميّة ألواسعة و بلا حدود, يتقدمهم أهل البيت(ع) المعصومين الذين لم يتسنى لهم إقامة العدل سوى في فترة محدودة جدّاً من التأريخ.
- أصاحب ألأختصاص ألعلميّ ألمُمَيّز؛ (ألطبيب، ألمُهندس, ألقانونيّ، ألأديب, ألفقيه) مع آلشروط التي بيّناها سابقاً.
- أصحاب آلخبرات ألفنيّة و آلثّقافيّة و آلأجتماعيّة ألرّفيعةٌ و آلمُميّزة مع آلحدود و آلشروط أيضاً.

و آلطبقة آلأولى هي صاحبة آلفضل آلأكبر و بإمتياز ليس فقط على آلطبقتين آلآخريين .. بلْ على جميع ألنّاس, فعلى آرائهم تتشكّل كلّ آلحضارة آلأنسانيّة, لأنّ نتاجهم لا يتحدّد بحدود تأريخيّة أو جغرافيّة أو سياسيّة أو وطنٍ مُعيّن, فكرهم يتحرّك في كلّ آلوجود, و يمتدُّ في كلّ آلمدى ألأنسانيّ و آلزّمكاني, و من هنا يتعاظم دورهم و نظريّاتهم في آلحياة!

ألمُفكّر ألأنسانيّ بمثابة ألرّاعي ألأمين على آلنّاس, مهما كانوا عُصاةً و مُخرّبين و هو آلرّجل ألعاقل ألّذى يعطفُ على رعيّته و أبنائه و لا يملَّ النّصيحة و آلهداية بينهم و حتّى آلعمل ألمُنظم من أجلّ تحقيق آلعدالة و لو بدى منه غلاظة و شدّة فى التّوجية أحياناً فهو مضطر لذلك لضروة لا يدركها آلناس, هي إنما بمثابة ألدّواء المُرّ ألذى يضطرّ الطبيب أن يعطيه للشفاء رغم مرارة مذاقه.

يُمكنني حصر ألهدف ألمركزيّ ألّذي يسعى لهُ المُفكّر ألأنسان في مسألة ألمسائل و هي آلعدالة آلأجتماعية!
و منها تتفرّع كلّ آلأختصاصات و آلعلوم و آلنّظريات و آلعقائد آلأخرى, و لعلّ أصل هذه ألحكمة تتأتّى من آلصّفة آلأصليّة للباري تعالى حينَ أطلق صفة (ألعدل) و إنفرد بها لنفسه كأصل لجميع ألأصول في آلأسلام بعد آلتّوحيد ألذي يرتبط مصيرياً و فلسفياً هو آلآخر بصفة العدالة كركنٍ أساسيّ تُدار عليها أنظمة الكون بكلّ ما فيها, و لذلك فأن آلنظام الأجتماعيّ ألعادل هو آلضمان لتحقيق فلسفة وجود الأنسان كمخلوق خلقه آلله لهدف كبير عليه تحقيقه!

و لكن ما هي آلعدالة؟
و كيف يتمّ إجرائها!؟

هذا آلسّؤآل ألأساسيّ كثر تداوله بين آلكُتّاب مؤخّراً و كتب عنه من كتب من أمثال الفيلسوف "كانت" و "شوبنهاور" و قبلهم أفلاطون و غيرهم, و لم تُطبّق آلعدالة في حياة ألبشريّة سوى في زمن الأمام عليّ(ع) و في فترة زمنيّة محدودة جدّاً لكنّها كانتْ و ستبقى مناراً للمُفكريين و آلفلاسفة ألأنسانيين أبداً!

و بسبب تكاثر الظلم و آلأستغلال و آلفساد ضاعت حتّى موازيين العدالة في حكومات آلأرض و في آلمدارس و أصول التربية الرائجة, بل إختلط الأمر إلى حدٍّ ظلّ معه آلنّاس في حيرةٍ حين أفسدَ ألمنادون أنفسهم بآلعدالة, فآلبعض في الوقت الذي يُنادون بتطبيق ألعدالة نراهم أنفسهم يأكون حقّ آلنّاس في وضح النهار و بكلّ صلافةٍ و عنادٍ, فظلّتْ ألبشريّة تتخبط في سعيها عبر آلتّاريخ في وسطٍ غائمٍ إختلط فيه الحقّ و الباطل من أجل "وهمٍ" أطلق عليه "عدالة" غابت تماماً حتّى من تصوّراتهم, بعد ما لم يتحقّق مطلقا عبر التاريخ البشري سوى في فترةٍ محدودة(1).

تستند العدالة على المتكافئات في نظر ألفلاسفة, حين أخضعوا فعل ألشّر فقط حصراً للعقاب أو للكفارة و من هنا طعنت العدالة بآلقلب, حين تركوا أساس العدالة (المساواة) كمنطقة فراغ يتمّ آلتحكم بها طبقاً لإرادة أصحاب ألمال و القدرة و الجّاه, و ذلك عبر موائمة و تكييف ألافعال غير القانونية, طبقاً لمصلحة غير واضحة ترجع بكفتها لتلك الطبقة ألمُتمكنة التي كانت عبر آلتأريخ تُسيطر على الناس بوسائل قاهرة .. كان للمال و آلقدرة حصّة آلأسد لفصل آلمختلف عليه, من هنا كانت مواءمة أو تكيف أحكام العقوبات او الكفارة؛ من مُعضلات تحقيق العدالة أو حتى من الوصول او استهداف أبجدياتها, خصوصا إن المواءمة المثالية او التكيف القضائي و الشرعي يُشكل بحدّ ذاته عدالة مطلقه لكون جميع أشكال و درجات العقاب طبقاً للأحكام و القوانين التي تعتمدها آلعدالة الأنسانية ألوضعيّ’؛ تصبُّ جميعها في مضمون و كُنه العدالة نفسها!

و آلسبب في ذلك يعود إلى قصور الأنسان و فهمه و إدراكه لمسألة الواقع الأنساني و حركة الحياة ألمتداخلة بشكل يعجز كل عقول الدّنيا من تحديد آثار حركة واحدة فيها بآلأتجاه الصحيح العادل, و هذه مسألة معقدة و معقدة جدّاً, لا مجال سوى اللجوء في حلّها للغيب!
و آلعدالة عمليّة معقدة لكون كل شيئ يرتبط بكل الأشياء الأخرى, و لذك لا نجانب الحقيقية لو قلنا بأن المسألة فوق المعقدة .. و إن كانت تبدو واضحة للمعنين .. و عليه تتجلّي مثاليّة ألعدالة الشرعيّة الوحيدة ألمُصاغة حسب تأكيدات ألفلاسفة ألوضعيين في حقّ الرّد و آلفصل, فالتّعويض ألماليّ مثلاً اطلق عليه "ألعين بالعين و السّن بالسّن", يختلف تفسيره عند آلأسلاميين .. فهذا التعويض ألذي يختص بالغني فقط لا يمكن آلفقير ان يدفع فدية عن جرم اقترفه كقتل الفقير أو ضرر معيّن سببه عمداً أ سهواً, من هنا تصبح عملية التعويض بالمال او شراء المعاناة الناجمة عن عمل ألشّر او انتهاك ألحقوق, إحتقار حقيقيّ لمضمون العدالة و لكرامة الأنسان, من هنا لا بد أنْ تتمّ مساواةٍ او تحقيقَ تكافئ حقيقيّ بين فعل ألشّر و كفارة ألمعاناة عبر نظام آلله تعالى ألذي بيّنهُ أحكام القرآن و آلسّنة على لسان أئمة أهل البيت(ع) وحدهم, و هذا بعينه مدار آلجدل بين الفقهاء آلذين بعضهم ما زال متردداً بل جاهلاً بآلأمر و لأسباب ذاتيه من مسألة تطبيقها في آلأمة .. ألأسلامية على الأقل عبر نظام حكم ألهيّ, و آلتي بغيرها ستظل العدالة غير قائمة, و سيظل آلمستكبرون من أصحاب الشركات الكبرى في المنظمة الأقتصادية ألعالمية تتحكّم بمصير الناس .. كلّ الناس شرقاً و غرباً.
ان العدالة الحقة لا تحتاج الي وكيل او وسيط او بديل, لأنّهُ و بمجرّد تداخلها في قضية معينة واضحة تنكل بآلعدالة من الأساس فيتلاشى ألتناغم بين آلجرم و آلعقاب ؟ لكون آلغفران للظالم ألقاتل لا ينسجم مع أيّ عقل سويّ في العالم؟

خصوصا لو علمنا بأنّ الانسان ألمعاصر ألعنيف نسبياً بات بعيداً عن لغة ألاعتذار و آلتسامح و آلأيثار بسبب إنحطاط النفوس و فساد القلوب, و ألذي أدّى بشكلٍ قهريّ إلى تلاشى ألتّناسق و آلتناغم بين آلجرم و الكفارة .. بين القيم و المثل و بين شهوات و طمع الأنسان من جانب آخر؟ إنّ تحقيق التناغم بين الجرم و الغفران انطلاقا او إستنادا لإعتباراتٍ انسانيّة أو عقائديّة سمحة أو من منطلق ألحب للبشرية؛ هي حالة مثلى لا تصلها البشرية, بل يستحيل ذلك على ما يبدو مع هذا الوضع الذي يتحول من سيئ إلى أسوء مع مرور الزمن, لذلك سيبقى الجميع في عذابٍ وغضبٍ صامتٍ و إرهابٍ دفينٍ و أحقادٍ تختلج به النفوس ألتي يعتليها نار الثأر و القصاص و آلأنتقام, و هذا بحدّ ذاته إنكار للعدالة آلتي سبّبتْ مقتل الصالحين من آلأئمة و العلماء و المفكرين و كما جرى في العراق و بقية بلداننا للأسف الشديد.
إنّ جميع تلك آلمآسي نابعة أساساً من إنكار ألنّاس و في مقدّمتهم الحاكمون في الأرض لعدالة الخالق سبحانه و تعالى و آلأيمان بآلغيب .
لا ينبغي للنّاس أبداً ألقبول أو القيام بأشياء لا تتماشي مع الإرادة الإلهيّة العليا المتسامحة و هذا من مسؤولية المدعيين للمرجعيّة و آلفكر عبر منهجٍ واضحٍ و آليات عمليّة متحركة من قبل ألصُّحفيين و آلمثقفين على أرض الواقع!

و أخيراً و مع كلّ هذا .. نؤكّد بأنّ الطبيعية الأنسانيّة تعجز في آلعيش من دون عدالةٍ, فآلبشريّة عليها آلخروج من حالتها ألرّاهنة للحالة الأنسانية, لأنها بقائها في مدار البعد البشريّ – كما بيّنا – لا تسمح لنفسها بآلأنتقال إلى آلمدار الأنساني و من ثم آلآدميّ, و ستبقى حتى ظهور ألمُصلح الكبير تعيش في آلظلم و الأرهاب و آلحروب و آلفساد و آلرّذيلة, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم تُطبق العدالة في الأرض إلّا في زمن الأمام عليّ(ع), و لا أثر لها سوى ما تحاول اليوم الدولة الأسلامية في إيران من إقامتها, لكنها تواجه معارك صعبة و معقدة من قبل الظالمين في الجبهة الأخرى التي لا تتناسب وجودها مع سياساتهم الأستكبارية الظالمة!

Share |