في الادب الرافديني .. هناك العديد من الحكايات ..والتآليف.. والترانيم .. والادعية والابتهالات .. التي سبقت الحضاره المصريه والحضاره الكنعانيه والاغريقيه والاسرائيليات بزمن طويل جدا . بل هناك ماهو مدون من الملاحم والبطولات . التي لم تزل البشريه تتغنى بها الى اليوم .وكذلك اكتشفت علاقة الانسان العراقي بالكون ، وباليوم الاخر بشكل مبكر ، وكان اتجاه ذلك الانسان الى السماء ابدا كانما وجد فيها اسراره . فدون قصة الخليقه السومريه – وقصة الخليقه البابليه – ودون الحوادث الجلل والتي منها قصة الطوفان . كذلك حفظت لنا الرقم الطينيه بطولات شروكين(سرجون)والكاهن كودييه ، ولوكال زاكيزي موحد دويلات المدن ، واتو حيكال (الفيض)طارد الكوتيين . واور نمو وشولكي وحمورابي وسواهم .... وكذلك القوانين والانجازات الحضاريه الاخرى التي يطول احصاءها .
وان شخصية انكيدو تتناول موضوعا انسانيا رائعا ، وبناءها الدراماتيكي كأنما يتعامل مع اشياء عديدة في عالمنا الدنيوي مثل الانسان والطبيعة والحب والمغامرة والالفة والتضحية والصداقة ، والخير والجمال . لاستخلاص قانون من هذه الاشياء يمكن ان يوضع كمنهج للحياة بما في ذلك الصراع وتنازع البقاء . فبعد ان استفحل امر كلكامش ( 2650ق . م) واصبح من القوة والجبروت بحيث لاتطيقه الوركاء استجابت الالهة لدعواتهم بأن خلقت ندا له ، وخصما للحد من تعسفه وتطاوله . فقامت الالهة بصنع انكيدو الذي ادى دورا كبيرا في الزمن اللاحق الى جانب كلكامش . وانكيدو في بداية خلقه كان يجوب البراري مع الضباء والوحوش ياكل من نبات الارض ويرد معها المياه ، فلقد وهبته الالهة الى جانب القوام المتين والقوة الهائلة شعرا كثا يكسو كل جسمه شأنه شأن الحيوانات الاخرى ، وكانت له جدائل تشبه السنابل . ذات مرة ابصر به صياد فاستنكره ، وراح يراقبه عن بعد وبتخف تام الى ان وقف على قراره ومن ثم قص حكاية ذلك المخلوق الغريب على ابيه واخبره بان هذا المخلوق يتلف المصائد ويحول دون الانسان وصيد الحيوانات . فكانت نصيحة الاب ، بان يتم اخبار كلكامش بذلك . وبعد ان اخبر كلكامش كانت الخطة موضوعة من قبل والد الصياد بان يتم اغراء واستدراج ذلك ( الحيوان الانسان ) بفتاة جميلة لكي يتمكنوا من كسر وحشيته وتدجينه ، فوافق كلكامش على ذلك وارسلوا فتاة فيها مواصفات الشجاعة والجمال تدعى ( شامات ) . فتمكنت من اغراء ذلك المخلوق انكيدو ، فمكثت معه سبعة ايام مكنته من نفسها فاقبل عليها بشغف وكان طوع بنانها الى ان مل تلك العشرة ، حاول ان يعود الى طبعه لمصاحبة الوحوش لكنه سرعان ما اكتشف بان الحيوانات بدأت تنفر منه ، وقبل ذلك حاولت شامات جاهدة لاخذه معها الى المدينة لكن دون جدوى . ولما وجد نفسه معزولا من قبل الوحوش والحيوانات عاد الى تلك الفتاة التي اصطحبته الى مدينة الوركاء حيث صادف ان هنالك احتفالات تجرى في المدينة يحضرها كلكامش وكانت تعبر تلك الاحتفالات عن احد اعياد المدينة . فلما ابصرت الجماهير هذا المخلوق ومظاهر القوة والصرامة بادية عليه ادركوا بانه الرجل الوحيد الذي يصلح لمقابلة البطل كلكامش في نزال مكشوف . وبعد صراع مرير دام عدة ايام كانت الغلبة فيه لكلكامش الذي اثر عدم قتل هذا الصنديد وقرر ان يحتفظ به عونا له ويتخذه خليلا ، فسرعان ما اصبحا صديقين حميمين . فعرض كلكامش على صديقه انكيدوا ان يسافرا الى غابات الارز لمقاتلة التنين خمبابا . ذلك المخلوق المخيف لتخليص الناس من شروره . وبعد انتصارهما على خمبابا وقتله عادا الى الوركاء فاستقبلها اهلها استقبال الابطال . ولما لاحظت الالهة عشتار انجازات البطل كلكامش مع صديقه انكيدو ، عرضت عليه الزواج ولكنه رفضها ووجه اليها عبارات نابية .
انت قصر يتحطم .
انت قار يلوث حامله ..
فاي من عشاقك ابقيت ..؟
من اجل تموز زوج صباك مازلت تتوجين ..
وهكذا يذكر مترجمو ملحمة كلكامش بان غضب عشتار الحق بانكيدو المرض المفاجئ واخيرا مات فحزن عليه كلكامش حزنا شديدا وبكاه بكاء مرا ، وقال فيه عبارات تفيض بالالم :
اسمعوني ايها الشيوخ ..
من اجل انكيدو خلي وصاحبي ابكي ..
انوح نواح الثكلى ..
انكيدو صاحبي ..
اخي الصغير ..
انه الفأس التي في جنبي وقوة ساعدي ..
فرحتي ومهجتي وكسوة عيدي ..
فاي .. سنة من النوم ..هذه التي غلبتك وتمكنت منك ..؟
طوال ظلام الليل فلا تسمعني .
بمثل هذه العبارات وغيرها راح كلكامش يرثي صاحبه فيما كان شبح الموت يلاحقه ويفزعه . وايقن ان الموت سيقهره اجلا ام عاجلا . فترك الملك وهام بالبراري ، قاصدا رجل الطوفان اوتو نابشتم ، ليسأله عن سر حصوله على الخلود . فبعد ان بلغه ، قص كلكامش عليه ما حل برفيقه انكيدو وروى له كيف ان شبح الموت الذي خطف انكيدو راح يلاحقه . هذه بعض جوانب حياة انكيدو وعلاقته بصاحبه كلكامش وموته بشكل وجيز نتوخى الفائدة منها .. والحمد لله رب العالمين.