قراءة نقدية لرواية ( عنقاء تحت رمال المدينة )/كريم خلف جبر الغالبي
Thu, 28 Nov 2013 الساعة : 0:21

قراءة نقدية للكاتب كاظم حمود الحصيني للرواية ( عنقاء تحت رمال المدينة) للشاعر والكاتب كريم خلف جبر بعنوان (الرواية التي دخلت الينا وبيدها عمود الشعر) منشورات تموز للطباعة والنشر/ دمشق 0
الرواية التي دخلت ألينا وبيدها عمود الشعر:
ما الحدود بين خطوط الابداع داخل رأس المبدع ؟
لقد عرفنا كريم خلف شاعراً ويبدو انه مولعا بالرمال ربما لان الرمال رافقت العرب في حياتهم يقول : كازنتزاكي في الطريق الى غريكو (( سقطت مني حفنة ملح فحاولت جمعها بمرارة واعتقد ان حبي للملح متأت من الدماء العربية في عروقي من ناحية امي الاندلسيه )) فقد اصدر ديوانا شعريا بعنوان ( رمال غير متحركة ) وها هو يتحفنا بروايته ( عنقاء تحت رمال المدينة ) وقبل ان احيي الكاتب اسجل التحية الى الاستاذ حيدر كاظم للكلمات التي سطرها على الغلاف الاخير للرواية فقد كانت مؤثرة حقا 0
فأول ما يجب قوله عند العودة للرواية بأنها تجربة شخصية ولا عيب في ذلك بل يسجل الى كريم خلف الذي اراد ان يختفي وراء احمد عدم تحيزه لنفسه ووضع امام القارئ بكل امانة تردده وخوفه من خوض غمار السياسة ضد ذلك النظام المتوحش ، فبعد ان التقى بـ (محمد) الذي انقذه من جشع صاحب المقهى ، رسم لنا علامات الخوف بعد ان شعر ان زملائه لهم علاقة بالسياسة (كان صوت التسجيل منخفضا وكان احمد يستمع ويدقق في المحاضرة وقد راوده شك كبير بان هؤلاء لابد ان يكونوا من حزب الدعوة ، ارتعدت مفاصله وأخذته الرجفة) ص17-18 وهكذا لم يشأ الكاتب ان يسجل بطولات كاذبة واني ارى ذلك منتهى الامانة ، فرغم ما يقاسيه احمد من فقر وكره للنظام بالتأكيد هذه الظروف تخلق ثورة حيث يقول علي بن محمد صاحب الزنج (الفقير لا يحتاج الى فتوى لإعلان ثورته)، وتستمر الرواية بهذا الخوف من العمل السياسي حتى مع ابن عمه الشيوعي ابو كامل الذي يزوره في الكلية ويدعوه لكتابة تقرير ، ورغم انه رأى الكثير الا انه يقول ( صار وقوفي في مكان ثابت ،قوتان متضادتان احدهما تجرجرني نحو اليمين والثانية نحو الشمال وثالث يصوب باتجاهي بندقيته ) الرواية ص 62، هذه ملامح سير الرواية معاناة مع نظام مجرم لم يسلم منه حتى الحرم الجامعي 0
وعودة عل بدء حين تساءلنا عن الخطوط الفاصلة بين الابداع فاننا نرى ان كريم خلف كتب رواية تستحق المناقشة من ثلاثة اوجه :
1- اللغة : كانت اللغة في مواقع كثيرة ابنة الشعر ، ترتفع وترق بدءا من المقدمة التي برأيي هي من لحمة الرواية وغير منفصلة عنها ، ولنقرأ ما يلي ( امهُ التي تستيقظ في الاول من فجرها ، تبحثُ في اسرارها عن منقذ لأولادها الذين ينسلون في احضانها ) الرواية ص 14 ، ان هذه الجمل قريبة من الشعر تماما وبإمكان الكاتب ان يحول تلك الاحاسيس الى شعر او( ايها البطل الذي رسم ملامحه في علا الآفاق ، ها انا ابحث في زوايا غرفتي عن مخبأ الوذُ به بعيدا عن أعين الجلادين ) الرواية ص39 وهذه الاختيارات ما هي الا اقتباسات قليلة من تلك اللغة المتوهجة ، كانت هناك مقاطع واقعية تماما حتى الاسماء مثل اسم ( محمد باقر الناصري ) وربما اتت تلك المقاطع غير بعيدة عن امانة الكاتب في نقل الحدث 0
2- بطل الرواية : كان بطل الرواية من البدء وحتى النهاية مترددا في دخول السياسة وما شارك في شيء قليل اذا ما قورنت بانحداره الطبقي الفقير وتطوره الدراسي فقد بقي موقفه السياسي دون تطور واضح ، والشيء الآخر فان الرواية خلت من المرأة ما عدا مقطع كان يتحدث فيه صديقه (عامر) لأجل ان يزيح الحزن عنه اذ يقول له عامر ( اتذكر تلك المرأة التي حدثتك عنها ، علمتني في الحب درسا لن انساه ، ففي كل يوم وعند ساعات الغروب اقف امامها مفتخرا بنفسي ، اقرا لها قصائد لابن الفرض وابن الملوح وابن الاحنف شرقا وهيميروس وكافكا ونيرودا غربا علني احتل ناصية قلبها بما اشعر به اتجاه ما اقرا فلم تستجب لي بل أرنت مني كالمهر) المقطع رقيق ولكن لدي تعليق حسب اطلاعي المتواضع لم اقرا لكافكا شعرا ولكني لا انفي ذلك مطلقا فليس كريم خلف وحده شاعرا وروائيا ، ان خلو الرواية من المراة يذكرني برواية كولن ولسن (طفيليات العقل ) فقد كانت كبيرة في كل شئ الا خلوها من المرأة وهذا ما قاله احد النقاد في حينها وهو الاستاذ محمد درويش 0
3- التوازن السياسي : الرواية سياسية بامتياز وقد حاول الكاتب الامساك بخيوط الاحزاب السياسية العاملة ضد النظام ولكنه بسبب عدم انتمائه للأحزاب الاسلامية الا انه قريب منها فكريا استطاع تصوير مأساة اصدقاءه اما بعده عن الشيوعيين فكريا فانه لم يعكس دورهم في قتال الانصار وما اصابهم من ملاحقة وإعدامات ومع ذلك فقد كان وفيا للفكر الشيوعي رغم ما اسلفنا بابتعاده عنه فقد نقل شجاعة ابن عمه (ابو كامل ) حيث صوب المسدس الى رأسه دون ان يعطي اية معلومة عن رفاقه واعتقد ان تلك واقعية حقيقية والكاتب كان امينا عليها ، اما وقد نعت ماركس (بالملحد ) فهذا انعكاس للشائع في الاوساط الشعبية والتي تسمع اكثر مما تقرأ حيث يقول المفكر الماركسي غرامشي ( ان الدين ظاهرة ثابتة لأنه يتصل بالثقافة الشعبية) ، ويقول لينين ( ان الدين والفلسفة بريئان وحين اختفت وراءهما السياسة تلوثا ) ، اذ لا تصارع داخل الرواية ، حيث عكس الكاتب بصدق وحرارة تلك المرحلة التي لازالت تجر علينا حزنها الى الآن ، ولنرحب بروائيا دخل علينا وبيده عمود الشعر يتحدث بصدق جميل 0
كاظم حمود الحصيني