ستمطر وسنغرق!/حيدر الجابر

Mon, 25 Nov 2013 الساعة : 22:11

منظر مبهج أن تمطر السماء، وأن تتبلل الأرض، وأن تجري السواقي ـ افتراضاً ـ بالماء المصفى في الغيوم. منظر رومانسي جداً يذكرنا قبل كل شيء بأيام الطفولة، حين كنا نركض تحت المطر، غير عابئين بتهديدات الأهل المصحوبة بخوفهم من إصابتنا بالأمراض. المطر خير وبركة، ويوصف في اللغة بالغيث، لأنه يغيث الأرض والناس. وبعد كل غزوة مطرية تهتز الارض الجرداء وتدب فيها الحياة. المطر رمز للخير والسعادة مع استثناءات، مثل السياب مثلاُ، الذي يرى شبهاً متطابقاً يملؤه الحزن بين الدمع وحبات المطر. بشّرتنا أو انذرتنا تقارير الأنواء الجوية والجهات المختصة بأن الموسم الحالي سيكون «رطباً» أي كثير الأمطار، ونحن نقول: كثير الفيضانات.
لبغداد تاريخ شيّق مع الفيضانات، وكان دجلة جباراً عتياً يفيض ليطوّق بغداد من جانبيها ويقتحمها مجبراً أهلها على الرحيل بالغالي الخفيف. ويسجل المؤرخون آخر فيضان قبل 60 عاماً، ثم تم ترويض النهر، أما بالسدود أو بالاحتباس الحراري. واصبح الفيضان قصة تراثية. وتشدق البعثيون قبل 2003 والديمقراطيون بعد 2003 بإنجازاتهم، حتى أمطرت الأسبوع الماضي، وحبست المياه أحياء بأكملها: الشعب، حي أور، الباب الشرقي، الأولى، الـ55، ساحة مظفر، جميلة. بحيرات من ماء الطين، تزداد حجماً مع إصرار السماء على كرمها المائي. عجزت الدولة برغم كل خططها وميزانياتها وضجيجها الإعلامي، ملأ الماء جميع مدن العراق، ونجا الأغنياء وحوصر الفقراء، وهم الغالبية.
ما زالت الأنواء الجوية تبشرنا بسنة ممطرة، ويقال أن هذا الاسبوع سيشهد موجة أمطار أقوى من سابقتها، لذلك، فإن أي حديث عن إجراءات احترازية واستعدادات هي مجرد خرافات، وستواصل البركات السماوية هطولها لتتحول الى لعنات تعقد حياتنا أكثر من تعقيدها. سيتسابق الأعداء السياسيون الى توجيه الاتهامات لبعضهم، وبينما يحولون أعمال نزح المياه المتواضعة الى دعايات فاشلة، ستظل بغداد غارقة، ومعها كل المدن التي ابتليت بفاسدين، ومشاريع وهمية أكلها الفساد كما أكل أخلاق القائمين عليها. فيضانات بغداد لهذا الموسم ستكون كشفاً لكل مستور وفشلاً صريحاً لأدوات الحكومة، وستكتفي الحكومة بإغراء الناس بالعطل التي لاتكلفها شيئاً، ولكن تعطيل الطرق يعطل ملايين الكاسبين الذين يعيشون ليومهم فقط..
جريدة المؤتمر

Share |