الامام حسين (ع) في شعر أدونيس-فاطمة فائزي
Sun, 7 Aug 2011 الساعة : 10:52

"تعدّ شخصية الإمام حسين (ع) في الأدب المعاصر من أبرز أبطال الثوري والدعوات النبيّلة، والذي لم يقدر لثورته أو لدعواته أن تصل إلى غايتها، فكان مصيره إلهزيمة، و لم يكن سبب هذه إلهزيمة نقصاً أو قصوراً في دعوته أو مبادئه، و إنّما كان سببها أنّ دعواته كانت أكثر مثالية و نبلاً من أن تتلاءم مع واقع ابتدأ الفساد اليسرى في أوصاله"[1]. "و كان الإمام الحسين (ع) من أكثر شخصيات الموروث التاريخي شيوعاً في الشعر المعاصر ـ فقد رأى الشعراء المعاصرون أنّ الحسين عليه السلام الممثل الفذ لصاحب الفضيلة النبيّلة، الذي يعرف سلفاً أن معركته مع قوى الباطل خاسرة و لكن ذلك لا يمنعه من أن يبذل دمه الطهور في سبيلها، موقناً أن هذا الدم هو الذي سيحقق لقضيته الإنتصار و الخلود، و أنّ في استشهاده إنتصار له و لقضيّته"[2]. و بهذا المدلول إستدعى الشعراء المعاصرون شخصية الحسين (ع) ليعبّروا من خلإله عن أنّ إلهزيمة التي تلقاها الدعوات و القضايا النبيّلة في هذا العصر، و إستشهاد أبطالها ـ المادي أو المعنوي ـ إنّما هو انتصار على المدى الطويل لهذه الدعوات والقضايا. "و إلى جانب هذا المدلول العام لشخصية الحسين (ع)، عبّر الشعراء به عن قضية أخرى، و هي تفرد أصحاب الدعوات الكبرى و وحدتهم و سلبية الجماهير إزاءهم و إزاء دعوتهم، لأنّ القضايا الجليلة لا يقوى على حملها إلا المجاهدون الكبار"[3]. إن الشاعر أدونيس يقدّم رمز الحسين (ع) كبطل عظيم و شجاع بدلالات القيم النفسية و الحسية. فالحسين (ع) في شعر أدونيس بطل التراجيديا و ليس مجرد بطل التاريخ الحقيقي و قد تحوّلت الحقيقة التاريخية عند الشعراء إلى أسطورة ... و خلق أدونيس من الأسطورة و من رؤيته حالة جديدة للبطل و هي حالة الحضورالحدسي الوجداني، و أصبح التلاحم بين الحسين (ع) و الجمهور المشبّع بذكراه تمرّ منخلال قصيدة بعد أن كان يمرّ من خلال التاريخ والسيرة الشعبية.[4] فالحسين يحنو عليه كل حجر و تنام كل زهرة عند كتف الحسين كقول الشاعر قصيدته «مرآة الشاهد»: و حينما إستقرّت الرّماح في حشاشة الحسين و أزينت بجسد الحسين و داست الخيول كلّ نقطة في جسد الحسين و إستبلت و قسّمت ملابس الحسين رأيت كل حجر يحنو على الحسين رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين رأيت كل نهر يسير في جنازة الحسين[5] يعبّر الشاعر أدونيس في هذا المقطع بأنّ إستشهاد الحسين (ع) قد أحدث أثره في كلّ مظاهر الوجود. و كما أنّ نص أدونيس الشعري يتناص مع الحادثة التي تروي مقتل الحسين وخذلانه من طرف مؤيّديه. و ينقل لنا أجواء الجنازة، حيث راحت كل الأشياء تشارك في هذا الموقف ـ الحجر، الزهرة، النهر ـ الذي يجسّد موقف التعاطف معه، و هذه الحادثة ما هي إلا تعبير عن الخيانة، و القتل و تلاشي المرؤة و الفضيلة. ثمّ أنّ الحسين (ع) و إستشهاده في سبيل الحق هو رمز مناضلة الانسان مع الباطل و مكافحة الجهل في البلاد العربية. فأدونيس يدعو الانسان إلى أن يفيق من جهله ويثور على الباطل ليستعيد مكانته و قيمه الأخلاقية الرفيعة في المجتمع العربي. زين العابدين (ع) في شعر أدونيس "إنّ الشاعر أدونيس قد رصد وقائع كل الثورات التي قامت مناهضةً للخلافة الأموية"[6] و يعرض بعضاً من هذه الثورات التي ناضلت من أجل الحب والسلام والحرية. "أما كفاح الإمام زين العابدين (ع) في سبيل الحق، تأخذ موقعاً متميزاً في مسيرة النضال و التضحية والفداء. فمناهضة الإمام زين العابدين (ع) للخلافاء الأمويين هامٌ من وجهتي النظر التاريخة والفنية"[7]. يقولالشاعر: مولاي، زين العابدين ... أنا جمر ثورتك ... أنفجر غيرنداءك، و أنفجر... ... و رأيت أنّي صيحة ترث الضحايا و رأيت أنّ الجوع يرفعني تحيّة لدم الضّحايا للبائسين الطالعين من الأزقّة و الزّوايا موجاً يُضيء العالمين... مولاي زين العابدين لغتي تنوء كأن فوق حروفها حجراً و طين فبأي جانحة أطوف، بأيّ موج أستعين[8] هنا يحسّ الشاعر بالأسى و الخزي والحزن و ندم تجاه ما يحصل في الأمة العربية والمجتمع العربي فهو يرى بأن مجتمعه يتلاشى و يتآكل من الداخل بسبب النزاعات السياسية والقضايا الاجتماعية. و بما أنّ أدونيس شاعر الرفض، فهو لا يقبل التخلّف والجهل في المجتمع، فهو يؤمن بأن النّكبات التي تحصل في الأمة العربية سببه هما عدم البصيرة و العقول المتزمّتة فيها. ثمّ أن القضايا السياسية و الإجتماعية التي يراها الشاعر في المجتمع العربي، يثقل كاهله، فلهذا هو يبحث عن مخلّص ينقذه من مآسيه. و يبعث الحياة من جديد بدمه الأسطوري الأحمر، فالإمام زين العابدين (ع) رمزٌ للحرية والشهادة والخصب و الإنبعاث، و هو بمثابة ملاذ آمن للشاعر، يحاوره الشاعر و يخاطبه، راجياً أن يجد بريق الخلاص و الطمأنينة. والشاعر يشعر بأنّه عاجز عن التفكير بالحقيقة و هو يطوف حول هذا المخلّص «الامام زين العابدين (ع)» بحزن شديد، يلتمس منه الحياة والأمل إلى قلبه الميت والمكتئب فهو مثل أبيه الإمام الحسين الأمل الوحيد لبعث الحياة الجديدة والحرية إلى العالم. و شجاعته وكفاحه هما الدواء اللذان سيضمدان جروح المظلومين والأبرياء. كذلك الامام زين العابدين رمز الإنتصار للقدرة الحقيقية والخالدة لدم الشهداء والمناضلين. زيد بن علي في شعر أدونيس تتنوّع صور الإستخدام و توظيف الشخصيات التاريخية كثيراً في قصائد أدونيس، فنجد مثلاً تعامل الشاعر مع «زيد بن علي» يعمد إلى الملمح الخاص من هذه الشخصية ليعبّر عن تجربته في معادلة تتلاحم فيها الذات مع الموضوع ، فيقول: بعد لحظة رأوه معلّقاً يحرق فوق الماء ينثر فوق الرّماد[9] يعيدنا أدونيس في هذه الأبيات إلى أجواء قتل زيد بن علي، و ما يكتنف هذه الأجواء من تراجيديا. من هنا فإن أدونيس يحيلنا مباشرة على الحادثة التاريخية، المتمثّلة في ثورة "زيد بن علي بن الحسين في سنة 122 هـ. داعياً الناس إلى كتاب الله و سنة نبيّه ـ صلى الله عليه و سلم و جهاد الظالمين"[10]. وقد إستطاع زيد بن علي أن ينصف المظلومين، و العناية بالطبقات المحرومة، و على التوحيد بين الفكرو العمل. و لكن هذه الثورة لم تستهو الكثيرين، كذلك قتل: "وصلب في الكناسة، ثمّ أرسل إلى دمشق و صلب على بابها، ثمّ أرسل إلى المدينة و صلب بها، ... و بقي مصلوباً حتى سنة 125 هـ. حيث أمر الوليد بن يزيد بحرق، و نسفه في أليم نسفاً"[11]. يحمل أدونيس شخصية زيد بن علي فجيعة الماضي المتمثلة في قتله، ويعبّر من خلال ذلك عن تعاطفه مع هذه الشخصية. ولعلّ أدونيس في تعامله مع هذه الشخصية، حاول أن يتجاوز معطيات الماضي، و يضفي عليها بُعداً جديداً، حين يقول: الجسم يصاعد في رماد مهاجر كالغيمة الخفيفة و الرأس وحي نار عن زمن الغيوب والثورة و الثوار[12] يبيّن أدونيس أنّه على الرغم من قتل و صلب زيد بن علي و حرقة، و نثر رماد جثته فوق الماء إلا أنه لم يمت، بل بقي رمزاً إلى الأبد، و ما يجسّد ذلك قوله: (والرأس و حي نار). فالنار عند أدونيس هي منبع الحياة و دلالة الديمومة و البعث، ذلك أن النار جاءت لمواجهة الموت، لأنّها نقيضه كما أنها علامة الحياة، عن طريق بث لهبها في نفوس الثّوار لإكمال رسالة زيد بن علي. و يستمرّ أدونيس في تعميق دلالات هذه الشخصية حيث يقول: و إخترق النصل جبين زيد و نكست راياته[13] تتّضح دلالة هذين البيتين أكثر في قول نسيب نشاوي: "فنسمعه يتحدث عن النصل في جبين زيد الذي يمثّل النصل العصري المرعب في جبين الإنسانية"[14]. أي أنّ نشاوي يجعل من زيد بن علي ـ المعادل الموضوعي ـ لذات الشاعر، من خلال الحديث عن الرعب الحضاري في الحياة النفسية والاجتماعية. مصادر البحث [1] عشري زايد، علي؛ إستدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص 121. [2] أنظر: عباس، إحسان، إتجاهات الشعر العربي، ص 161 ، بتصرف. [3] عشري زايد، علي؛ إستدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ص 122، 123. [4]أنظر: السلمان، علوان، رمزية الامام الحسين (ع) في الشعر، الحلقة الثانية، ص 1-3. [5] أدونيس؛ الأعمال الشعرية الكاملة، ج 2، ص 85. [6] أدونيس؛ الثابت والمتحوّل، ج 1، ص 148. [7] أنظر: الكركي، خالد، الرموز التراثية العربية في الشعر العربي الحديث، ص 183 ،بتصرف. [8] أدونيس: الأعمال الشعرية الكاملة، ج 2، ص 185، 186. [9] أدونيس؛ الأعمال الشعرية الكاملة، ج 2. (مرآة لزيد بن علي)، ص 140. [10] أدونيس؛ الثابت والمتحول ج 1، لـ : «بحث في الإتباع و الإبداع عند العرب»، ص 197. [11] م. س، ن.ص. [12] أدونيس؛ الأعمال الشعرية الكاملة، ج 2، (مرآة لزيد بن علي)، ص 340. [13] م.س، ص 339. [14] نشاوي، نسيب، مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر ـ الإتّباعية، الرومانسية، الواقعية، الرمزية، ص 504. • فاطمة فائزي ماجستير اللغتين العربية ـ جامعة العلامة طباطبائي طهران Email: [email protected]