التاريخ يبدأ قبل عاشوراء/حيدر الجابر

Tue, 12 Nov 2013 الساعة : 23:13

لأن لدينا تاريخاً حافلاً بالمآسي، دائماً ما تنتهي مناقشته أو قراءته بأزمة، تبدأ بالشتائم وتنتهي بالقتل. أزمة التاريخ الإسلامي تبدأ من الأحداث وصولاً الى التصنيم. يتفق المؤرخون على المعارك وعدد القتلى، ويختلفون على الاسباب والمسببات، ودائماً ما يسرح خيالهم بعيداً، مبتكرين قصصاً وحكايات، ليس المهم أن يقنعوا احداً بها، أو أن ينصفوا حقيقة، فقط أن يبرّروا، ويبرّروا، ثم تنطلي حيلهم التاريخية على من لايحبذ المنطق، ولايستنطق العقل، ولا يستقرئ التاريخ. التاريخ لايولد في لحظة، إنه تراكم لأسباب وأحداث ضاربة في عمق الزمن، ونتائجه لاتنتهي في لحظتها أو تتلاشى آثارها ولو بعد حين.
في واحدة من أكثر عُقَد تاريخ صدر الإسلام العصية على الفهم، أن ينشب خلاف بين الجيل الطليعي من أصحاب الرسول الأعظم (ص)، ذلك الجيل الذي تحمّل المصاعب والعذاب والغربة، جيل بُشّر عشرة منه بالجنة وهم أحياء، ورضي الله عن معظمهم ـ إن لم يكن كلهم ـ ورضوا عنه. دارت بين أعضاء هذه الثلة المقربة من مصدر الإسلام حروب طاحنة، راح ضحيتها عشرات الآلاف في بضع سنين، ومئات الآلاف في القرون التالية. ولم تقتصر الحروب بين الرجال، بل استُدرجت إحدى أزواج الرسول (ص)، واجبرت على أن تكون رمزاً لأحد المعسكرين بدل أن تكتفي بالدعاء لأبنائها بالصلاح والمغفرة. ما زالت انعكاسات هذه المعارك الضارية متوفرة في كل مفاصل حياتنا.
التاريخ قصة وحكمة وحُكم، ولايفهم هذه المعادلة أولئك الذين يحاولون استغفالنا، ورسم صورة بريئة ناصعة البراءة للأحداث التي تلت وفاة الرسول الكريم (ص) حتى مقتل علي بن ابي طالب (ع)، حيث تجد أبطال الأحداث وخلال 30 عاماً هم مجموعة من الكاملين الناضجين الذي قوّضوا عبادة الأصنام الضاربة في جذور الجزيرة العربية، وأنتجوا مجتمعاً محصناً قوياً، حرّر الأمم الباقية من الظلم والجهل. أقول أن هذه المجموعة ـ والعهدة على المؤرخين ـ استطاع شخص واحد فقط أن يحركهم كالدمى، وان يمسح ماضيهم، ويصنع حاضرهم، ويقرر مستقبلهم. يعزو الكثير من المؤرخين سبب الفتنة التي أحاطت بالمسلمين في الأيام الأخيرة من خلافة عثمان بن عفان (رض) إلى شخصية مجهولة، خرجت من الظلام ثم عادت إليه، "عبد الله بن سبأ"، الذي أبدى قوة عقلية فريدة، واستطاع أن يوقع بين رموز هذه الأمة، الذين قتل بعضهم بعضاً، وهم "يظنون" أنهم على حق.
سؤال مهم: ما دور العقل حيال هذه القصة؟ وسؤال أهم: ما مدى حصانة الإسلام الذاتية أمام رجل "واحد" فقط استطاع أن يبعثر أمة في سنوات قلائل؟ الجواب عند المؤرخين أعلاه.. أو لا جواب أصلاً.

Share |