قصة متشرد/ رنا الناصري

Mon, 11 Nov 2013 الساعة : 12:36

كان واقفا هناك عند النافذة متلهفا ومتشوقا لرؤيته,ترى متى سيأتي متى سأحضنه؟هكذا كان مصطفى يتساءل مع نفسه ولم يسمع نداء عائلته له حينما نادوه ليجلس معهم على طاولة الطعام,طبطبت أمه على رأسه تعال لتناول الطعام,كلا كيف لي أن آكل ووالدي لم يأتي بعد ألم ننتظره؟ فقالت له أمه:هيا يا ولدي فإن والدك قد تأخر وطريق العودة من السفر طويلة فقد لا يأتي الليلة جلس مصطفى كغير عادته على المائدة,لازال حزيناً لأن والدي لم يأتي بعد هكذا كانت تقول أخته الكبيرة,وقالت أخته الوسطى:هيا يا مصطفى تناول الطعام ياحبيبي حتى تكبر وتسافر مع والدي,ابتسم مصطفى وهو يتمنى ذلك فعلا فهو متعلق بوالده كثيراً...
رن هاتف المنزل فنهض مصطفى مسرعاً انه الهاتف انه الهاتف هيا يا حنان هيا يا بسمة أكيد انه والدي,أمي أرجوك إني لا اصل إلى الهاتف,ضحكت أمه:نعم يا ولدي لا زلت صغيراً على إحضاره لكن لا تخف سأنزله واضعه على الطاولة بدلا من الطرف العلوي....
ألو؟؟نعم؟؟من أنت؟؟ماذا كيف ومتى وأين آه!مابها أمي؟ لقد سقطت أمي على الأرض!مالذي حدث؟الو؟صرخت حنان بكت بسمة..لم افهم مايجري لكني كنت متأكداً أن شيئا حصل لوالدي اهو ما أتوقعه؟ لم اعرف ما افعل هل اسأل اختاي مالذي حدث أم أرى أمي التي طرحت أرضا ..
لم ينم الولد الصغير مصطفى في تلك الليلة أبدا ولم يبكي لأنه لا يعرف ماجرى أتى أقاربه وهم حزانى منهم من يبكي ويصرخ ومنهم من يحاول تهدئة الوضع..حاول مصطفى أن يسال هل والدي حصل له شيء؟لم انتم هكذا؟ سمع عمه وهو يتكلم مع أخته الكبرى حنان وهو يقول:لا تقولوا لمصطفى شيء لازال صغيرا جدا عن فهم هذا الموضوع وان سألكم قولوا أن والده سيتأخر بسبب العمل وحنان تبكي وتقول وكيف لي أن أقول ذلك, حينها علم الصغير انه لن يرى والده مرتاً أخرى وان ماكان ينتظره هناك عند النافذة بتلهف وشوق كان سراباً ..
فتح مصطفى الباب المنزل بدون علم احد من العائلة وهرب مسرعاً لكنه لا يعرف إلى أين يذهب,لأول مرة مصطفى يبكي بهذا الشكل انه طفل صغير لكنه هادئ وعاقل هكذا كانت عمته تتكلم عنه مع العائلة,في تلك الأثناء انتبهوا لغياب مصطفى بحثوا عنه ولم يجدوه,انتبهت الأم واستيقظت من حالة السكون الذي كانت عليه وبدأت تنادي بأعلى صوتها مصطفى مصطفى,لم يجدوا أثرا لمصطفى أكيد انه هرب ليبحث عن والده..بدأ الجميع بالبحث عن الولد الصغير لكن لم يجدوا له أثرا..في تلك الأثناء مصطفى كان مختبئاً في إحدى الضواحي من الشوارع القريبة من منزلهم وهو يبكي ويفكر أن موت والده ليس مجرد صدفة أكيد انه عمل مشين مثل مايراه في التلفاز وما يحصل كل يوم كان خائفا من هذا اليوم ..
مصطفى..نهض الولد ورأى عمه آتٍ نحوه وهو يحضنه..شعر الصغير بنبضات عمه المسرعة,أين ذهبت كيف لك أن تهرب من المنزل لماذا تبكي يا صغيري؟أنا أعلم أن والدي مات ولم أعد بإمكاني رؤيته..لماذا تبكي يا عمي انه والدي وليس والدك أنا من عليه البكاء وليس أنت أنا من أصبحت يتيماً وليس أنت,تعجب العم من كلام طفل في الثامنة من عمره كيف له أن يعرف هذه الأمور..طبطب العم على مصطفى وقال له لا يا عزيزي والدك مسافر ولكنه سيتأخر بالعودة ونحن حزينون على شيء آخر..لا تكذب علي مثلما فعل والدي,فقد قال لي انه سيحافظ على نفسه ويعود سالماً لنا وسيحظر الهدايا أيضا,لكنني متأكد أنني لن أراه بعد اليوم,فقال العم:تعال يا مصطفى لنعود للمنزل فأمك قلقة جداً...وبعد أيام من الحزن والسواد في المنزل علم مصطفى أن والده استشهد في إحدى الانفجارات وهو عائد إلى المنزل ومعه الهدايا لحبيبه وطفله مصطفى وهو عائد لعائلته التي لم يرها منذ شهرين تقريباً..وهنا بدأ مشوار التعاسة لدى عائلة مصطفى وأمهم من يتحمل هذا العبء فليس لديها من يدافع عن ميراث زوجها الذي لم تر منه شيئاً فقد أخذوه ولم يعطوها أي شيء وهكذا تشرد مصطفى في شوارع مدينته المخيفة وبدأ بتجارة الأكياس في الأسواق المزدحمة والتي لا ترحم من هم في مثل حالته وبدأ كغيره من الأطفال الذين تيتموا وأكلت حقوقهم وتشردوا في الشوارع ليساعدوا أهلهم,ولكن ما الفائدة فقد تحطمت أحلامهم وآمالهم حتى بدؤوا بتعاطي المخدرات والتدخين وصاروا يلجئون للسرقة وحتى من منهم يشارك في ارتكاب الجرائم.فلم تعد للرحمة وجود ولا حتى الرأفة ! 

Share |