ألغاز فؤآد التكرلي/نعيم كر م الله الحسان
Sun, 3 Nov 2013 الساعة : 14:26

لم يحظى الروائي العراقي الكبير فؤآد التكرلي بإحتفاء وطني يرقى الى مستوى نتاجه الأبداعي المبهر سواءا كان في حياته أو رحيله بعدما أمضى زمنا طويلا خلف ستار من النسيان يصعب تفسيره في السنوات الأخيره لكنه ربما يكون مفهوما قبل التغيير الذي حدث في العراق عام 2003 بسبب روايته النادره والرائعه {الرجع البعيد }والتي تعتبر بحق العمل الأدبي الذي أظهر وجه الروايه العراقيه وجعلها تصطف الى جنب النتاج العربي والعالمي في هذا المجال
فرواية الرجع البعيد هي وثيقة إدانة إنسانيه وأخلاقيه لصعود الفاشيه في العراق وممارستها تدمير البنيه القيميه الأساسيه للمجتمع العراقي
وبهذا تتوضح الأسباب التي جعلت من مبدع متمكن مثل فوآد التكرلي أن يكون بعيدا ومغيبا عن المشهد الثقافي العام في زمن الديكتاتوريه
تنطلق رواية الرجع البعيد من ثيمه أساسيه هي غاية في الرمزية والتلغيز لتحولات قهريه وقعت على المجتمع العراقي إبان حقبة تبادل الإنقلابات العسكريه في العراق وما رافقها من قتل ودمار وتصفيه وإقتحام الخطوط الحمراء التي تجعل المجتمع في حصنه الإنساني الحريز
هذه الخطوط إنتهكت وسحقت القيم الأخلاقيه والمجتمعيه على يد الإنقلابين الذين يحملون تعطشا غريب الى الحط من كبرياء المجتمع العراقي وحصانته وقيمه الأزليه الثابته والراسخه عبر عصوره المختلفه
فكل شخوص الروايه وأبطالها يمثل نمطا مجتمعيا تعرض للإستلاب والإرباك ومجهولية المصير بعدما تعرضت قيمه الشخصيه في الصميم للتدمير والمحاربه من قبل الوجوه اللامباليه للمحنه التي سببتها سلوكياتهم المدمره
{فمنيره }المدرسه الثانويه الشابه في حقبة الستينات والتى تمثل الطموح والتمدن وتعلم المرأه في مجتمع يريد أن ينمو تتعرض الى محنه قاسيه تهدد وجودها في الحياة وتجعلها بلا معنى مجهولة المصير خائفه ومنعزله تتملكها رغبه عدميه بعدما تعرضت للإغتصاب وفقدانها لرمزية الشرف في جسدها من قبل إبن أختها {عدنان}والذي يعمل مسؤلا في الحرس القومي إبان الإنقلاب عام 1963
وبهذا تعتبر محنتها مركبة ومعقده فالمغتصب هو من محارمها وهذا بحد ذاته إستغراقا في محو القيم الثابته لمجتمع يقدس القيم ويتفانى من إجلها من قبل الغاصب المنتمي للحرس القومي الذي قاد الإنقلاب ونفذه
وبذلك يظهر جليا مراد الروائي الدال على أن{ منيره }هي الوطنيه العراقيه وقيمها التي إنتهكت على يد الإنقلابين الذين يمثلهم {عدنلن} قائدا للحرس القومي الذي إرتكب الفضاعات بحق أبناء الشعب العراقي
في الوقت الذي برز فيه {مدحت}الشاب المتعلم المفجوع في ليلة زفافه بإنهيار عالمه المثالي حين يفاجئ بجسد منيره المعتدى عليه والتي أصبحت زوجته وفق قيمه التي هي جوهر شخصيته
ويظل مسكونا بمنظر الكلب الذي دهس على إسفلت الشارع في يوم ممطر وتلاقي نظراته مع نظرات الكلب المحتظر وهو يتلوذ خوفا من رصاص الإنقلابين الطائش مصمما على العوده {لمنيره} من أجل إحتواء الأزمه وترميم شخصيتها المحطمه وهي تستشعر العار والخذلان وعدم تفهم المحيط للكارثه التي حلت بها
الكارثه الذي صورها وصقلها قلم الروائي فؤاد التكرلي لكي يكون الأدب الخلاق شاهدا على محن الامم وإنتصاراتها


