الزمن الصعب قصة قصيرة-عبد الرزاق عوده الغالبي/الناصرية
Wed, 11 May 2011 الساعة : 12:39

بلدي الحبيب بأوقات كارثية و عصيبة من الحروب والويلات التي أخذت منه كثيرا وقد اتضحت انعكاساتها السلبية علينا و على الفتية من أبنائنا فخلقت جيلا منفلتا قليلا ويتصف بلامبالاة.!! وكانت تلك الصفة بمثابة عازل بين تربيتنا الكلاسيكية المبنية على احترام الأبوين وأطاعتهما والمد الجديد والغريب علينا الذي يشغل عقول أبنائنا ..!! ثم أضافت سنوات الحصار هما و كما سلبيا جديدا من الخوف من الجوع والجري وراء الثراء بكل الوسائل المتاحة وكانت فوبيا الجوع هي المحرك الأساسي في خلق جيل اخر مختلف عنا فاتسعت الهوة بيننا وبينهم وأصبحنا بمعزل عنهم لا نفهم اراداتهم ولا حتى أفكارهم المتضاربة و سريعة التغيير..!! في ذلك الكم المأسوي كنت أصارع الحياة مدرسا قي احدى مدارس البنات قي مدينتي الجنوبية وكان لتلك المدرسة خصوصية , بأ ن معظم طالباتها من الأقضية والنواحي والقرى المحيطة بالمدينة لذا معظمن نزيلات القسم الداخلي المعد لمبيتهن .اما دوام ا لمدرسة يبدأ يوميا بوقوف الطالبات بأصطفاف لقراءة النشيد الوطني ورفع العلم وتحيته وتلقى بعض الكلمات بتلك المناسبة ويستمر هذا الاصطفاف لمدة ساعة تقريبا ..!؟ وكل شيء عادي ويحدث في جميع مدارس القطر, لكن الشيء غير العادي والذي لفت انتباهي هو سقوط بعض الطالبات على الارض بعد مضي نصف ساعة من زمن الاصطفاف وفقدانهن الوعي وهذه الحالة تحدث كل يوم وبأطراد مما اثار فضولي وحبب لدي الاطلاع والوصول لأصل الحكاية.. وبعد مسائلة الزملاء من المدرسين اتضح ان ذلك الحدث ضرب من ضروب الغنج والدلال الانثوي والرقة الزائدة عن اللزوم من قبل بعض الطالبات...!!؟؟ وانتهى الحديث عند ذاك الحد. وأتفقنا بالتحدث مع الطالبات عند الذهاب للفصول الدراسية ونصحهن بالابتعاد عن هذه الظاهرة السلبية ...!! والذي حدث ان الطالبات قابلن حديثي بأمتعاض شديد وقبيل انتهاء المحاضرة استأذنت احدى الطالبات بالسماح لها بالحديث معي عن الموضوع وقالت:
استاذي العزيز اتعلم السبب الحقيقي وراء سقوط الطلبات اثناء الاصطفاف وفقدانهن الوعي ؟ اجبت:
:كلا والله...!! واستطردت الطالبة بالحديث قائلة:
ان السبب الحقيقي يا أستاذ هو الجوع..الجووووووع....!!؟؟..والجوع افة لا ترحم.. !! الم تلاحظ يا استاذ ان معظم الطالبات الذين حصل لهن هذا الامر هن صفر الوجوه وملابسهن رثة.!!؟؟...قلت :
نعم والله لاحظت ذلك!! وبدأ الدم يصعد الى وجهي وشعرت بثقل في قمة رأسي من الانفعال والخجل بعد ان عرفت الحقيقة...وتلمست المأساة فتضاربت الافكار في رأسي وشعرت بحرج شديد وتلعثمت وتاهت الكلمات مني فلم استطع قول شيئا .. فأنقذت الموقف بتركي الصف وأنا ارتجف من هول الموقف واتجهت نحو الادارة وأنا في حالة يرثى لها والتقيت بمديرة المدرسة للتحدث معها عن الامر ومعاتبتها عن ذلك فاجابت المديرة:
ماذا نفعل يا أستاذ ان عدد الطالبات كبير والمخصصات قليلة لا تكفي لشراء ثلاجة او مجمدة لحفظ الطعام الذي تجلبه الطالبات من بيوتهن في بداية الاسبوع لذلك يفسد الطعام وقد تسممت بعض الطالبات نتيجة لذلك وهذا ما جلب لنا المصائب والمشاكل مع أولياء أمورهن لذا أبلغناهن بعدم جلب الطعام معهن في نهاية الاسبوع والاكتفاء بشراء الطعام من السوق فقلت:
و ماذا عن الطالبات الفقيرات الذين ليس لهن القدرة على شراء الطعام أجابت المديرة:
أعانهن الله على ذلك....!!؟؟ فخرجت من الادارة غاضبا وانا أسائل نفسي...الى متى يدوم هذا البؤس ...أليس للظلم والفساد من نهاية في هذا البلد....؟؟ .. أعانك الله يا عراق وأعان شعبك الأبي.....وانقشعت الغمة وجاء التغيير ولبس العراق ثوبا جديدا......فهل من تغيير يا ترى..؟؟؟!!!