الدولة العصرية .... دولة المؤسسات ؟/ ابراهيم شلال الشريفي

Wed, 30 Oct 2013 الساعة : 23:45

الحديث عن دولة المؤسسات في الدول المتقدمة التي توجد فيها مؤسسات دستورية بالفعل لا نجد حديثا كثيرا عن هذا الموضوع وإنما نجد فعلا اختصاصات حقيقية لهذه المؤسسات. فما هو مفهوم الدولة العصرية، وما تعنيه دولة المؤسسات التي نتحدث عنها كثيرا ولا نمارسها فعليا ؟.

‏إن مفهوم الدولة ليس قديما جدا فمعظم المفاهيم التي تعبر عن القدرة والنظام تعود بالأصل إلى المدينة اليونانية والإمبراطورية الرومانية، المفهوم الحديث للدولة نشأ بالتدريج في أوروبا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر ودخل منذئذ في المصطلح السياسي واكتسب معناه الفني (التقني) وأصبحت الدولة تؤلف الطريقة الوحيدة لجمع المجتمعات في العالم المعاصر في إطار سياسي وفي نهاية هذه الفترة اتخذت الدولة مفهوم المجتمع السياسي أولا في ايطاليا في عهد (الانبعاث) ومن ثم في انكلترا وفي فرنسا في منتصف القرن السادس عشر وأصبحت تعبر هذه الكلمة الجديدة عن حقيقة جديدة واتخذ معناها الحاضر، أي معنى المجتمع السياسي الأعلى الذي تنضوي تحت سلطانه سائر السلطات السياسية والاجتماعية، وهذا ما يعرف في أنظمة الحكم باسم (الديمقراطية) التي في ظلها تأكدت دولة المؤسسات والتي لم يعد من الممكن في ظل دولة المؤسسات أن يقول حاكم كائنا من كان أن يقول «أنا الدولة» إلا إذا كان هناك خلل في العقل أو كان ينتمي إلى زمن غير هذا الزمان.

‏والديمقراطية تعني التعددية السياسية، بمعنى إن الاختلاف حق طبيعي لبني البشر، وان كل اتجاه يستطيع أن يعبر عن نفسه ويدعو الناس إليه، وصاحب الأغلبية من حقه أن يحكم كما إن الأقلية من حقها أن تعارض وتسعى لتكون أغلبية في يوم من الأيام، وهكذا يتم تداول السلطة سلميا وذلك في ظل سيادة القانون، فالناس سواء أمام القانون كانوا‏ حاكمين أو محكومين يلتزمون بالقاعدة القانونية تلك إن القانون يعلو الإرادات جميعا ويحكم الإرادات جميعا.

‏وفي ظل النظام الديمقراطي لا ينفرد الحاكم برأيه ولا يستبد بهواه ولا يتصرف بمفرده وإنما الشعب كله ممثلا في الدولة هو الذي يمتلك السلطة بكل مظاهرها وتقسيماتها، ولم يعد يمتلك السلطة فرد أو فئة وإنما أصبح هناك ممارسون للسلطة في ظل الدستور الذي يبين نظام الحكم في الدولة ويحدد الذين يمارسون هذه السلطات وفقا لما يرسمه من حدود.

‏وفي الدولة الحديثة لا توجد مؤسسة واحدة ولا سلطة واحدة وإنما توجد هناك سلطات كل منها تمارس بواسطة مؤسسة دستورية. هناك سلطة تشريعية والتي تمارسها مؤسسة اسمها البرلمان» سواء يتكون البرلمان من مجلس واحد أو من مجلسين وفقا لنص الدستور. وهناك سلطة تنفيذية تمارسها كل المؤسسات التنفيذية. وهناك سلطة القضاء تمارسها المحاكم على اختلاف أنواعها . وكل سلطة من السلطات لها اختصاص محدد في إطار الدستور، فإذا هي خرجت عن هذا الاختصاص المحدد كان خروجا غير مشروع. وبذلك لا يستطيع احد التدخل في اختصاص أي منها لأن الدستور وزع الاختصاصات وحدد لكل مؤسسة اختصاصها وجعل المشروعية مقرونة بالاختصاص القانوني، وهذا هو جوهر فكرة دولة المؤسسات.

‏والمؤسسات دائما متجددة على حين إن الأشخاص ‏الذين يمارسون سلطة المؤسسة باسمها وفي حدود الدستور متغيرون وزائلون، ولكن المؤسسات باقية ولا تتأثر بتغير وزوال الأشخاص، إذن المؤسسات في الدولة الحديثة هي أجهزة الدولة للقيام بوظائفها واختصاصاتها في الإطار الذي يحدده الدستور والقانون ويعهد إلى أشخاص معينين لممارسة تلك الوظائف والاختصاصات باسم المؤسسة وليس باسمهم الشخصي.

‏وان نجاح بناء مؤسسات الدولة في العراق الجديد مرهون بقيامه على قاعدة اللامركزية أو الفيدرالية في كافة الشؤون المحلية وعلى مبدأ المشاركة الشعبية الواسعة في الحكم ومبدآ النهج الديمقراطي، باعتبار إن الحكم اللامركزي هو الشكل الديمقراطي الراقي وهو الأساس الموضوعي والذاتي المتين لبناء الدولة الحديثة , والحفاظ على وحدة كيان الأمة وتجنيبها سيادة الفردية الدكتاتورية والتسلط ونهج الحكم المركزي والعشائري والطائفي. كما ان نجاحها مرتبط بتوفر شروط تثبيت سيادة الشريعة والقانون والنظم على كل هيئات ومؤسسات وأفراد الدولة والمجتمع وعلى طول وعرض البلاد.

‏وعلى السلطة إن تشرك جميع القوى السياسية والوطنية في إعداد قانون انتخابات منسجم مع الجميع وتقديمه إلى مجلس النواب وان تأخذ في الاعتبار مبدأ المشاركة الشعبية في الحكم حيث يمارس المواطنون بكل تقسيماتها الإدارية حقوقهم وبطريقة تمكنها من التنافس الايجابي لبناء صرح الدولة العراقية الحديثة من خلال ازدهار وحداتهم الإدارية اقتصاديا واجتماعيا على قاعدة الانتخابات المباشرة والحرة لكل هيئاته وهذا هو الأسلوب الأمثل للممارسة الديمقراطية المباشرة والشكل الحي الذي يضمن استنهاض كافة قدرات المجتمع ويؤمن بالمشاركة الشعبية العامة الفعالة في عمليات البناء والتطور الوطني الديمقراطي في البلاد ويجعلها قادرة على مواجهة وتجاوز الأزمات الأمنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة. والأخذ بعين الاعتبار ما جاء في وثيقة السلم الاجتماعي
وغيرها من اجل إعطاء صورة مشرقة عن العراق الجديد لا العكس من خلال ما نشاهد من غسيل لبعض الساسة العراقيين لبعضهم البعض من خلال بعض القنوات الفضائية وتاركين المؤسسات الرقابية خلف ظهورهم وهذا إن دل على شيء إنما يدل على بساطة هؤلاء الساسة وجهلهم بأمن البلد القومي الذي هم جزء أساسي منه وتجريح بالمؤسسات الدستورية وأيضا إعطاء صورة غير مشرقة لمستقبل العراق .
لذلك نحن نطالب الكتل جميعا بحسن الاختيار سواء لمجلس النواب أو المناصب الوزارية والدرجات الخاصة ليكون وجه العراق المشرق . 

Share |