ازقة مظلمة ..../عبد الجبار الحمدي
Sat, 26 Oct 2013 الساعة : 17:49

دخل المساء بعد ان ارتدى حلته السوداء الداكنة الى الحارات وشوارعها، منزلقا بين أزقتها الضيقة، متسللاً على حوائط المنازل، مختلسا الانظار، موحيا لهم بأنه ملك الظلام الدامس، يحمل في جعبته اشباحا ليلية، تخيف من يشاء، لارحمة لديه ... فزبانية الليل يترنحون تمايلاً عربدةً، ظناً منهم تسامراً مع ليل ... ألقى بجن حملهم تحت ردائه، فمنهم من أمر كلاباً بعواء .. ومنهم أمر قططاً في مواء .. ومنهم صرير بصفير بأفواه جنٍ مشعوذ هتكوا ستر صمت المكان، إلا من ذلك الزقاق الطويل المظلم، والذي لم يقترب منه أحد من جن الليل، كونه يذهب إليه بنفسه لمسامرة وقضاء ساعته الطوال حتى انبلاج صاحب النور الاكبر، الصباح، حيث تفرق كلٌ لمهمتة عليهِ أنجازها، تدحرجت غانيات الظلام بعد ان توشحن جسداً عارٍ إلا من بقايا ملايات تستر مالا تريد بيعه لعرابيد الشوارع والازقة المظلمة، لم يكترث، فقد اعتاد رؤيتهن كل يوم وهن يروجن بضاعة عفن طالبها لذة في وقت خلسة بدنانير محرمة تحت جنح ظلام، ركب الليل نسمة تاهت من كثرة عواء كلاب ومواء قطط مع ضحكات ماجنة في أزقة معتمة، سارت حتى اوصلته الى من أختاره لأن يكون ضيفا عليه مثل كل ليلة، لم يستغرب نديما له... فقرسة برد من نسمةِ هواء بوخز قشعريرة بيد ليل ... كفيلة بتحركه، بيد أنه كان مرتديا ظنونا وخيالات ذكريات مؤلمة لاينساها، أمنيات لم تتحقق إلا بشراب معتق في زقاق خال، ليتسنى ان يكون كما يشاء فيه.. ملكا او بطلا لقصة حب، او صعلوكا متمرداً على واقعه المرير ... رحب برفيق صاحب عتمة في ظلام .. بسط له ظهور عبيد أوسدةً يتكأ عليها في ساعاته الطوال، اخرج من تحت إبطه قنينة الخمر المغشوشة فلم يعتاد على النوعية الجيدة، بل لم يذقها أوحتى تشرف بلمسها كما يقول لسيد الظلام ... أوتراك ترتشف معي حتى اكون سيدك وانت خادمي حتى الصباح؟ ام انك تبقى تغصغص عليَ افراخ هواجسي وبُنيات أفكاري مني؟ بعدها تسلخ فروة ذكريات رأسي بواقعي المهجور منذ نعومة أظفارك، حين كنت غراً معي في ذلك اليوم الذي بصقت في وجهي وانتعلت مشاعري، ثم سرت فوقي ومعي و.. بوساوس جِنكَ لتريني خداع أمرأتي وصديقي تحت ردائك المملوء بعقارب بشرية ... تخرجها لتلدغ من تشاء مع شياطينك في لحظة ضعف، وتبشر بلذة محرمة، في فضائك الاسود مع قناعةً قد برقعت فيها وجوها أردت لها ان تخلع ستار الحياء لتكون من مومساتك، فقط لترتمي على اعتابك في كل ليلة، ألم تخجل من نفسك في ذلك اليوم؟ حين سمحت لعفاريتك ان تغري نفوسا شعرت بفراق ووحدة وبُعداً سببه البحث عن قوت لسد رمق، لم يرضيك ان ترى ابتسامات مشرقة في حزن ظلامك الابدي، فلجأت لخداع وغزل خيوط بائدة في رغبات زانية تحت ما أرتديته من عباءات سوداء لتشفي رغبة مريضة في نفسك، ارتضيت ان تكون قواداً لشياطينك وثعابينك التي أخرجت من فوهات براكين خامدة على فجور بشري في سوادك الطويل، كأنك اليوم تأتي كعادتك منذ سنين لتكفر عن ذنبك وبراثن خديعة تلمستها وعرفتها، ثم سمحت لها ان تُهتك بموافقتك ووسوسة شياطينك و تحت ومرأى عينيك ...........
لم تلجأ لوخز ضمير في نفس أحدهما، أو عرفانا لذكرى مسامرة معك في عذابات قصة حب عشتها معي...
وقف الليل طويلا مستمعا لنديم قديم .. رغم أنه سمع عتابه ألالاف من المرات وقصته التي يحكيها له ويعيد فيها دون ملل، خيانة في وحشة ستائر ليله المظلم، قال له: أسكب لنفسك شراب وأرتع حتى تنسى أو اسمع ماكان مفروضا ان اقوله لك منذ زمن بعيد، أمتص فمه القنينة حتى خرجت مرارة الشراب من أنفه، دمعت عيناه .. لا.. تذكراً بألم، بل حقدا على ضعاف نفوس، دوت ضحكة صوت نسائي في طرف الزقاق بعد دغدغة من أصابع تحت جنح ظلام، دحرج الليل مفردات الى إذن نديمه وقال: هل سمعت يا عزيزي؟ لم يكن لي يد في هذه ...أو.. تلك انكم انتم أيها البشر، تبتاعون الخيانات في دهاليزي المظلمة، بعده تريدون مني ومن اشباحي وجني ان نركن دو حراك، لقد خلقني الله لكثير من الاسباب ,احدها هتك ستور العهر بداخلكم ايها البشر، يامن تدعون ما لا انتم به على صلة، توشحتم خيوطي وأحجبتي لدسائس في اركاني المعتمة لتخلو الى شياطينكم الانسية لاغراض شخصية، على حساب الفقراء والشرفاء منكم، ليعلو منكم من يعلو كنفايات في حاوية التأريخ، لن اقف حاجزا او واعظاً لضمائر الاخرين ونواياهم المبيتة، فلست من أنزل الله عليه الرسل والانبياء وقران مبين، لم أحِد عن الحق يوما، لم يتغير تأريخي منذ ان خلقني الله، لقد جعلني سترا فَمُزقت أخمرتي وأحجبتي الليلية لمجون في جنون نفوس مريضة ورغبات عقيمة، تنتهي بإنتهاء ملذات حيوانية، لا... لم اكن مخادعا لك، بل خدعك من كان من بني جنسك، فإن اردت ان تلوم وتلعن فألعن حقارة البشرية من الذين هم على شاكلة من تلومني عليهم وشاكلتك، انكم اشباه بشر، بل نفيات تلفظها النار وقودا، بل خبثا بعيدا عن الحياة ولظاً لوجوه سمجة، هيا انزع عنك سرابيل الالم والمعاناة، فقد حان ان تلتقي والاخرين مع راعيكم الجديد ذو الملابس الاكثر سوادا والابشع عذابا، تقدموا كلكلم الى هذا الزقاق، سارت الاجساد وكأنها أقتيدت طواعية الى نهاية زقاق مغلق، إلا من ثقبا يخرج ألسنة لهب لوجوه علاها هلع وخوف حين رأت سوطا بيد جلاد، يدفع بها الى ملك الموت ..
بقلم/ عبد الجبار الحمدي