بين غدير الماء وغدير الولاء/نريمان المالكي
Thu, 24 Oct 2013 الساعة : 0:53

نعيش هذه الايام ذكرى نفحات عيد الغدير الاغر وما يحمله من ذكرى ومنهج وعقيدة، فهو اليوم آلذي كمل فيه الدين وتمت النعمة ورضي الله الاسلام للانسانية دينا، بعد اعلان المصطفى المختار (ص) عن التنصيب الالهي للامام علي بن ابي طالب (ع) خليفة للامة من بعده، حيث ختم الله تعالى الفرائض بالولاية، وجعلها نظاما للامة بعد نبيها (ص).
في حادثة الغدير ان النبي الاكرم (ص) امر الحجيج ان ينيخوا رحالهم في غدير خم، وان يجمعوا شتات الحجيج هناك، اذ تمت البيعة عند الغدير وبجنب الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي.
ربما يبدو الامر غريبا عندما احاول ان اجد علاقة بين الماء والامام، بين غدير الماء وغدير الولاء، منطلقا من سؤال تردد في نفسي واثارة شغلت بالي تقول: ان حصول البيعة بامر من السماء في غدير خم لابد ان تكون له دلالة على علاقة بين اثر وجود وتعيين الامام وبين اثر وجود الماء ومعرفة مكانه.
ولاشك ان وجود غدير الماء في الصحراء القاحلة له لهمية قصوى بالنسبة للمسافرين وله ضرورات نلخصها بما يلي:
1_ ان وجود غدير الماء في الصحراء القاحلة يكون نقطة التقاء مختلف المسافرين وتجمعهم رغم اختلاف مسالكهم ووجهاتهم، فالماء يجمعهم في مكان واحد ويوحدهم بوحدة غايتهم وحاجتهم اليه. وعندما نطبق هذه النقطة على وجود الاما م نجده كذلك، فعندما حدد الرسول (ص) عليا (ع) خليفة من بعده وقال: الست اولى بكم منكم انفسكم؟ فقالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...... الخ، وهذا يعني ان الامة الحاضرة المتوحدة بايمانها بنبوة محمد (ص) يوحدها ايضا تحديد وتعيين الامام _ لو اطاعت نبيها _ رغم اختلاف القبائل والمدن والانتماءات، وكما قالت الزهراء (ع ): وجعل _ الله _ امامتنا نظاما للملة وطاعتنا امانا من الفرقة.
وعليه فان وجود الامام وتعيينه من شانه ان يكون للامة _ لو تمسكت بهدي نبيها _ كوجود الغدير في الصحراء، حيث يوحد الناس عنده وان كانوا من اصقاع شتى.
2_ من الطبيعي ان الماء له اثر تكويني في ارواء الظماء المادي ورفع العطش عنهم، ولهذا فان جميع المخلوقات الحية تحتاج لترتوي وتستمر في الحياة وخاصة بالنسبة لقاطعي الصحراء فإن الغدير يمثل لهم الحياة، عندما لا يجدون له بديلا قريبا.
ولا شك أن الإنسان كما يعيش الظمأ المادي للماء كذلك يعيش الظمأ المعرفي للحقيقة التي يبحث عنها، فالماء يضمن استمرار حياة الجسد في الدنيا، والمعرفة بحقيقة الدين وتعاليمه دون نقص او اختلاف يضمن الحياة الأخروية الأبدية وهذا ما يوفره وجود الإمام للناس "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا .. " وحسب ما تقدم فإن الإمام هو الذي يوفر الرواء المعنوي والروحي والمعرفي للأمة، وقد ورد في دعاء الندبة: "متى نرد مناهلك الروية فنروى متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى".
3 - يوفر غدير الماء الشعور بالطمأنينة والسكينة والأمان للمسافرين، إذ إن قطع مفاوز الصحراء وقفارها يثير الخوف والتوجس والقلق، وما أن يلوح الغدير للمسافرين حتى يتباشرون بينهم، وعندما ينزلون فيه ويحطون رحالهم يأخذون قسطا من الراحة، وكلما كان تعبهم شديدا ركنوا للراحة إلى جوار الماء مدة أطول.
وهذه النقطة كذلك يشترك فيها غدير الولاء مع غدير الماء، إذ إن معرفة الإمام والوصول إليه والتبرك في حضرته والأخذ عنه يولد اطمئنانا نفسيا عاليا وأمانا تاما بسلامة وصحة العبادة والثبات على الصراط، فقد ورد في الروايات: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
4 - الماء مصدر رئيسي للحياة، ولهذا أينما وجد الماء وجدت الحياة، إذ تجد قرب الماء النبات والحيوان والطيور والإنسان وما إلى ذلك من الأحياء، فالأسماك وبعض النباتات وبعض الطيور تعيش في الماء وعلى الماء.
وهذا يعني أن الإنسان المسافر وخاصة عندما يقل زاده يهرع للغدير كي يصطاد ويأكل مما في الغدير وحوله من أسماك وطيور وحيوانات كالغزلان والحمير الوحشية وغيرها، فالغدير إذن يوفر للإنسان رزقه فلا يجوع قربه.
أما الإمام عليه السلام فهو واسطة وصول الفيض الإلهي للناس، وكما جاء في سورة القدر: "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر"، حيث ينزل أمر الله تعالى في ليلة القدر على الأرض بأرزاقها وما يتعلق بها لبقائها ولكن عن طريق الإمام، ولهذا لو خلت الأرض من وجود إمام لساخت بأهلها كما ورد في الروايات.
ومما يتقدم يتضح وجود علاقة وتشابه بين غدير الماء وغدير الولاء، وهي غير متكافئة ولا شك اذ وجود غدير الماء هو فيض من فيوضات بركة وجود الامام عليه السلام.