العراق ــ الكويت ( جنجلوتية الأصل والفرع )-نعيم عبد مهلهل
Wed, 3 Aug 2011 الساعة : 12:15

( تكرار الأساءة )
2
في الجزء الأول من رؤاي عن العلاقة بين العراق والكويت .
وفي الحساب الجغرافي والمنطقي والعقلي وصلنا إلى حكم المنطق أن الكويت أصبحت دولة شئنا أم أبينا .
وكنت قد رأيت الأمر في بنيته التاريخية وديالكتيكها أنما هو لم يزل خاضعا لتأثيرات السنوات العشرين الأخيرة وهي سنوات في قياسها الحضاري والتاريخي والنفسي نال من أذاها الشعب العراقي أكثر ألاف المرات مما نال الشعب الكويتي من الأذى .
فالكويتيين تحملوا الأذى لثمان أشهر هي تقريبا زمن احتلال صدام لدولتهم وانتهى الأمر وعادوا سريعا لبناء دولتهم كأحسن مما سبق، وكان عدد سكان الكويتيين مع المقيمين وقت الغزو لم يتجاوز الثلاثة ملايين . فيما الشعب العراق الذي نفوسه 30 مليونا تحمل الأذى منذ يوم الغزو ولحد الساعة أي حوالي 20 عاما والعراق يدفع ثمن حماقة المهيب ولم يزل البعض في الكويت يصر على تحميل الشعب خطأ رجل وسياسة حكم عاد ليبحث في الخرائط العصملية ليس ليخلق سببا للغزو بل لأن الأصابع الخفية نصحته بدفع الأمر إلى هذا جنون إذا أراد أن يبقي على السيجار الكوبي منتشياً بفمه وهو يرتدي بدلته العسكرية .
دفع هو العراق ثمنها غاليا عبر معاناة تحملتها بطون شعب عودته كرامته أن يعتلي المشانق مع ابتسامته .لهذا كان الحصار عسيرا وقاسيا لكن صبر الناس كان أقوى منه.
وبعد عام 2003.تغير الحال واستقر في خاطر الناس أن طي صفحة العداء بين الكويت والعراق ستنتهي لاسيما أن الكويت هي خاصرة الوجع بالنسبة للعراق عندما تقدمت من أراضيها ارتال الدبابات الأمريكية والبريطانية لتزيح التمثال وتسقطه في ساحة الفردوس وليمرح ولشهور عديدة كل فرسان دول الجوار ومن كان يملك الحنق والحقد على ( عمايل ) صدام ليفعل ما فعله في تهديم وتحطيم البنية التحية والدوائر الأرشيفية وما تعرض له المتحف العراقي لدليل واضح إن ثقافة هولاكو مورس الكثير منها على الإرث الحضاري للعراق وأرشيفه التعليمي والعلمي.
بل وحتى فككت جميع معامله وطائراته ونهبت خزائن شركاته وتم بيعها خردة في دول الجوار وتبخر حديد آلة عسكرية هائلة يقدر بملايين الأطنان ولا يعرف أي ذهبت المعسكرات والمعامل وأشياء تنتظر كشفا تاريخا ووثائق لنعرف من الدنيء الذي استغل الفراغ والفوضى ليسرق كل هذا الخزين الهائل المشترى من مال الشعب وينبغي أن يعود للشعب وليس للحيتان التي دخلت مع الدبابات حاملة حلم رامسفيلد ببغداد الجنة وناطحات السحاب ومحطات المترو في كل حي وقطاع و ( زنكة ).
كنا وكان الجميع يحلم بطي ما كان مع الكويت والذي يعرف الإخوة في الكويت جيدا إن الشعب العراقي لا ناقة له ولا جمل في كل هذا . ولكن يبدو إن حرائق آبار البترول والنهب الذي تعرضت له الكويت على يد الارتال المجوقلة لقوات الحرس أبقى في الذاكرة الكويتية ما لا يراد له أن يمحى .
ففي أيار عام 2005. قام رجل الأعمال والشاعر الكويتي عبد العزيز سعود البابطين بمبادرة ثقافية رائعة النية والقصد عندما دعا حوالي 120 شاعرا ومثقفا عراقيا من أدباء الخارج والداخل لإقامة الأسبوع أو الملتقى الثقافي العراقي الأول في الكويت وهدف الرجل كان ذاتيا ومبادرة منه وهو الذي حتما لا ينسى ما ينتمي إليه ويحس فيه من ذات واعية ومتفهمة لما جرى وعليه ان يعيد ترميم آصرة المودة التاريخية بين الشعبين.
وكنت أنا من بين المدعوين ولا أنكر حسن الضيافة والاستقبال بالرغم من أن المؤسسة الثقافية الكويتية كمؤسسة لم تكن مهيأة للاستقبال الوفد كضيف والذين كانوا في استقبالنا والاختلاط بالوفد ومزاورته ليسوا سوى إفرادا من أدباء الكويت وأكثرهم جاء بحكم صداقة يرتبط فيها مع احد من المدعوين .وبالرغم من أن الوفد كان فيه ساسة ومسؤلين مثل السيد حسن السنيد الشاعر والنائب البرلماني والسيد جابر الجابري الشاعر ووكيل وزارة الثقافة والمرحوم الشاعر التركماني عبد اللطيف بندر اوغلو وزير شؤون التركمان في حكومة كردستان .
وأتذكر أنا حال وصولنا إلى مقر أقامتنا في فندق ماريوت . ظهر علينا احد الإخوان الكويتيين ونطقها بوجهي وبعض الأصدقاء تلك العبارة الترحابية الرائعة : لا هله بيكم ولا مرحبه...!
وقد شكونا ذلك لممثل مؤسسة البابطين واعتقد إن اسم ممثل المؤسسة كان عبد العزيز السريع في نفس الليلة عندما عقدنا مؤتمرا تحضيريا في قاعة الفندق .
فقدم الرجل اعتذاره بكل أدب وقال أن هذا هو تصرف شخصي لا ينم عن أخلاق الكويتي الحقيقي ولا دولته وأميرها.
ولأننا ندرك حجم ما حدث في ما مضى شربنا السُبة على مضض ولم نطيل في محاولة البعض معرفة هذا الشخص ومعاقبته لإساءته .
هذه التصرفات الفردية هي في تقديرنا ليست سوى ترسبات ما حدث وستزول فورا ..
لكن وعلى مدى ثمان سنوات من ( الاحتلال ، التحرير ، التغيير ، سقوط الطاغية ) لم تتقدم العلاقات الكويتية إلى طموح العراق وشعبه .ظل الحذر والريبة هو ما يوسم هذه العلاقة .وظل الإخوة في الكويت يصرون على نيل كامل ما لهم في القرارات الأممية برمش عين . ومالهم هو من حقهم ولكن كان عليهم تقدير الوضع العراقي وتلك الفوضى الخلاقة التي خلقها بريمر بعد رحيله في قرارات مرتجلة خلقت تناسلا عجيبا للإرهاب والفوضى وتصفية الحسابات وأسست لنمط عجيب من المحاصصة الطائفية التي لم يكن العراقي ليعرفها ويدفعه في سنوات 2006 و2007 ليحمل هويتين شخصيتين واحدة تنتمي لعلي وأخرى لعمر لينجو برقبته وهو يعبر سيطرات المليشيات والشواذ الملثمة التي أصبح القتل على الهوية زادهم اليومي.
وهكذا بالرغم من التزاور وفناجين القهوة بين وفود البلدين إلا أن الذي ساد هو الحذر ومرات تحاول الكويت إحراج العراق بمواقف أدت إلى احتجاز مسئوليه في دول الجوار كما حدث لكفاح حسن مدير عام الخطوط الجوية العراقية في لندن.
ربما السفير الكويتي حاول مرارا أن يستخدم روح الدوبلماسية وتلطيف الأجواء وإصراره على إن ما كان لن يعود لكن ما وراء الستار هناك كان يحرك أصابعه وليجيء مشروع إنشاء مبارك الكبير هو القشة التي قصمت ظهر البعير. وليسقط السفير في حرج تصاعد التصريحات المتبادلة وليتخذ من حداثة سقوط شظايا الكاتيوشا على المنطقة الخضراء قرب سفراته حجة ليضب حقائبه الدوبلماسية وليغادر بغداد .
وهكذا دخل العراق في جدل وحرب إعلامية وكل طرف يبين حقه في بناءه أو عدم بناءه.
في المنطق الجغرافي والسيادي ومادام الموقع أرضا كويتية فالكويت من حقها أن تشيد الميناء . ولكن في منظر القصد والجورة والأذى الذي يلحق بالجار فأن الأمر يعد خنقا وتهديدا للاقتصاد العراق لاسيما إن الكويت تملك عدة منافذ بديلة بعيدة عن هذا المكان .وهكذا عدنا ثانية لنقترب بسبب هذا الميناء إلى مشاحنات المربع الأول وما حدث بين ولي عهد سعد الصباح وعزة إبراهيم وعادة إلى ذاكرتنا تلك العبارة الشهيرة لعزة : انتم تريدون قتلنا حين تغرقون السوق العالمية بالنفط . فيرد عليه سعد الصباح :هذا نفطنا حتى لو بعناه بالمجان .
التاريخ يعيد نفسه ولكن بثوب وثقافة وانتماء آخر يكرره السيد حسن العامري وزير النقل بثوب آخر حين يقول : ميناءكم هذا يخنق العراق ويهدده ويحول موانئه إلى مستنقعات ضحلة ونصبح كلنا تحت رحمتكم .
فيرد الكويتيين : هذه أرضنا .نبني عليها ما نريد وما نشاء,!
موقف الحكومة العراقية منذ البدء ومازال من جميع الملف العراقي ــ الكويتي هو موقف غامض تماما وفيه برود كبير وحذر وجبر خواطر .ولم نر للخارجية العراقية أي صوت حاسم في هذا الأمر سوى تلك البرقيات الخجولة لا يعرف معانيها وتغلب عليها عبارات المجاملة .والسيد رئيس الوزراء بسبب الظرف الداخلي ومحنة الحكومة وتشكيلتها لم يظهر للناس بموقف وطني واحد وكما الخارجية تتسم المطالبات بلونها الخجول والمجامل حد الذي جعل الكويت تعلن علنا :أن في زيارة رئيس الوزراء الأخيرة للكويت تم طرح موضوع إنشاء ميناء بحضوره مبارك الكويت ولم يمانع .
ولحد هذه اللحظة لم يظهر ويطل علينا السيد علي الدباغ الناطق بأسم الحكومة ليكذب ويؤكد ما تقوله الكويت على لسان السيد المالكي.
الأيام الأخيرة في إعلان حكومة الكويت رفض طلب للحكومة العراقية وقف عمليات بناء ميناء مبارك الكبير تصاعدت حملات إعلامية وأقلام تعبانه لتمس بالعراقيين كشعب وليس حكومة .وهي ذات المقالات ونمطيتها ما كان يكتب في الصحافة الكويتية في أيام الحصار عندما كان يكتب بمانشيتات صحف الرأي والقبس وغيرها من صحف الكويت عن الشعب العراقي ( ليرمى بحجارة من سجيل ..وليرمى إلى جهنم وبئس المصير ) .
وأنا هنا أتحدى أي كويتي يعطيني مقالا واحدا كتبه عراقي بحق الشعب الكويتي مثلما كتب على الشعب العراقي بأقلام بعض الصحفيين عديمي الجورة والقومية و..................عندما يدعون على العراقيين بدعوات لا تليق بشعب عريق كان ولم ينزل منبعا للتحضر والإبداع والكرم والطيبة .
وربما المقال الذي ظهر في صحيفة الوطن الكويتية العدد 12783 في 29 تموز 2011 ولكاتب صحفي يدعى مفرج الدوسري وفيه تجني وإساءة كبيرة للشعب العراقي ونقاء روحه وسريرته .ويعتمد على فربكة تاريخية طائفية ومقيتة .وتنم روح كاتبها عن دناءة تخيلية واستعلاء وتهجم واضح على أصول وعراقة شعب هو أكثر تحضرا واصلا من أي شعب بالمنطقة .
هذا المقال .طبعا لا يمثل وجهة نظر الشعب الكويتي الطيب السريرة والذي يرتبط مع العراق بآصرة التاريخ والتصاهر والأخوة والانتماء القبلي والعشائري الواحد ولا يمثل حكومته . ولكنه ينتمي إلى مرض موجود عند بعض الساسة والأقلام التي لا تريد خيرا لا للعراق ولا للكويت .ولكن هذا المقال يضعنا على حقيقة واحدة .
إن الدولة في صمتها وعبارات المجاملة في مخاطباتها الرسمية تعطي لهذا ( المفرج ) وغيره ليتمادى على وطن كان منذ البدء هو وطنا للبطولة والسماحة والعلم والخلق الكريم .
وأدناه ملحق بالمقال مقال الكاتب الصحفي الكويتي ( مفرج الدوسري ) في صحيفة الوطن الكويتية العدد . 12783 في 29 تموز 2011 وتحت عنوان ( الو الحجاج )
( المقال الإساءة ) :
اتصلت بالحجاج بن يوسف الثقفي رحمه الله أشكو إليه سوء طباع جيراننا الذين لا عهد لهم ولا أمان فقال رحمه الله:
مرحبا بك يا أبا سالم.. لقد أفسدت عليَّ قيلولتي ولكن لا ضير هات ما عندك.
قلت: وعليك السلام يا أبا محمد، معذرة على الإزعاج، ولكن لابد من استشارتك في أمر قوم تعرفهم حق المعرفة.
الحجاج: قوم أعرفهم! أتعني أهل العراق؟
قلت: وهل سواهم شر في هذه الدنيا يا أبا محمد؟
الحجاج: وما شأنك بهم؟
قلت: قل وما شأنهم بي؟
الحجاج: ارحل ودع أهل الشقاق والنفاق، فأرض الله واسعة.
قلت: لا استطيع، كيف ارحل واترك أرضي وقومي؟
الحجاج: ارحل انت وقومك يا رجل.
قلت: لا نستطيع الرحيل، فنحن جيران، دولة بجوار دولة، ولا مفر من هذه الجيرة.
الحجاج: بئست الجيرة؟
قلت: ماذا نفعل، نصيبنا ان نجاورهم يا أبا محمد، لنصبح على تهديد ونمسي على وعيد.
الحجاج: والله إنهم ليعرفونني كما يعرفون أنفسهم، وحين وضعت عمامتي عرفوا ان الله حق!
قلت: اطلب منك الرأي، والنصيحة، والمشورة، ماذا نفعل؟
الحجاج: النصيحة لا تسدى لمن يبدي الضعف يا أبا سالم.
قلت: تكفى يا بومحمد شنسوي!
الحجاج: أهل العراق لا يعرفون سوى لغة القوة ومنطق البطش والشدة، أخبر قومك ليتعاملوا معهم وفق ذلك.
قلت: رحمك الله يا أبا محمد، وهل يملك قومي مما ذكرت شيئا، الله يرحم الحال.
الحجاج: حيرتني يا رجل، لا تريد الرحيل، ولا يملك قومك قوة، ماذا افعل لك؟
قلت: ألا تستطيع رحمك الله ان تأتي لزيارتنا لبضعة أيام، وتكون في ضيافتنا معززا مكرما!!
الحجاج: كيف، ولماذا؟
قلت: نستنسخك رحمك الله، ونعيدك حاكما على العراق كله، فأنت اعلم بهم وتجيد التعامل معهم.
الحجاج: تستنسخني، ماذا تعني، ثم كيف تعيدني حاكما للعراق وأنت اضعف من ان تصد تهديده؟
قلت: اهدأ يا أبا محمد، اهدأ رحمك الله، اقصد من اتى بحكامه الحاليين قادر على أن يضعك مكانهم!!
الحجاج: اتقصد مولاي أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك؟
قلت: يا عمي أي الوليد وأي بطيخ، أقصد الامريكان!
الحجاج: ومن هم الأمريكان؟
قلت: الفرنجة، الرومان، سمهم مثل ما تبي!
الحجاج: لا ضير في ذلك، افعل ما يعيدني اليهم، والله اني لفي شوق اليهم!
قلت: هم كذلك، في شوق لك يا أبا محمد، ينتظرون قدومك، ونحن معهم منتظرون، فلا تتأخر.
الحجاج: إذن استنسخني، واستنسخ العمامة، ونم أنت وقومك ملء جفونكم!
نقطة شديدة الوضوح:
العقلية العراقية لا تريد ان تتغير، وتحلم بأمرين لا ثالث لهما، حاكم ظالم يبطش بالعراق، وان تكون الكويت جزءاً من أراضيهم، سيتحقق الشق الأول بإذن الله، وأما الثاني «بعيد على شواربهم»!
مفرج الدوسري
رابط المقال في موقع الصحيفة هو :
http://alwatan.kuwait.tt/ArticleDetails.aspx?Id=126642
* نشر المقال الأسبوعي في جريدة الناس عدد 68 في يوم الثلاثاء 2 اب 2011.ولم ينشر كاملا في الصحيفة كون مساحة مقالي الأسبوعي محدودة .والمقال كان طويلا .!