عبد الناصر .. القيادة المتميزة/ طاهر مسلم البكاء

Sun, 20 Oct 2013 الساعة : 19:34

هناك من يقول ان الأنسان يولد موهوبا ً يحمل بذور التفوق ودرجات التمييز منذ دخوله عالم الدنيا ،وهناك من يضع الأدلة على ان الأنسان يتعلم من الحياة ومن المحيط الذي يعيش فيه والظروف التي تواجه ، فقد يفشل في المواجهة فيبدو ضعيفا ً وقد ينجح في المواجهة فيشار له بالبنان ،وعلى كل حال فاننا عندما نستعرض التاريخ تجبرنا شخصيات بعينها على الأعجاب لما انجزت على مسرح الحياة ، وهي من الشخصيات التي تحمل الجانبين معا ً فهي تولد مع المواهب وتصقلها الظروف الحياتية الصعبة التي تواجهها .
جمال عبد الناصر احد الضباط الأحرار الذي تألم لما رآه وعاشه من نكسات عربية امام الغزاة الصهاينة ، فلم يجلس يلوك أخبار الهزيمة ويعيش عمق المأساة بل قام بما أملاه عليه ضميره من واجب وطني في تصدر قياد أكبر بلد عربي وهو مصر ،حيث كان احد قادة ثورة 23يوليو 1952 التي اطاحة بالملكية ومن ثم اصبح ثاني رئيس مصري عام1956، واعطى كل جهده ووقته وحياته لهدف نبيل هو أعلاء الكرامة العربية والمواجهة المستمرة مع المعتدين .
بعد فتح قناة السويس وبروز أهميتها في التجارة العالمية زاد تكالب الدول الأستعمارية على مصر ،وفي نهاية المشوار تمكنت أنكلترا من الانفراد بمصر ثم أتخاذها قاعدة للأنطلاق نحو أفريقيا .
أستمرت مصر تعيش في الظل حتى ثورة عبد الناصر ،ومعلوم أنه لايمكن أن تذكر مصر في عصرنا القريب دون أن يذكر عبد الناصر ، والسبب الرئيس هو أن ثورته كانت ثورة مصرية عربية خالصة وجاءت ردا" على أحداث 1948 .
ومن أكبر الأدلة على ما ذهبنا اليه ،ما أثير في طريق هذه الثورة من مشاكل وتحديات وصلت الى أثارة الحروب المباشرة مع مصر، فالصهاينة
كانوا أكبر ما يخافونه ظهور مصر كدولة قوية يقودها زعيم ، لم يتمكن الغرب من توجيهه حسب متطلباته ومصالحه ،وليس هذا فقط بل أنه برز كزعيم جماهيري في بلاد العرب والعالم الثالث الذي كان قد بدأ يظهر واضحا" في تكتل عدم الانحياز ،وقد ظهر توحد للمشاعر القومية للعرب جليا" في العدوان الثلاثي على مصر ،كما ظهرت بعض التكتلات الوحدوية العربية تأخذ طابعا" عمليا" وواقعيا" بعد ان كانت مجرد شعارات .
لقد أعطى جمال عبد الناصر ،وقتها ، للأمة العربية المنكسرة أمام الصهاينة أنموذجا" عن قوة الأمة وقدرتها على المواجهة والأنتصار فيما لو توافرت الظروف الطبيعية غير الفاسدة ، كما أنها جاءت في وقت كانت فيه أغلب الدول العربية والاسلامية تحت الأحتلال مما أعطى دفعا " وروحا" نضالية لحركات التحرر الناهضة .
كان من ابرز ما تحقق في عهد عبد الناصر هو تدعيم قوة مصر ووقوفها بحزم امام التحديات المصيرية ، وقد حاول في البدء ان يجري محادثات سلام مع الصهاينة غير انه اقتنع بسرعة انهم لايريدون سلاما ً مشرفا ً بل ضحكا ً على الذقون ، وقد اشتهر عنه مقولته :
( ما أخذ بالقوة لايسترد إلاّ بالقوة )
عمل على تعزيز الجانب القومي ودعم حركات التحرر العربية في اغلب الدول العربية ولم يتحقق لزعيم سواه في العصر الحديث الزعامة الشعبية العربية الواسعة ،رغم فشل التجارب الوحدوية التي حصلت ،وبعد مؤتمر باندونج ظهر كأبرز دعاة سياسة دولية جديدة سميت بعدم الأنحياز ،وكان كل من الرئيس اليوغسلافي تيتو والأندونيسي سوكارنو والهندي نهرو من أبرز القادة المؤسسين مع عبد الناصر الذي طفت شعبيته من المجال القومي الى مجال دول عدم الأنحياز ، وعندما عاد الى مصر كان هناك الملايين من الشعب المصري في استقباله في لقاء عفوي شعبي ، كما اعتبر من المؤسسين لمنظمة التعاون الأسلامي .
لايزال يستذكر المصريين ان اكبر انجازاته رغم امكانيات مصر البسيطة هو تأميم قناة السويس وبناء السد العالي وأنشاء اكبر بحيرة صناعية في العالم سميت بحيرة ناصر ،وبصورة عامة فأن النمو الصناعي والزراعي في مصر كان واضحا ً رغم الحروب والتحديات المصيرية التي واجهتها مصر في عهده .

Share |