الفقير والمثقف في الخارطة العراقية/د.عبد الباري الحمداني

Sun, 20 Oct 2013 الساعة : 19:14

لعل العراق البلد الوحيد تاريخيا،ارتبط الحكم به بالابوة والقائد الضرورة،من الملكية حتى المالكية،ولعدة اسباب لعل من ابرزها ان العراق لن ولم يكتب له ان يصبح يوما دولة مؤسسات ولا دولة قانون كما زعم السيد رئيس الوزراء الحالي،فتركيبة العراق الاجتماعية والذهنية والمزاجية لا تسمح بذلك،مادام في العراق قانونان مدني له حضور في اروقة القضاء فقط، وعشائري متجذر في اللاوعي العراقي،فالعائلة والعشيرة والقبيلة،هي الاطار المرجعي الذي يفسر فيه العراقي وباللاشعور احداث الحياة محلية كانت او دولية،وما دامت ثقافة الرمز هي الحاضرة والموجهة لعاطفة وتفكير وسلوك العراقيين،فرموز الشيخ والاب الاكبر،ناهيك عن رمز السيد،هي المتقدمة والحاضرة،ولا نريد هنا ان نقول ان ذلك خطأ او سبه،فهذه تركيبة المجتمع وذهنيته،ولكن ما نريد الاشاره اليه ان خطورة ذلك تكمن في تناقض تلك الرموز وتناسبها العكسي مع ثلاثة مفاهيم(القانون،المجتمع المتماسك،والمؤسساتية)،فكلما غاب القانون وضعف المجتمع وسادت الفوضى،كلما كان حضور تلك الرموز فاعلا،كلما اشار ذلك الى وجود ازمة وعلاقات قلقة وتهديدات،وتشير دلالة ارتباط تلك الرموز بقضايا ومشكلات،محلية ضيقة (الفصل،نثر الدم،السوده بوجه راعيها،العطوة،كسر العظم)،صعودا الى( المصالحة،وثيقة الشرف،المحاصصة)،ومن الناحية العلمية،تعتبر الاولى جذر للثانية،والثانية تفرع وغصون للاولى، وبهذا يمكن ان نقول (العشيرة الدولة- الدولة العشيرة)، ولا مكان طبعا هنا للمثقف او صاحب التخصص،لان رئة الازمات التي يساعد على وجودها تلك الرموز المشار اليها، لاتسمح الا بنفاذ هواء الازمات والمشاكل، ومثلما يتبرم شيخ العشيره او السيد من عدم وجود (اطلابه)، اذا مر عليه اكثر من شهر مع-- عدم انكار دورهم هنا في حقن المشاكل لانها تقع بفعل طبيعة المجتمع لا بفعل وجودهم هم،ولكنهم جميعا يتم توصيفهم بالرموز المغذية لهذا النمط من التفكير والذهنية.--، يتبرم كذلك السياسي العراقي، من عدم وجود ازمات يتصيدها لادانة خصومه حتى من نفس الحزب او التيار،
ولعل المبتلى وسط تلك المعمة اثنان(الفقير والمثقف)،لان الاول وجد نفسه تحت وطئة ضغط ابنية الفقر والصراعات والاستبعاد الاجتماعي،فلا تنمية ولا خطط للقضاء على البطالة ولا استثمار ولا استيعاب للاعداد الهائلة من افواج العاطلين- وهذه كلها عوامل لعلائق القلق والتمرد ومضاداة المجتمع- والثاني(المثقف)،الذي وجد نفسه تحت وطأة الاستبعاد من السياسين ،والخوف المتبادل بينه والساسة،والاغتراب في هذه الحالة هو حصة المثقف، تلك هي النظرة السوداوية للوضع السياسي -المجتمعي في العراق، الا ان نظرة متفائلة مفادها ان دور المثقف المتصاعد في اسهامه بتسريع وتصعيد الوعي المجتمعي من جهة، وقيادتاته وتنسيقاته للحراك الشعبي ضد السياسات غير الرشيده للحكومة من جهة اخرى، ساعد ذلك تفشي السخرية الاجتماعية ضد الاحزاب والحكومة والسياسين بشكل عام،والخوف المستشري لدى الساسه بسبب اعترافهم الداخلي غير المعلن في ان امريكا هي من غيرت الاوضاع في العراق وهم من ركب الموجة جاهزة- نشير هنا الى ضعف موقف السياسي امام الناس- وتلك وبكل اسف شرعنه لا واعية من قبل السياسي لتحويل الاموال وسرقتها واستثمارها الشخصي في دول مستقرة مجاورة او بعيده او استثمارها في الداخل،فبعد ان كان لا يملك اجرة تكسي اصبح الان بامكانه تغيل اسطول من التكسيات كمثال على سبيل الحصر،كونه لا يشعر بادنى انتماء لهذا البلد ولا للناس فيه.
المالكي من جهته قرأ الوضع( هو او بعض مستشاريه )، وصرح اول امس ان ميزانية العام القادم ستكون لتنمية الاقاليم وبناء المساكن وتفير فرص العمل وتشغيل المعامل وتنشيط الزراعه،وهو بهذا بعث بنمطين من الرسائل الاول للاستهلاك المحلي خصوصا وان الانتخابات على الابواب،والثاني لخصومه السياسين في انه يتحدث عن موازنه للاعوام القادمة وهو حديث ضمني لولاية ثالثة.

Share |