النصف من شعبان التشغيل الاولي-د.علي سعيد الجابري
Wed, 3 Aug 2011 الساعة : 11:31

نحن نعلم بأن لله سبحانه وتعالى محطات تسريع الثواب ومضاعفة الاجر ، وهذه المحطات قد تكون مكانية وقد تكون زمانية.
فالمكانية منها:- بيت الله والمسجد النبوي والمساجد والمشاهد المقدسة فإن الصلاة فيها يضاعف ثوابها فيما لو صليت في مكان آخر والدعاء فيها تكون مضنة الاستجابة اوكد من غيرها.
اما الزمانية:- كشهر رمضان وشهر رجب وشعبان وليلة النصف من شعبان وليلة القدر ويوم المبعث النبويِِ والايام البيض وغيرها ، فأيضا يضاعف فيها الاجر ويزداد ثواب الاعمال.
وقد شبهها احد المراجع الكرام بأنها كالجوكر الذي يأخذه احد الفريقين في محطة من محطات مسابقات تيليماج فإنه ( أي هذا الفريق ) بفوزه في تلك المحطة من السباق فإنه سوف يحصل على ضعف النقاط فيما لو لم يأخذ الجوكر ، ليقرب لنا الصورة الاولى بصورة حسية تكون سهلة الادراك لكثير من الناس.
والسؤال الذي يرد هو لماذا هذه المضاعفة للاجر ومضنة قبول الاعمال في مثل هذه الازمنة وهذه الامكنة ؟ والجواب عليه ان هذا الفعل من القوانين الالهية الجارية في هذا الكون ، والعقل البشري يحكم برجحان هكذا افعال لانها تساعد الفرد على المراجعة وتحثه نحو العمل .
وقبل الخوض في عنوان هذه المقالة فإننا نلحظ بعض المسائل في زيارة النصف من شعبان والتي منها:-
1- ان الصفة البارزة لهذا اليوم هو ولادة صاحب العصر والزمان الامام الحجة محمد بن الحسن ( عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف) في حين اننا نجد من خلال مطالعة النصوص المتعلقة بهذا اليوم وكما يذكرها صاحب المفاتيح ( ومن عظيم بركات هذه الليلة انها ميلاد سلطان العصر وامام الزمان ارواحنا له الفداء) ونفهم من ذلك ان فضلها ثابت ومثبت ضمن القانون الالهي الذي اشرنا اليه اعلاه ولكن ولادة المعصوم فيها زاد من فضلها لا ان ولادة المعصوم هي الاساس في ثبات فضل هذه الليلة لاكثر من سبب:-
أ- ان الامام علي ( عليه السلام) هو افضل من الائمة جميعا باعتراف المعصومين عليهم السلام ولم نلحظ اهتماما بالغا من قبلهم بيوم ولادته.
ب- لم يبلغ ( بحسب علمنا) أن قام المعصوم باحتفال بيوم ولادة احد آباءه بقدر الاهتمام بيوم استشهاده ، ولكن اقر المتشرعة هذه الاحتفالات لانها تذكر بالله وتكون اسلوب من اساليب التقرب الى الله ، أي بمعنى آخر يكون هذا الاحتفال احتفالا واعيا. ومن ذلك نفهم بأن مظاهر الحزن وسلوك طريقه تكون مساعدة في تربية الامة اكثر بكثير من مظاهر الفرح والسرور.
2- قيام اغلب الناس بزيارة الامام الحسين ( عليه السلام) وهو امر فيه اجر وثواب عظيم الى درجة تذكر الروايات انه ( من اراد ان تصافحه ارواح مئة واربعة وعشرون الف نبي فليزره ( عليه السلام ) في هذه الليلة ).
وعلى الرغم من ان هذا العمل هو من افضل الاعمال الا ان الكيفية ميسرة جدا تصل الى الصعود على سطح مرتفع والقول ( السلام عليك يا ابا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ).
ولكن هذا ايضا ليس العمل الوحيد في هذه الليلة بل هناك الغسل والدعوات الخاصة والصلاة والسجدات وتصل اعمال هذه الليلة الى خمسة عشر عملا ، علما ان الزيارة وردت ثالث الاعمال الخاصة بهذه الليلة المباركة.
3- قيام البعض من الناس بالسير على الاقدام زيارة منهم الى الامام الحسين ( عليه السلام ) وهو امر فيه مشقة وعناء يؤجر صاحبه عليه ولا يعلم فضله الا الله سبحانه وتعالى ولكن اغلب هؤلاء يقومون بالزيارة والعودة الى بيوتهم قبل النصف من شعبان ، فهم صحيح زاروا الامام الحسين ( عليه السلام)ولهم ما لهم من الثواب والفضل الا انهم لم يدركوا زيارته في النصف من شعبان لعودتهم قبله وهو امر قلما يلتفت اليه.
وعودا على بدء فقد ورد ان قوله تعالى (( فيها يفرق كل امر حكيم )) بأنها ليلة النصف من شعبان . وبإجراء مقارنة بسيطة بينها وبين ليلة القدر نجد ما يلي :-
1- ان الاوامر فيها موصوفة بأنها (أمر حكيم) اما الاوامر في ليلة القدر فإنها موصوفة بأنها ( من كل امر) وتشمل ( امر الله ، امر ربك ، امرنا)
2- لم يثبت عمل الملائكة والروح في ليلة النصف من شعبان بعكس ليلة القدر التي ثبت لها ذلك.
3- اختصاص ليلة النصف من شعبان ببعض الميزات مثل غفران الذنوب ، استجابة الدعاء ، احياء القلوب،تقسيم الارزاق،كتابة الآجال،كتابة وفد الحاج. اما ليلة القدر فتشمل جميع ما يخص الانسان والكون من تخطيط واوامر وقدرة على الادخال في ذلك التخطيط وتلك الاوامر.
4- ان ليلة النصف من شعبان هي افضل الليالي بعد ليلة القدر على حد قول الامام الباقر ( عليه السلام) في حين ان ليلة القدر هي خير الليالي على الاطلاق.
وبعد هذه المقارنة البسيطة نجد التقارب من جهة بين هاتين الليلتين وفي نفس الوقت ( لا نقول التباعد) نجد الاختلاف في درجات فضل هاتين الليلتين.
ولما كانت ليلة القدر ( وكما مثل لها احد المفكرين)بأنها كالمصنع الذي يراد تشغيله ، فإن مدير المصنع يكون حاضرا ويراقب العمل وكذلك المهندسين كل واحد منهم متمركز في موقعه والعمال ايضا متمركزين في اماكنهم فكذلك في ليلة القدر فإن الملائكة تعمل والروح يعمل والاوامر كلها تتنزل ابتداءا من (أمر الله ) الذي هو اكبر الاوامر وابعدها تحققا الى (امرنا) الذي هو كلمح بالبصر.
لذا استحق ان نطلق على ليلة النصف من شعبان بأنها ليلة التشغيل الاولي آملين في ذلك اننا احسنا تشغيلها والاستفادة منها ومتأملين في الوقت عينه أن ندرك التشغيل النهائي في ليلة القدر.