حديث العيد/حيدر الجابر

Mon, 14 Oct 2013 الساعة : 15:22

الحداثة تسيطر على كل شيء، وعالم اليوم يبتعد عن عالم الأمس، في كل شيء. التواصل صار أسرع، والحلقة تضيق، ولم تعد الحاجة الى العلاقات الاجتماعية تكلف عناء ومشقة، تكفلت التكنلوجيا بكل شيء. التواصل الحي والعلاقات المباشرة بين الناس انتقلت الى كلمات ورسائل نصية، وصور تنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تحيي الجميع ولاتقصد شخصاً معيناً. ضاقت الدنيا، واخترع لنا الانترنت حياة جديدة، غير حقيقية، ولكنها موجودة. بإمكان كل منا أن يعلم أولاً بأول ما يجري، وهكذا ستتشكل شخصية الأجيال القادمة.. عالم جديد سينقطع عن تجارب آلاف السنين.
للعيد بهجة مميزة عند الأطفال، وأذكر قبل 30 عاماً ـ يا له من عمر طويل ـ كيف كنا نستيقظ صباحاً لنتسلم القطع المعدنية «العيدية»، حيث كانت النقود الورقية حلماً لايمكن الوصول إليه في مثل هذه السن. كنا نقضي معظم الأوقات بين المراجيح، أو مع العائلة نزو أو نُزار. وكانت البهجة متوفرة على بساطتها، وتستلزم بذل الجهد للحصول عليها. لم يكن الحصول على الأمنيات سهلاً، وكانت الصداقة حالة نعيشها كل يوم، وجزءاً لايتجزأ من نسيج حياتنا العامة.
كان العيد في سالف الايام خطة مدروسة للترفيه، ترى الفرحة الحقيقية تملأ النفوس، وتصنع من البساطة صوراً لاتعد ولاتحصى. كل ذلك صار تاريخاً، مع انه من الأمس القريب. مثل كل عيد، ستكثر الأسئلة من قبيل «أين ستقضون، أو أين قضيتم أيام العيد»؟ ولن نسمع إجابة مثيرة. الحياة الاجتماعية الحيّة ضاقت، وستندثر يوماً. العيد اليوم صور وبوستات وتهاني عشوائية، وسنتلقى التهاني على هواتفنا مذيّلة باسماء نعرفها جيداً، ولن يكلف شخص نفسه بكتابة تهنئة خاصة.
للعيد طعم خاص، سيظل باقياً مهما تغيرت الأساليب والظروف، وسيجد أطفال اليوم متعتهم الخاصة، حتى إذا كانت رقمية، أو تفتقد الى روح المعايشة والتفاعل تحت الهواء الطلق. لا اعرف الاسم الحقيقي للعديد من أصدقائي على الأنترنت، وكذلك لا أعرف وجوههم. نختبئ في هذا العالم الخيالي خلف صور وأشكال نتمنى أن نكون مثلها، وسنهنئ بعضنا بالعيد السعيد، تهنئة لا طعم لها، لأنها غير مقصودة ومستنسخة، وتفتقد إلى الروح..
كل عام وأنتم بخير..
جريدة المؤتمر

Share |