عذرا فبغداد ما عادت تقرأ/عبد الكاظم حسن الجابري

Tue, 8 Oct 2013 الساعة : 23:52

إن بغداد بما تمتلكه من ارث علمي وثقافي امتد لقرون جعلها بحق عاصمة للثقافة العالمية, ففيها تلاقت وتلاقحت الأفكار الغربية مع الأفكار الشرقية, وكان البغداديون يمتازون بالتنوع الثقافي والتنوع المعرفي والاطلاع العام والواسع على ثقافات شعوب العالم الأخرى.
بغداد هي الامتداد الشرعي والطبيعي لحضارات وادي الرافدين من شماله إلى جنوبه, فهي التقاء حضارات الجنوب السومرية والاكدية والحضارات الشمالية كمملكة الحضر في نينوى, إن هذا الالتقاء والتلاقح الحضاري في بغداد جعلها في الريادة لان تتبوأ مكانة ثقافية مرموقة في العالم.
وقد تنوعت الثقافية البغدادية وتشعبت فكان تميز بغداد تميزا علميا وأدبيا وفنيا واجتماعيا, وكان الفرد البغدادي يتمتع بشخصية متميزة و(ستايل) خاص يحمل كماً معرفي يجعله حاضرا في كل الميادين, إن هذا التنوع مَكَنَ بغداد بجدارة أن تحوز مكانتها الثقافية حتى قيل "القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"
وقد تجلى الدور الريادي لبغداد بتميز مثقفيها وتصدرهم في كافة المحافل, وقد ذاع صيتهم في كل بلدان العالم وصارت أبحاثهم وأفكارهم وكتاباتهم تُدَرَسْ في جامعات عالمية كثيرة, كأمثال الدكتور على الوردي والشاعرة نازك الملائكة وعبد الرزاق عبد الواحد والجواهري .. الخ .
ولكن ومما يدمي القلب نلاحظ وبعد ما مر به العراق من أزمات تَراجِعاً في الثقافة البغدادية وحين نقول بغداد نعني العراق كله كونها حاضرته وعاصمته, وقد قل الشغف المعرفي لدى المواطن البغدادي(العراقي), ونلاحظ عدم الاهتمام في التوعية والدفع نحو القراءة والاطلاع على كل ما هو جديد من نظريات وأطروحات في كل الميادين,ازداد التخبط والتشظي الثقافي في بغداد حتى ازدادت الأمية فيها وألقت الأوضاع الأمنية والظروف الاقتصادية والبطالة بظلالها على الفرد العراقي وخصوصا الشباب, فصار الحصول على عمل او وظيفة حلم يُؤَرِق الشاب العراقي.
كما إن المثقف نفسه أصبح يعيش حالة من التخبط في الرؤية وصارت اغلب كتابات المثقفين تندرج ضمن إيديولوجيات حزبية أو طائفية أو قومية, وأصبحت السجالات الفئوية تلقي بظلالها على فكر الكاتب وتوجهه, لذا نرى انحسارا في الإقبال المعرفي والثقافي لدى الفرد العراقي, وهذه طامة كبرى ومصيبة عظمى أن المثقف يتخندق في آفاق ضيقة ورؤية محدودة, ويعطي انطباعا سيئا لدى الجمهور عن طبيعة الثقافة والمثقف, الأمر الذي يؤدي إلى عزوف المتلقي عن الاطلاع على نتاجات وكتابات أصحاب القلم والفكر.
كذلك مؤسسات الدولة التي تعنى بالثقافة والمتمثلة بوزارة الثقافة والدوائر التابعة لها لم تستطيع أن تأخذ دورا فعالا في الترويج لإعادة المشهد الثقافي العراقي إلى سابق عهدها, وحتى إن وجد لها دور فهو دور خجول لا ينسجم والتحدي الذي يعيشه المجتمع العراقي من ترهل ثقافي ومعرفي.
ورغم هذه السوداوية التي يتجه نحوها الواقع الثقافي العراقي لكن تبقى محاولات أصحاب العقول النيرة وبعض المؤسسات الثقافية ومنضمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن الثقافي تسعى لإعادة الحياة إلى المشهد الثقافي العراقي فأخذت تلك المؤسسات على عاتقها عقد ندوات ومؤتمرات ثقافية وأدبية تسلط الضوء على الإرث الثقافي العراقي, وقد كان مشروع "أنا عراقي, أنا اقرأ" احد تلك المحاولات لأجل إحياء ثقافة القراءة والاطلاع وتوسيع الأفق المعرفية والتي نتمنى أن تكون الطريق الذي سينهض بالمجتمع العراقي من جديد نحو إعادة روحه الثقافية وريادته المعرفية.

Share |