أفكار ديمقراطية/ حيدر الجابر
Tue, 1 Oct 2013 الساعة : 0:41

تُوصف الانتخابات التي تجري في دول العالم أنها حالة صحية تعبّر عن سلامة المجتمع من الأمراض السياسية التي أهمها الدكتاتورية والتسلط، وأقصد الانتخابات الحقيقية التي تجري من دون رقابة ولا تسيير من السلطة القائمة. والانتخابات الحقيقية تثبت بما يقطع الشك أن أهم غاية ديمقراطية قد تحققت، وهي التعبير عن الرأي. الانتخابات أكمل فكرة ابتدعها الإنسان، وهي كذلك أفضل وسيلة لتدعيم الدكتاتوريات وإسباغ الشرعية على الخطأ، وهذا ما يثير نوبة من اليأس واللا مبالاة. تؤدي فيما بعد إلى تحول العملية الديمقراطية إلى حالة دورية من الرتابة الموسمية التي يتحمّس لها المستفيدون من وجهة نظرهم، أو من يرجون التغيير بأسوأ الطرق، دعماً لموقعهم، وهو ما يخلق حالة جديدة من الأرستقراطية السياسية الفاسدة.
هذا الوصف المزري للديمقراطية موجود في لبنان، الذي تُقنّن فيه الطوائف ويتبنى الدستور هناك نظاماً طائفياً صريحاً، وهو ما يبدو أن الديمقراطية العراقية ستنتهي إليه في ظل الأجواء غير المجدية التي تساعد على الإحباط والقنوط، حيث ينظر المواطن الذي أدلى بصوته أو سيدلي بصوته بحسرة إلى الانتخابات في الشرق والغرب، إيماناً منه بلا جدوى فعله الذي فعله بتأثيرات أو آمال يكتشف بطلانها دائماً. أكثر ما يثير الاستغراب هو التهديد من فقدان "المكاسب" التي حصّلها الشعب طوال السنوات الماضية، متزامناً مع وعود رومانسية بـ"التغيير". وهكذا نسأل: ماذا سنفقد؟ وماذا سنغير؟ وما الجدوى؟
قرّر صدام حسين إجراء استفتاء على بقائه رئيساً للعراق، أي أنه لا يوجد مرشح منافس. وقرر البالغون من عائلتي إرسالي لأنتخب بدلاً منهم، وقد كنت حينها لم ابلغ السن القانونية بعد. ومع ذلك استقبلني "رفيق" يتكئ على صندوق الاستفتاء بابتسامة، وأخذ الأوراق الفارغة مني، وملأها بـ"نعم"، ووضعها في الصندوق، ثم قال "روح الله وياك" والابتسامة نفسها صامدة على وجهه. وقبلها بايام اقتحم صف المدرسة زمرة من البعثيين وأبلغونا مهدّدين متوعدين أن نعلم أهالينا أن من لاينتخب "السيد الرئيس" سـ"ينبشون أجداده" و"يعلقونه على المشنقة". كلّ يرى الديمقراطية من وجهة نظره، وكلّ يفهم منها ما يتّسق مع أهدافه. ولكنها تظل الاختيار الأول لكل نظام سليم النية أو عليلها.
جريدة المؤتمر