انتفاضة الأقصى أثبتت أنها الطريق والخيار الوحيد لتحرير الارض والانسان/عباس الجمعة

Sun, 29 Sep 2013 الساعة : 0:45

ثلاثة عشرة عاما مضت على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ايلول 2000، التي خاضت الجماهير الشعبية الفلسطينية غمارها، ومعها القوى الوطنية والاسلامية حيث واجهت القمع الدموي إلاسرائيلي غير مسبوق، وتتزامن الذكرى اليوم مع تعدد الخطاب السياسي الفلسطيني واجنداته المختلفة .
لا نخفى على أحد حقيقة حسابات الهبوط السياسي في العودة الى التفاوض دون اي شروط مسبقة ، اضافة الى الموقف الرسمي الذي يتم التاكيد عليه وحتى لا ننساق بعيدا مع الأوهام وحتى لا نبقى أسرى الشعارات والمواقف التي خدرت الشعب الفلسطيني ، يجب الاعتراف بأن المفاوضات التي انطلقت علنا منذ مدريد سرا قبله وبعده، هي مفاوضات بين قوى غير متكافئة، حيث نرى التنكر الصهيوني للحق الفلسطيني، والاندفاع السلطوي نحو المفاوضات في ظل الانبهار بإشارة مجردة لحدود عام 1967م جاءت على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما في لحظة عابرة ، في وقت تنتهك فيه حرمات المسجد الأقصى الشريف ويدنس من قبل قطعان المستوطنين المتطرفين، وتكاد عمليات التدنيس لأولى القبلتين غائبة عن أخبار الإعلام العربي ونشراته، وإن حضرت فهي على استحياء أقل ما يمكن وصفها بأنها عبارة عن خبر عن آخر أحوال الطقس يذيل به النشرة الإخبارية.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني لم يأخذ في الحسبان كما هو واضح للعيان في الحالة الفلسطينية، حيث تتمسك القيادة السياسية بالعملية السياسية واتفاق أوسلو المشؤوم رغم كل الظروف المأساوية التي وصلنا إليها، بفعل الاندفاع نحو اتفاق خلا من تحديد الأسس والمرجعيات وأغفل وضع إطار للقضايا الرئيسية والهامة كالحدود والقدس والمستوطنات، بالإضافة للقضية الجوهرية قضية اللاجئين، وان ما يتوخف منه الجميع اليوم هو تقديم تنازلات خلال فترة المفاوضات على مدار تسعة اشهر ومنها الاعتراف بحق الكيان على 78% من الأراضي الفلسطينية وإبقاء مصير 22% ما تبقى من الأراضي الفلسطينية مرهونة باتفاق مع الكيان الصهيوني ، ورهينة للمناورات الصهيونية والتي تجعل من سياسة الباب الدوار مدخلاً لمواصلة قادة الكيان إطالة أمد المفاوضات السياسية بالترافق مع مواصلة بناء المستوطنات وفرض سياسة الأمر الواقع.
وامام ذلك نقول ان استخلاص الدروس والعبر من انتفاضة الأقصى التي استطاعت أن تصحح الاختلال في موازين القوى وجعل القضية الفلسطينية في صدارة الأحداث إقليميا ودوليا وأعادت الوحدة للشعب الفلسطيني وافشلت تهديدات الكيان الصهيوني باستئصال الانتفاضة بمائة يوم رغم استخدام القوة المفرطة بسبب قوة وإرادة الشعب الفلسطيني التي كانت أقوى من إرادة الاحتلال .
لهذا نرى ان صيانة دماء ووصايا شهداء انتفاضة الأقصى ،التي أثبتت أنها الطريق والخيار الوحيد لتحرير الارض والانسان ، وبفضلها تحولت الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس إلى إمكانية واقعية ، وهذا مما يتطلب الانسحاب الفوري من المفاوضات التي لم تعطي اي نتيجة سوى تقطيع أوصال الأرض والشعب والقضية والمؤسسات، ونحن نشهد ما تقوم به حكومة الاحتلال والاستيطان من ممارسات واعتداءات في نهب وتهويد الأرض والمقدسات والتنكيل بالإنسان الفلسطيني تحت ستار المفاوضات لا يمكن ان يمر ، وواهم من يعتقد أن هناك أية حلول لقضية فلسطين ما لم يُضمَن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948.
ان المنطقة تشهد اليوم اختلالات كبرى وبالتالي نحن نرى أن ما سمي عملية السلام، وصل إلى طريق مسدود، وبدأ الشعب الفلسطيني يتحدث عن ضرورة رسم استراتيجية عمل فلسطيني جديد، ابرزها إنهاء الانقسام وتوحيد الساحة الفلسطينية وهذا يستدعي ترجمة وثيقة الوفاق الوطني التي تمثّل الأساس السياسي لما اتفق عليه.
ان ما يجري اليوم من محاولات امريكية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط لدرجة التدخل العسكري ومحاولة إعادة الاستعمار القديم ، الهدف منه اعادة الاستعمار الاقتصادي والسيطرة الاقتصادية تحت نظرية الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، وضمن إطار هذه الاستراتيجية بدأت تطرح سيناريوهات وأطروحات تستهدف تفتيت وتجزئة الى كانتونات الطائفية والمذهبية والوصول الى تصفية القضية الفلسطينية، كقضية جوهرية بالنسبة للعرب وجعل إسرائيل الدولة الإقليمية الأولى المسيطرة اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، خصوصاً وأنها تمتلك طموحات للعب دور الشريك للإمبريالية الأمريكية في المنطقة وليس التابع، هذا المخطط الشامل يستهدف تحويلنا إلى عبيد للرأسمال العالمي وجعل المنطقة تحت السيطرة الأمريكية بشكل تام.
وفي ظل هذا الواقع علينا ان لا نفقد البوصلة، فإن تناقضنا الرئيسي مع المشروع الصهيوني يتطلب استنهاض دور الاحزاب والقوى التقدمية والقومية العربية في مواجهة هذا المشروع.
ولكن في المشهد الفلسطيني،تبقى الجماهير سيدة الموقف ،وهي المحرك والرافعة للسقف النضالي شعبياً وجماهيرياً،هذا النضال الشعبي الذي قد يندفع نحو إنتفاضة شعبية بفعل قضية الأسرى أو الأقصى والاستيطان أو عوامل أخرى رغم حالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية، لأن الشعب الفلسطيني استطاع وعبر عقود طويلة في تلك المواجه المفتوحة مع "السرطان الاحتلالي" أن يثبت قدرته على التحمل وعلى مواجهة الصعاب ، وهو القادر على تغيير موازين القوى
ان الدروس المستخلصة من انتفاضة الاقصى أثبتت بان الشعب الفلسطيني يختزن الكثير من الطاقات والقدرة على العطاء والتضحية، وها هو يثبت يوميا بانه بحاجة الى قيادة بحجم تضحياته وعطاءه وملتحمة معه في الميدان.
ختاما : ما يحدث في اليوم في الضفة الفلسطينية والقدس من بروفات كفاحية ونضالية وهبات، هي المؤشر الواضح على انتفاضة ثالثة عنوانها القدس وحق العودة، وإعادة المشروع الوطني الفلسطيني لحيويته وبوصلته الحقيقة في مجابهة الاحتلال الصهيوني ، ونحن على يقين أن الشعب سيواصل طريقه الحتمي في المقاومة والكفاح من أجل استعادة ارضه ودياره ومقاساته مهما كانت التضحيات.

كاتب سياسي

Share |