تصفير المشاكل والخلافات في ظل الاستراتيجية/م . م فاضل عبدعلي الشويلي
Sun, 29 Sep 2013 الساعة : 0:24

منذ عام2002 شهدت تركيا عملية تغيير دستوري وقانوني، عند فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية, فقد تصالحت تركيا مع جميع دول جوارها كما سعت حكومة العدالة والتنمية لإقامة علاقات طيبة مع الدول العربية، واتجهت نحو تبني موقف فاعل من القضايا الإقليمية, ودعم القضية الفلسطينية، كما أنها شهدت تطوراً نسبياً في ما يتعلق بالحريات, وتفهماً اكبر في ما يخص المسألة الكردية والأرمنية والعلوية والشأن الداخلي عموماً، أما في ما يتعلق بالعلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية وفق الإستراتيجية التركية الجديدة، فقد استمرت العلاقة الإستراتيجية بينهما، ولكن فترة حكم حزب العدالة والتنمية امتازت بإتباع سياسية سعت من خلالها لئلا تتعارض علاقتها مع الولايات المتحدة ومع مصالحها الإقليمية والدولية الأخرى.
وتجدر الإشارة, بأن حكومة حزب العدالة والتنمية حاولت أن تجسد إستراتيجيتها الجديدة من دون القطع الكامل مع ثوابت العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فكل خطوة تجاه العرب والمسلمين هي انتقاص من حجم العلاقة مع المحور الأمريكي – الإسرائيلي.
وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة, فقد استمر الخطاب التركي يتحرك عبر النظر إلى تركيا على أنها جزء من المحور الغربي مع بعض التعديلات المحدودة في المكان والزمان, لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة, حصل تغيير جذري, ليس فقط في التوجهات التكتيكية، بل حتى في أصول السياسات المتبعة، وللمرة الأولى يتولى السلطة حزب يحمل مسبقا رؤية مختلفة إلى مكانة تركيا وموقعها ودورها في الساحتين الإقليمية والدولية، فيرى أحمد داود أوغلو واضع هذه الرؤية الجديدة قبل وصول الحزب إلى السلطة، على "أنه من دون قراءة صحيحة للظروف والمتغيرات الدولية, لا يمكن فهم السياسة الخارجية التركية, ومن ثم فهم رؤيتها الإستراتيجية الجديدة.
فضلاً عن ذلك, فإن تركيا وضعت أمامها هدفاً رئيساً, وهو أن تكون سياستها الخارجية متعددة الأبعاد، أي أنها غير مستعدة بعد الآن أن تكون دولة طرفية في محور ضد محور آخر، وأن تخفض مشكلاتها مع جيرانها إلى درجة الصفر, وان تكون على مسافة واحدة من الجميع, وان تتبع أسلوب الدبلوماسية الاستباقية، التي تحاول حل المشاكل قبل تفاقمها، وبموجب هذه السياسة تنتقل تركيا من دور الطرف إلى الدور المركز الفاعل والمؤثر لا المتلقي.
وتقع أولويات تركيا في تحول محيطها الذي كان محيطاً معادياً على امتداد العقود الماضية, إلى محيط صديق، لأن مصالح تركيا تقتضي ذلك مستفيدة من دروس الماضي الكابحة لتطور تركيا وتنميتها وتقدمها، لذلك لم تكتفِ تركيا بتغير سياستها مع محيطها المباشر, بل رأت أن قوتها هي أيضاً في اعتماد قيم جديدة في الحرية والديمقراطية مع موازنة ذلك بحماية أمنها القومي.
ومن هنا كان اندفاع حزب العدالة والتنمية على طريق الاتحاد الأوروبي, لعله يُكسِبُ تركيا إصلاحات بأمس الحاجة إليها لتطوير النظام، وهنا افترقت تركيا بنسبة عالية عن الدول المسلمة التي تنتمي إليها جغرافياً وثقافيا فتقدم الأنموذج التركي ليكون نسبياً قدوة للأنظمة في العالم العربي والإسلامي, وإن كان هذا الأنموذج في ظل تأخر الإصلاح الداخلي ما يزال غير مقنع، وعلى الصعيد الخارجي سعت تركيا كأولوية لإيجاد مخرج للتهديدات التي تواجه وحدة أراضيها والمتمثلة في المشكلة الكردية بشقيها الداخلي وفي شمال العراق.
وإن التحدي الأكبر في وجه السياسة الخارجية التركية الجديدة يقع تحديداً في العراق، فعلى رأس المشكلات التي تواجه تركيا, المسألة الكردية وامتدادها داخل تركيا، وهذه كانت في أساس مواقف تركيا من كل التطورات التي حصلت في العراق منذ الاجتياح الأمريكي للعراق وحتى اليوم، وتسعى تركيا اليوم في ظل التحولات الآيديولوجية الإسلامية لقادة حزب العدالة والتنمية لصياغة سياسة خارجية جديدة تأخذ في الحسبان العمق التاريخي والجغرافي والثقافي للبلاد والمجتمع.
ويتضح مما تقدم, فأن تركيا تحاول أن تحافظ على علاقتها بدول الجوار بشكل دائم, لأنها تعتبر جزءاً من سياستها الشرق أوسطية، بالإضافة إلى ذلك فهو تطبيق لسياستها وإستراتيجيتها الجديدة، وما يؤكد ذلك, اتفاقيات التعاون الإستراتيجي التي أبرمتها الحكومة التركية مع العراق وسوريا، وتعتبر من أولى أولويات الإستراتيجية الجديدة لتركيا هي المسألة العراقية، لما يمثله العراق من بعد جيوسياسي وجيواستراتيجي وجيوثقافي لتركيا، فضلاً عن العمق الديموغرافي بين البلدين.
بيد أن هذه الاستراتيجية الجديدة باتت ما بين النظرية والتطبيق، لأن تركيا اليوم لم تعد تعتمد وتستند الى الرؤية الجديدة والاستراتيجية التي طرحها مهندس السياسة التركية احمد داود اوغلو من خلال نظرية العمق الاستراتيجي وموقع تركيا في الساحة الدولية، والتي تعد هي الرؤية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية، وكانت العلامة الفارقة لهذه الرؤية هي مسألة تصفير الخلافات والمشاكل مع دول الجوار، ولكن عمدت تركيا الى التدخل السافر في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وهذا يتضح جلياً من خلال التدخل في الشأن السوري والشأن العراقي، فضلاً عن الشأن الفلسطيني، وكأنها رسالة بعودة الامبراطورية العثمانية بثوب جديد من خلال العثمانيون الجدد، في ظل رياح التغيير التي تعصف في المنطقة، والدعوة الى تطبيق مشروع الشرق الاوسط الكبير بقيادة الولايات المحتدة الامريكية.