الحروب والأرهاب وطفولة في الشوارع/طاهر مسلم البكاء

Thu, 26 Sep 2013 الساعة : 2:27

وسط الزحام وفي المناطق التي يتباطئ عندها السير نجد أطفال بعمر الزهور يتسابقون لتنظيف زجاج السيارات المارة في الشارع ،رغم خطورتها على حياتهم ، وبعضهم يحمل سلع مختلفة للبيع وبعضهم بحالة يرثى لها يمدون ايديهم متسولين ، انها حالة ونموذج من حالات أوسع تصادفك في بغداد ومدن العراق الأخرى ،وهي حالات بقدر ما تحمل من معاني الأسى والألم فأنها مدعاة للتساؤل والبحث والدرس في اسبابها ومسبباتها ، ومن المسؤول عن هكذا واقع ،وهل ينفع العلاج المتأخر أم معالجة الأسباب من البداية ، كوقاية خير من العلاج ،ومن المؤهل لكي يقوم بالوقاية والعلاج ؟
حقائق رهيبة :
أغلب هؤلاء الأطفال (اولاد وبنات ) اتخذوا من الشوارع مساكن لهم أحوالهم متعبة ، وبقايا الطعام قوتا ً لهم ، تروي قصصهم قضايا اجتماعية واقتصادية وامنية خطيرة وقصصهم ظهرت بشكل لافت بعد الحرب الأمريكية على العراق واحتلال العراق الذي ولد حروب داخلية واعمال عنف، خلف عددا كبيرا من الأيتام والأرامل اضطرتهم الظروف وفقدان معيلهم الى ترك الدراسة والنزول الى الشوارع،و لم تتخذ السلطات المسؤولة ولا منظمات المجتمع المدني أي اجراءات مناسبة لأنتشالهم .
تقرير لمنظمة اليونسيف :
معظمهم يحملون السكاكين والألات الحادة ،وهم من مدمني الخمور والسكائر و المخدرات وخصوصا ً المصنعة محليا ً كالثنر والسيكوتين والبنزين وانواع الحبوب المخدرة المختلفة التي تباع في الأسواق الشعبية ،التقرير الأممي اشار الى ان الكثير منهم قد تعرض الى اعتداءات جنسية الى جانب المخاطر الصحية بما في ذلك الأصابة بالأمراض التناسلية والأيدز وامراض نفسية اخرى وحالات الحمل الغير شرعية ،فيما يباع بعضهم في سوق النخاسة ، وقتل بعضهم وانتزعت أعضاءه وخاصة الكليتين ،وان الحرب الأخيرة نقلت الصراع الى داخل المدن والبيوت والأسواق فنالت ما نالت صورها البشعة من مخيلة الأطفال البريئة .
وقد قدر تقرير لمنظمة اليونسيف عددالأطفال الذين يعملون في الشوارع ب ( 800 ) الف ، وان اكثر من مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر .
وقد تحدث صندوق الأمم المتحدة للطفولة ( اليونسيف ) عن حرمان أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي من حقوقهم الأساسية وذلك بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003 ،كما حذرت منظمة أطفال الحرب البريطانية من ان العراق قد تحول الى أحد أسوء الأماكن للأطفال في المنطقة ،وألقت المنظمة باللائمة على الدول التي اشتركت في غزو العراق وعلى رأسها امريكا وبريطانيا ، وأنها قد تخلت عن اطفال العراق وخفضت من المساعدات له رغم تزايد العنف فيه .
صورة من حياتهم :
هناك الأطفال الذين يعملون برضى اهاليهم ، وهم يعودون بعد العمل الى بيوتهم غير انهم عرضة الى التأثر بفوضى وأخلاق الشارع والتي لاتناسب اعمارهم فيسقطون في فخاخ الأنحراف والجريمة .
وهناك الأطفال الذين انقطعت علاقتهم بأي رابط اسري ، فهم مرتبطون كليا ً بالشارع ويتخذون من الشارع أو الفنادق او المناطق المهجورة ومناطق الطمر الصحي سكنا ً لهم وهم أخطر من الفئة الأولى حيث ينغمسون كليا ً في ممارسات خطرة عليهم وعلى المجتمع ككل .
اسباب انتشار الظاهرة في العراق :
ان السبب الرئيس يعزى الى الحروب التي خاضها النظام السابق والتي ادت الى تيتم الاف الأطفال من جهة الأب ،ثم تلى ذلك الحصار الجائر الذي فرض على شعب العراق لأكثر من اثني عشر سنة والذي انخفض فيه المستوى المعاشي للفرد العراقي الى ادنى مستوياته مما اضطر العائلة للعمل بكل افرادهالكسب العيش ،بضمنهم الأطفال ، ثم حروب آل بوش التي شنها الأمريكان على العراق وكانت احداث 2003 هي الأخطر حيث احتل العراق وسمح لصراعات داخلية خطيرة ان تجري داخله ومن ثم ظهور حلقات الأرهاب الذي نقل الحرب الى الشوارع والأسواق والبيوت ، وولد حالات خطيرة من فقدان المعيل أحوجت لنزول الأطفال بكثافة الى الشارع، حيث تشير الأحصائيات الى ان 60 % من الأطفال الأيتام يعملون كمعيلين لعوائلهم ،وهي ظاهرة تدل على عدم تحسن الدخل للفرد العراقي واستمرار العوز والفقر رغم الميزانيات الأنفجارية التي كانت ترصد سنويا ً بسبب شيوع الفساد الأداري والسياسي .
هل يمكن العلاج :
ان الظاهرة في العراق هي ظاهرة غير طبيعية صنعتها الظروف القاهرة التي مر بها البلد ، ولهذا لايمكن ان نقول ان وزارة العمل والشؤون الأجتماعية بأمكانياتها البسيطة قادرة على معالجة هذه الظاهرة والتي تستدعي معالجة سريعة وجدية بسبب ما تحمله من مخاطر ليس فقط على مستقبل هؤلاء الأطفال بل على مستقبل البلد برمته و برأينا ان يتم :
- دراسة الظاهرة من قبل متخصصين وباحثين يكلفون من الدولة وعلى عموم الدولة العراقية لكشف مسبباتها .
- وضع الأحصائيات الدقيقة عن هذه العمالة والأماكن التي تنتشر فيها .
- الطرق المثلى للمعالجة كتوفير العمل المستقر والكريم وتوفير السكن .
- الطرق المثلى للوقاية ، وهي منع عمالة الأطفال ووجوب استمرارهم بدراستهم ، ووجوب القضاء على المسببات الرئيسية التي تجبر الطفل على النزول للعمل .
- الأهتمام والمتابعة الجدية من الدولة ، لما تشكله هذه الظاهرة من خطر اجتماعي واقتصادي وامني .

Share |