الرئيسية>مقالات>

مفاوضات عقيمة وبدائل مبهمة/محمد السودي

Thu, 26 Sep 2013 الساعة : 1:34

لازالت الصورة النمطية التقليدية هي ذاتها التي تشكّل القاسم المشترك بين مكوّنات النسيج السياسي الفلسطيني حيث تجذّرت هذه الظاهرة مع مرور الزمن ، ثم أضحت ثقافة شمولية لدى النخبة مما قلصّ من فعاليتها إلى حدود دوائر مغلقة تدور حولها ماجعل من القوى المحرّكة للعملية الوطنية مجرّد ردّة فعلٍ بدل أن تصنع الفعل المؤثرالمرتبط بالتحولات النوعية ، يرجع أحد أهم أسبابها بالأزمة البنيوية العميقة لحركة التحرر الوطني التي فشلت لغاية الأن التكيّف مع الواقع المتحرك إذ لايمكن قياس المراحل وفق قوالب جاهزة تصلح لكل زمانٍ ومكان ، قد تؤدي سياقاتها تراكمياً إلى كوارث غير مرئيةٍ على المدى القصير لكنها وجدت نفسها بعد حين أمام معضلات مستعصية دون امتلاك حلول ممكنة بغض النظر عن محاولات التصنيف والمسمّيات أو التمايز الشكلي لهذه القوى أو تلك الذي لايؤثر على المشهد السياسي العام ، ومنذ مؤتمرمدريد الذي وعد الرئيس "بوش الأب" الدول المتحالفة معه "كجائزة ترضية" لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة دخلت المنطقة العربية دوامة المفاوضات مطلع تسعينات القرن الماضي ليس لأنها من فرض ضرورة انعقاده بل أملته إسقاطات أمريكية استراتيجية تزامنت مع رؤيا جديدة للأقليم بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة قائمة على غزو الدول وتفكيك مكامن قوّتها للحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة .
ظهرجلياً بعد إعلان اتفاق مباديء أوسلو قبل عشرين عاماً الموازي لمؤتمر مدريد بشكل سري بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الإحتلال ، الذي فجـّر مفاجأة مدّوية من العيار الثقيل لشركاء العمل الوطني وأحدث شرخاًً عميقاً طال الأطر الفلسطينية الرسمية والفصائلية المختلفة بين رافضٍ ومؤيد ومتحفظ للخطوة أن أزمة الوضع الفلسطيني وصلت ذروتها بعد أن ضاقت هوامش المناورة الذي كان متاحاً لها في أوقات سابقة نتيجة الإصطفافات العربية الجديدة إضافة إلى الحصار المالي والسياسي وبالتالي كان لابد من سلوك مسار"الممّر الإجباري" حسب زعم القائمين على المشروع بما يحمله من مثالب وعيوب تتيح الفرصة للطرف الأقوى فرض تفسيره الخاص لكل عنوان من عناوين الإتفاق المذكور بما في ذلك حرية التنقل والعمل فضلاً عن تبعية لاقتصاد بالإحتلال وانعدام التنمية وخلق مناخ الإستثمار ، لذلك دأبت حكومة الإحتلال على التهرب من التزاماتها عند كل مفصل وجب عليها تنفيذه خاصة انتهاء المرحلة الإنتقالية في شهر أيار عام 1999م ، من خلال افتعال أسباب ومبررات معرقلة ، تعيد فتح المفاوضات من جديد عملأً بنصيحة "اسحاق شامير" رئيس حكومة الإحتلال صاحب اللاءات الثلاث أبان مؤتمر مدريد الذي قال في أوساطه المقربّة سنتفاوض مائة عام دون نتائج جوهرية تذكر، ويبدوأن نبوئته تسير بالإتجاه الصحيح إذا مااستمرت حالة اللامبالاة وانتظار علوم الغيب .
إن مرور عشرين عاماً كافيةً لجرد حساب حول ماهيّة المكاسب التي حققها الشعب الفلسطيني للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة بالحرية والإستقلال من عدمها ، إذ تتضح مدى الأزمات الداخلية التي سببّها قصور الرؤيا وتجاهل القضايا الجوهرية للصراع التي أطلق عليها قضايا الوضع النهائي وانعدام وجود استراتيجية وطنية فلسطينية جامعة تسـدّ الثغرات الناجمة عن الإتفاق أو على الأقل تحسين أدائها بما يقربّها من غاياتها ، بينما وفرّت اتفاقية أوسلو لحكومة الإحتلال مناخاً مثاليا لم تكن تحلم به من زاوية تنفيذ مخططاتها الإستيطانية الإستعمارية على كافة الأراضي الفلسطينية التي تسارعت وتائرها أضعافا مضاعفة عن الأعوام السابقة ، خاصةً الحفريات التي تقوم بها سلطات الإحتلال حول وتحت المسجد الأقصى مما يجعله عرضةً للإنهيار أمام عوامل الطبيعة ، مقدمةً لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه وتهويد مدينة القدس والمساس المتعمّد بمقدساتها جراء إستفزازات وإرهاب المستوطنين الذين تشجعهم وتحميهم حكومة اليمين المتطرف ، ومصادرة أراضي المواطنين وهدم البيوت وتشريع سياسة التطهير العرقي من خلال محاولات ترسيم قانون مصادرة أملاك الغائبين العنصري يشمل الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 ، فضلاً عن شق الطرق الإلتفافية وفرض سياسة الأمر الواقع على مناطق الأغوارالتي تعتبر حدود الدولة المنشودة مع الأردن وإقامة جدار الفصل العنصري مايعني تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية واستحالة قيام دولة فلسطينية متواصلةً جغرافياً .
أما على المستوى الداخلي فرض اتفاق أوسلو حالة جدلٍ غير مسبوقة حيث لم تتمكن الفصائل والقوى الفلسطينية على مختلف تنوعها بلورة رؤيا تكون بمثابة الناظم لمسار عملها السياسي بالتوازي مع إنجاز مهمات التحرر الوطني الديمقراطي ثم تفاقمت الأزمات بعد ذلك لتصل حد التناحر إثر فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية التي أسست لمرحلةٍ قاتمة السواد في تارخ العلاقات الوطنية الداخلية قوامها الإنقسام السياسي والجغرافي أدى إلى تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية عقود من الزمن ، الأمر الذي عبّد الطريق أمام غطرسة الإحتلال وفرض شروط وإملاءات جديدة لم تكن واردة في أوقات سـابقة ، لعـلّ الغريب فيما جرى أن الصراع الداخلي
الذي زرعت بذوره اسرائيل وغذّته على الدوام بعد انسحابها أحادي الجانب من قطاع غزة ولعبت على أوتاره سـرعان ماحصدت نتائجه تارةً بالعدوان الهمجي الغاشم والحصارعلى الشعب الفلسطيني، وتارةً أخرى بتوقيع الإتفاقيات المباشرة أو غير المباشرة مع مختلف الأطراف لضمان أمنهاوسلامة مستوطنيها بشروط أقل مايقال عنها بأنها مذّلة ومسيئة للنضال الوطني الفلسطيني وتضحياته الجسام ، في حين لم تنجح جولات الحوار الفلسطينية التي استمرت سنوات عديده من الإتفاق على تنفيذ المصالحة الوطنية ، مايثير الريبة والتساؤل حول إمكانية الإتفاق مع الأعداء بوقتٍ قياسي قصير بينما يكون التشدّد والمماطلة عنواناً للعلاقات الوطنية الداخلية.
إن السقف السياسي المتاح أمام القوى السياسية الفلسطينية لم يتعدى حدود اتفاق أوسلو الذي تم بموجبه إقامة السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي وبناء المؤسسات الأخرى مايعني أن وظيفتها لاتتعدى السهر على خدمة تنفيذ الإتفاق المموّل من الجهات الراعية له بغض النظر عن تنكر إسرائيل لإلتزاماتها تجاه العديد من القضايا إلا بما يمس أمنها ، لذلك لاينبغي الحديث عن البدائل بأعلى من السقف الذي قبلت به عمليا مختلف القوى والأطراف المشاركة أو الساعية للسلطة أو المستفيدة من تفاصيله لأنها لن تكون مجدية ومنفصلةً عن الواقع لذلك تكون الدعوات إلى تصعيد المقاومة الشعبية ومختلف الفعاليات الوطنية في مواجهة الإحتلال أصابها نكوص بكونها لاتتعدى ظاهرةً صوتية إن لم تتوفر شروط استدامتها وفق برنامج وطني شامل تسخّر له كافة الطاقات والإمكانيات من أجل انجاحه ومشاركة الداعين له أولاً ، وبالتالي أضحت الطريقة السهلة أمام الجميع تقتصر على ردّة الفعل ، بينما تستمر المفاوضات العقيمة في ظل الإستيطان والعدوان وانحياز الإدارة الأمريكية لحليفتها الإستراتيجية التي ذكّر رئيسها المجتمع الدولي بالحفاظ على دولة يهوديةٍ ديمقراطية مقابل دولةٍ فلسطينية لايدري أحد أين ستقام ، وبدائل مبهمةٍ غير ناضجة ، إلى أن يقول الشعب كلمته الفاصلة التي لاتحتاج لقرارٍ من أحد ...
كاتب سياسي

Share |